صفقة مارسيليا.. هل ينافس بن سلمان قطر بأموال الوليد بن طلال؟

الأحد 10 مايو 2020 06:43 م

"وصلت إلى مرحلة متقدمة للغاية"..

هكذا وصفت صحيفة "توتو ميركاتو" الإيطالية مفاوضات الأمير السعودي "الوليد بن طلال" مع نادي "أوليمبيك مارسيليا" الفرنسي للاستحواذ على النادي العريق، مقابل 250 مليون يورو (270 مليون دولار).

ما أثار تساؤلات بين مراقبي الشأن الخليجي حول الهدف الحقيقي من الصفقة، وما إذا كانت استثمارا فرديا، أم جزءا من اتجاه المملكة للاستحواذ على أندية أوروبية ذات شهرة وتنافسية تاريخية؟

وتزايدت هذه التساؤلات بشكل خاص في ظل تزامن الأنباء حول صفقة مارسيليا مع محاولات مماثلة لصندوق الاستثمار العام في المملكة للاستحواذ على نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي، وفق شراكة بين صندوق الاستثمار السعودي وسيدة الأعمال الأمريكية "أماندا ستافيلي" بنسبة 80% و20% على التوالي.

ويعد ضخ رأس المال السعودي في مجالات الرياضة والترفيه أحد ركائز رؤية ولي العهد "محمد بن سلمان"، لكن استثمارات السعودية في الأندية الأجنبية بدأت في وقت مبكر على يد الأمير "عبدالله بن مساعد آل سعود"، الذي يمتلك ناديي "شيفيلد يونايتد" في إنجلترا، و"بيرسخوت" في بلجيكا، قبل أن يقوم "بن سلمان" بتوسيع هذا التوجه مانحا مستشاره المقرب "تركي آل الشيخ" الضوء الأخضر للقيام بصفقات استحواذ مماثلة على رأسها قيامه بشراء نادي "ألميريا" الإسباني.

وتعود ملكية نادي "مارسيليا" إلى المستثمر الأمريكي "فرانك ماكورت"، المالك السابق لفريق لوس أنجلوس دودجرز للبيسبول، والذي أنهى رسميًا حقبة عائلة "لويس- دريفوس"، التي سيطرت على النادي طوال 20 عامًا، فيما يعد ملعب "فيلودروم"، العقبة الوحيدة أمام إبرام صفقة تملك "الوليد بن طلال" للنادي الفرنسي، إذ تعود ملكيته للمدينة الفرنسية وليس للنادي، لكن وسائل إعلام محلية أشارت إلى أن موافقة بلدية المدينة على البيع ممكنة، وبالتالي فإن الاتفاق سينتهي في أقرب وقت.

ولا تعد هذه هي المرة الأولى التي يتفاوض فيها "بن طلال" على شراء "مارسيليا"، فقد كان على وشك الاستحواذ على النادي في عام 2014 قبل أن تفشل الصفقة في اللحظات الأخيرة، لكن قيمة الصفقة هذه المرة تضاعفت تزامنا مع انخفاض كبير في ثروة الأمير السعودي، حسبما رصدت وكالة "بلومبرج"، وهو ما يضيف العديد من علامات الاستفهام حول سر إصرار "الوليد بن طلال" على إعادة التفاوض على صفقة سبق أن فشل في إبرامها سابقا في هذا التوقيت بالذات.

مخير أم مسير؟

تتزايد علامات الاستفهام المحيطة بالصفقة مع تنامي الشكوك حول وجود قيود مفروضة على حركة "الوليد بن طلال" وعلى قراراته الاقتصادية من قبل ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، إذ لم يسمح "بن سلمان" لمعظم الأمراء ورجال الأعمال الذين اعتقلهم في فندق "ريتز كارلتون" في الرياض عام 2017، وعلى رأسهم "بن طلال"، بالسفر إلى الخارج.

ومنذ الإفراج مطلع عام 2018، أوردت تقارير غربية أن الأمير "الوليد" مراقب بشكل دائم ويتم رصد تحركاته بعناية، خاصة عندما ينتقل الى الصحراء الذي يعشق قضاء الوقت بين رمالها.

وربطت وكالة "بلومبرج" التراجع الكبير في ثروة الملياردير السعودي (لا تتجاوز 13.4 مليار دولار حاليا، بعدما كانت 36.1 مليار دولار في 2014) بعدد من العوامل، بينها آثار الفوضى التي أحدثتها اعتقالات ريتز كارلتون.

وأدى اعتقال "بن طلال" في الفندق الشهير إلى محو 1.2 مليار دولار من ثروته بشكل مباشر، ولم يستطع الخروج من الحجز إلا بعد 83 يوما بعد توقيعه على اتفاق "سري" مع الحكومة.

وتشير الوكالة الأمريكية إلى أن خسائر "بن طلال" قد تكون أعلى من الأرقام التي أعلنها مكتبه الخاص، خاصة بعدما طُلب منه، كبقية الأثرياء السعوديين، تخصيص مبلغ لشراء أسهم في شركة النفط السعودية العملاقة "أرامكو"، التي طرح جزء من أسهمها في البورصة السعودية في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، وهبطت قيمة أسهمها منذ ذلك الوقت بنسبة 7.2%.

في السياق ذاته، أكدت صحيفة "فايننشال تايمز" أن "الوليد بن طلال" لم يكن أمامه خيار سوى القبول بهذه الإملاءات، بعدما قرر "بن سلمان" حصر الاكتتاب محليا على عائلات المملكة الثرية بعد عزوف المستثمرين عن المملكة على خلفية فضيحة اغتيال الكاتب الصحفي "جمال خاشقجي" داخل القنصلية السعودية في إسطنبول؛ وذلك لضمان الحصول على التمويل اللازم من جهة، وبقاء كامل الشركة "تحت السيطرة" من جانب آخر.

وتعرض عدد من أفراد هذه العائلات للاحتجاز في قضية الريتز التي أطلقت الحكومة عليها "حملة مكافحة الفساد"، وتعرض بعضهم للتعذيب، حسبما أكدت مصادر الصحيفة البريطانية، وتم الإفراج عن غالبيتهم بعدما قيل إنهم توصلوا إلى تسويات مالية مع السلطات.

وبعد أكثر من 15 شهرا على إطلاق سراحه أجرى الأمير "الوليد"، أول رحلة له خارج السعودية، في 19 أبريل/نيسان 2019، حيث حضر نهائي البطولة العربية لكرة القدم (كأس الشيخ زايد)، بين "الهلال" السعودي، و"النجم الساحلي" التونسي، التي أقيمت على ملعب "هزاع بن زايد" في مدينة العين الإماراتية، ما قدم مؤشرا قويا على منعه من السفر طوال هذه المدة.

وخلال الفترة من إطلاق سراحه وحتى أول سفر له، دأب الملياردير السعودي على الظهور في وسائل إعلام محلية ودولية، ممتدحا "بن سلمان" ومؤكدا أنه لا يمتلك أي طموح سياسي.

وخلال عبر قناة "روتانا خليجية" في مارس/آذار 2019، قال "الوليد" إن المحبة بينه وبين "بن سلمان" "لا حدود لها"، ووصف ما تم بينه وبين الحكومة خلال مفاوضات الريتز بأنه "كان عبارة عن مفاهمة مرضية للطرفين، وليست تسوية" رافضا الكشف عن تفاصيلها.

وبالتزامن مع الاعتقالات المفاجئة التي طالت عددا من الأمراء مؤخرا، على رأسهم "أحمد بن عبدالعزيز"، شقيق العاهل السعودي الملك "سلمان"، والأمير "محمد بن نايف"، ولي العهد السابق، أعلن "الوليد" دعمه لرؤية السعودية 2030 بتوزيع 300 سيارة كهدايا ضمن مشروعين يعرفان بـ "كابتنة" و"مشوارك باليد"، في خطوة اعتبرها مراقبون "محاولة إثبات ولاء" خوفا من إعادة اعتقاله.

وقد دفعت الشواهد السابقة العديد من المحللين للقول إن إعادة التفاوض حول صفقة مارسيليا في هذا التوقيت قد لا يكون قرار "الوليد بن طلال" بقدر ما هو قرار "محمد بن سلمان"، وأن جزءا من ثروة الملياردير السعودي تم تحويلها بشكل غير رسمي إلى صندوق الاستثمار السعودي، الأمر الذي يفسر خسائره المفاجئة مؤخرا، والهبوط الكبير في ثروته.

وفي هذا السياق، علق المعارض الكويتي المقيم في المنفى بلندن "عبدالله الصالح" على الهبوط الكبير بثروة الأمير السعودي وصفقاته الأخيرة، مغردا: "الوليد بن طلال أسير لدى ولي العهد منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2017 (..) كان الله في عونه على المصاب الجلل".

منافسة صعبة

في ضوء ذلك، يمكن قراءة صفقة "مارسيليا" المنتظرة ليس فقط كجزء من خطط السعودية لتوسيع محفظة الاستثمار الرياضي الخاصة بها، ولكن أيضا كجزء من مساعي "بن سلمان" للتنافس مع قطر التي تمتلك نادي "باريس سان جيرمان" المهين على البطولات المحلية الفرنسية منذ عدة أعوام، والساعي بقوة للتنافس على دوري أبطال أوروبا.

وبينما تتركز شعبية نادي باريس سان جيرمان في العاصمة الفرنسية وضواحيها، يحظى مارسيليا بالشعبية في كافة أرجاء فرنسا منذ تألقه التاريخي في حقبة التسعينات وتحقيقه الفوز بدوري أبطال أوروبا عام 1993، قبل أن يفقد النادي الكثير من زخمه التنافسي خلال العقد الأخير.

ويمثل الاستثمار الرياضي فرصة تعزيز للمكانة السياسية للسعودية وقطر على السواء، ففي حين تسعى المملكة إلى تلميع صورتها الخارجية التي ساءت كثيرا بعد مقتل "خاشقجي"، فإن قطر توظف استثماراتها الرياضية لبناء سمعتها ومواجهة الانتقادات الموجهة إليها من اللوبي السعودي الإماراتي في الغرب.

ومن شأن هذا تنافس تنشيط الدوري الفرنسي لكرة القدم وتخليصه من الرتابة التي أصبح عليها بسبب وجود فارق كبير بين مستوى نادي باريس سان جرمان وباقي الأندية الفرنسية غير القادرة على ضخ أموال كتلك التي يضخها نادي العاصمة لشراء لاعبين كبار على المستوى العالمي.

ويعزز هذه القراءة أن "بن طلال" عقد عدة اجتماعات مع عدد من المديرين الرياضيين لاختيار أحدهم لقيادة مارسيليا، وأقربهم هو المدير الرياضي السابق لباريس سان جيرمان "أنتيرو هنريكي"، وفقا لما أوردته "توتو ميركاتو".

لكن طريق هذه المنافسة لن يكون سهلا؛ ليس فقط لأنه لا تزال هناك العديد من العقبات الفنية التي تواجه الصفقة، ولكن أيضا لأن إعادة نادي مارسيليا إلى مستوى تنافسيته السابق سيحتاج إلى استثمارات يبلغ حجمها أضعاف قيمة النادي الحالية، وحتى ذلك الحين فإن صفقة مارسيليا ستظل خصما إضافيا من ثروة "الوليد بن طلال" على الأرجح.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الوليد بن طلال محمد بن سلمان تركي آل الشيخ عبدالله بن مساعد مارسيليا باريس سان جيرمان

أفلس مرتين.. الوليد بن طلال يروي قصة شركته في أربعينية إطلاقها

مارسيليا ينفي أنباء بيعه بعد العرض السعودي

هل اشتري الوليد بن طلال نادي مرسيليا الفرنسي؟