أزمة الليرة تضرب مجددا.. هل يستطيع أردوغان الصمود؟

الأحد 10 مايو 2020 06:08 م

ما هي أسباب النزيف الجديد للعملة التركية وانخفاض قيمتها أمام الدولار الأمريكي متجاوزة أدنى سعر لها على الإطلاق وصولا إلى أكثر من 7 ليرات مقابل كل دولار؟

وما هي الآثار المترتبة على ذلك؟ وهل يجدي أسلوب معالجة الحكومة للأزمة؟ أم أن اللجوء إلى تمويل عاجل من صندوق النقد الدولي بات خيارا حتميا؟

تصدرت الأسئلة السابقة اهتمامات مراقبي الشأن التركي بعدما بلغ سعر صرف العملة التركية 7.23 ليرات للدولار الواحد بحلول الساعة التاسعة من مساء الخميس (7 مايو/أيار)، تزامنا مع تسجيل السندات الحكومية أكبر انخفاض لها في أكثر من 3 أسابيع، وتراجع بعضها بما يصل إلى 1.8 سنت، وفقاً لما أوردته شبكة "CNBC" الأمريكية.

وفاقم احتلال تركيا المرتبة الأولى بين دول منطقة الشرق الأوسط من حيث عدد الإصابات بفيروس "كورونا" المستجد (بواقع أكثر من 130 ألف حالة) من معاناة الليرة التي تواجه ضغوطا شديدة أصلا بسبب ارتفاع معدل التضخم إلى ما فوق 10% وارتفاع معدل البطالة والنمو المنخفض.

ونتيجة لذلك، يبدو أن الهبوط الجديدة لليرة يعود إلى شبكة مركبة من الأسباب، بعضها يتعلق بآثار أزمة "كورونا" على الاقتصاد، فيما يعود البعض الآخر إلى الخيارات التي تتمسك بها الحكومة التركية في مواجهة الأزمة.

فمن ناحية، تسببت أزمة "كورونا" في حالة من الشلل الاقتصادي غير المسبوق، حسبما يرى الخبير الاقتصادي "سمير الطويل"، مشيرا إلى أن تركيا دولة غير مصدرة للنفط، وتعتمد بشكل رئيسي في اقتصادها على السياحة، وبالتالي فإن الرؤية الضبابية لقطاع السياحة ووضع حركة الطيران والحجوزات الفندقية في فصل الصيف أثرت بشكل مباشر على المصدر الرئيسي للدولار في البلاد.

من ناحية أخرى، يرى البعض أن إصرار إدارة الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" على خفض سعر الفائدة للمرة الثامنة على التوالي، في أبريل/نيسان الماضي، هو أحد العوامل المتسببة في هبوط الليرة، حيث يجعل ذلك العملة التركية عرضة لعمليات بيع عالمية، ويتسبب بالتالي في ارتفاع سعر الدولار بسرعة.

لكن ثمة عامل ثالث وراء نزيف الليرة الجديد، تحدثت عنه مصادر مصرفية تركية، اتهمت مؤسسات مالية، تتخذ من العاصمة البريطانية لندن مقرا لها، بمحاولة شن "هجمات" لإضعاف الليرة أمام الدولار، وفقا لما نقلته وكالة الأناضول.

فبعض تلك المؤسسات تقوم بشراء العملات الصعبة من السوق دون أن يكون لديها سيولة من الليرة، ودون أن توف بالتزاماتها من العملة التركية مقابل العملات الصعبة التي اشترتها، بحسب المصادر، التي أشارت إلى أن هذه الهجمات مشابهة لتلك الهجمة التي تعرضت لها العملة التركية قبيل الانتخابات المحلية عام 2019.

انكماش وركود

وإزاء ذلك، تتوقع وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني انكماش الاقتصاد التركي بنسبة 3.1% خلال العام الحالي، وذكرت أنه من المحتمل بشكل كبير أن يدفع وباء "كورونا" الاقتصاد إلى الركود وأن يتسبب في ارتفاع نسبة عجز الموازنة إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى قرابة 5%، في وقت يتوقع فيه أن يصل صافي الدين العام إلى الناتج الإجمالي المحلي بنهاية العام نسبة 34%، وأن تسجل معدلات التضخم نسبة 11.3%.

وبالنسبة لمعدل البطالة، تتوقع الوكالة الدولية تسجيل نسبة بطالة تبلغ 13.8% هذا العام، لكنها تتوقع، في المقابل، عودة الاقتصاد التركي إلى مسار الانتعاش في النصف الثاني من العام الحالي، على الرغم من تقلبات أسعار الصرف.

وتتسق توقعات الوكالة مع تقديرات المفوضية الأوروبية التي توقعت أن يتأثر الاقتصاد التركي بشدة جراء أزمة "كورونا"، بسبب تأثيرها المباشر على قطاعي السياحة والنقل، وهما من أكثر القطاعات تضررا.

وتوقعت المفوضية أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي في تركيا بنسبة 5.4% وأن ترتفع نسبة الدين إلى هذا الناتج إلى 43.1% بنهاية العام الجاري، كما توقعت أن يصل معدل التضخم إلى 11.4% في نهاية العام، وأن يرتفع إلى 11.7% عام 2021، وأن ترتفع البطالة إلى 16.9% خلال هذا العام والعام المقبل.

معالجة الحكومة

ويقوم أسلوب إدارة الحكومة للأزمة على التمسك بثوابتها الاقتصادية وعلى رأسها خفض سعر الفائدة وعدم الاقتراض من صندوق النقد، مع مواجهة "حرب سحق العملة" التي تتعرض لها الليرة من مؤسسات مالية دولية.

وفي هذا السياق، قررت هيئة التنظيم والرقابة على المصارف بتركيا حظر التعامل مع 3 بنوك وشركات أجنبية هي "بي إن بي باريبا" و"سيتي بانك"، وشركة "يو بي إس إيه جي" على خلفية اتهامهم بالتلاعب في الأسواق للتأثير على سعر صرف الليرة.

وعلى التوازي، فرضت الهيئة قيودا تنظيمية على وصول المستثمرين الأجانب إلى الليرة وعلى المقايضات الأجنبية والمعاملات الأمامية مع الكيانات الأجنبية، فيما أغرقت البنوك الحكومية السوق التركية بالدولار، بحسب "بلومبرج".

ولم تكن تركيا تقر أي قيود على مبادلات الفوركس قبل أزمة الليرة عام 2018، ولكن منذ ذلك الحين تراجعت النسبة من 25% إلى 10% ومنها إلى 1%.

وبحسب أحد متداولي سوق الفوركس فإن التحرك الأخير لهيئة التنظيم والرقابة على المصارف يهدف إلى تقليص المضاربات على العملة، بحسب "رويترز".

وبموجب القواعد الجديدة، من المتوقع أن يهبط إجمالي حجم المقايضات الأجنبية من 10 مليارات دولار إلى مليار دولار فقط، وفقا لما نقلته وكالة "رويترز".

ورغم ذلك، يرى العديد من المحللين أن الإجراءات الحالية للحكومة قد لا تكون كافية، وعلى سبيل المثال، يرى الخبير الاقتصادي في بنك كومرتس (Commerzbank) بلندن "تاثا جوس"، أن بيع الليرة التركية يعكس قلق المستثمرين تجاه محاولة تركيا الاعتماد على مصادر غير مستدامة للعمل الأجنبية.

وإزاء ذلك يقترح "جوس" إعلان الحكومة التركية موافقتها على صفقة مع صندوق النقد الدولي وقبول شروطه، بما يعزز فرصة ارتفاع الأصول التركية، حسب رأيه.

لكن "أردوغان" طالما تفاخر بنجاحه في سداد ديون بلاده التي كانت مستحقة لدى الصندوق، أكد مجددا في خطاب متلفز للشعب في 13 أبريل/نيسان، أن تركيا تمتلك بنية اقتصادية تمكنها من تجاوز فترة المخاض بنجاح، وأنها "لن تخضع لأي إملاء من شأنه أن يجعل طرفا ما يمن عليها".

فهل يحتفط "أردوغان" بثوابته أم تضطره الظروف لتقديم تنازلات؟

قدرة الحكومة التركية على تجاوز أزمة الليبرة وآثار أزمة "كورونا" الاقتصادية تحمل الجواب بين طياتها.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الليرة التركية صندوق النقد الدولي

الليرة التركية تتراجع صوب مستويات قياسية متدنية

تركيا تنهي حظرا على تداول على 3 بنوك لليرة بعد أيام من فرضه

مباحثات تركية مع دول حليفة تحسبا لأزمة عملة

فيتش: تركيا قادرة على اجتياز تداعيات كورونا وضغط العملة

الليرة التركية تصعد لليوم الثامن على التوالي