هل تنجح دول الخليج في استثمار التسارع بالاقتصاد الرقمي؟

الأربعاء 13 مايو 2020 08:15 م

أدت عمليات الإغلاق الصارمة وغيرها من الإجراءات الصارمة لمكافحة الفيروس التاجي "كوفيد-19" في دول الخليج إلى تدمير الصناعات الإقليمية، من الطيران إلى السياحة والضيافة.

ومع ذلك، لا يزال الاقتصاد الرقمي في الخليج مزدهرا، ويشهد في بعض القطاعات نموا متسارعا. ويثير الاعتماد السريع على التطبيقات والمنصات الرقمية أسئلة مهمة لواضعي السياسات الاقتصادية في الخليج حول فرص الاستفادة من الاستثمارات في الاقتصاد الرقمي وكيف يمكن للشراكات التجارية القائمة على التكنولوجيا أن تشكل العلاقات الخارجية؟

وأدت المخاوف الصحية الناجمة عن تفشي الفيروس العالمي إلى انتقال مفاجئ إلى العمل عن بعد. ومن المرجح أن يثبت الاستخدام الأوسع للمنصات الرقمية، والطلب على الخدمات الرقمية، تأثيرا أكبر بكثير على اقتصادات الخليج على المدى الطويل.

وتساعد تطبيقات الرعاية الصحية عن بعد، ومنصات التجارة الإلكترونية، وبرامج التعلم عبر الإنترنت، وخدمات التكنولوجيا المالية، سكان الخليج على الامتثال لإجراءات السلامة العامة الصارمة.

وأصبحت هذه الأساليب الرقمية لتبادل المعلومات متأصلة بعمق في سلوكيات المستهلك. ونصحت الجهات الحكومية مثل هيئة الصحة بدبي السكان بتجنب استخدام العملات الورقية المادية، ما أدى إلى زيادة المدفوعات الإلكترونية في جميع أنحاء العالم.

وفي حين أن العديد من الأشكال التقليدية والمادية للتبادل الاقتصادي ستعود في نهاية المطاف، فمن غير المرجح أن يهدأ الطلب الجديد على الخدمات والتطبيقات الرقمية.

وبدت آفاق النمو للاقتصاد الرقمي في الخليج واعدة قبل تفشي وباء الفيروس التاجي. وتمتلك جميع دول الخليج أجندات للتحول الرقمي، مع التزام سياسي ومالي لخلق اقتصادات قائمة على المعرفة.

ومن المتوقع أن تنمو إيرادات الخدمات السحابية العامة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 21% لتصل إلى نحو 3 مليارات دولار في عام 2020، وفقا لتقديرات "جارتنر".

وبالمثل، ساهم ارتفاع دخل الفرد ومستويات الوصول إلى الإنترنت في نمو التجارة الإلكترونية. ويبلغ النمو السنوي في قطاعات التجارة الإلكترونية لدول الخليج ومصر 30%.

وتتجاوز توقعات المبيعات الصاعدة لسوق التجارة الإلكترونية في الخليج، في عام 2022، 41 مليار دولار. وبالرغم من أن الصدمات المزدوجة الناجمة عن الفيروس التاجي وانخفاض أسعار النفط من المرجح أن تثبط مجالات معينة على المدى القصير والمتوسط، فمن غير المرجح أن يتغير المسار الواسع لتوقعات النمو هذه بشكل كبير.

وسعت دول الخليج إلى مواءمة أجندات التحول الرقمي مع مبادرات التنمية الاقتصادية. ويسعى ميثاق دبي، الذي يمتد 50 عاما، لخلق مدينة تجارية افتراضية قادرة على استضافة 100 ألف شركة.

ويرى مسؤولون في مجلس التنمية الاقتصادية في البحرين أن قرار "أمازون لخدمات الإنترنت" بفتح مقرها الإقليمي في البحرين دليلا على الاستراتيجية الناجحة لوضع البلاد كمركز لاستضافة الأنشطة الرقمية.

علاوة على ذلك، تسعى مؤسسة "خليج البحرين للتكنولوجيا المالية" إلى تطوير فرص نمو جديدة في قطاع التمويل الناضج.

وتخطط "جامعة السلطان قابوس" لاستضافة مؤتمر دولي في أكتوبر/تشرين الأول حول كيفية تحقيق التحول الاقتصادي والرقمي لـ"رؤية عمان 2040".

ويتحول قادة الأعمال في الصناعات التقليدية عبر دول الخليج بشكل متزايد إلى منصات وتطبيقات رقمية جديدة لتحسين المرونة وزيادة الربحية.

وتقدم الشركات، التي مقرها الإمارات، أمثلة ذات صلة. وأنشأت شركة بترول أبوظبي الوطنية مركز القيادة الرقمية "بانوراما" عام 2018، واستثمرت نحو 13.6 ملايين دولار في المبادرة.

وبحسب مسؤول كبير في "أدنوك"، فإن مركز القيادة الرقمي حقق أكثر من مليار دولار من قيمة الأعمال التجارية من خلال توفير التكاليف وتحسين الكفاءة.

وفي أواخر عام 2019، شكلت شركات الدفاع المملوكة للدولة في الإمارات تكتلا بقيمة 5 مليارات دولار، باسم "إدج"، لتطوير صناعة دفاعية عالية التقنية. ووفقا لمهمة المجموعة المعلنة، فسوف "تجلب تقنيات وخدمات مبتكرة إلى السوق بسرعة وكفاءة أكبر".

وسرع انتشار الفيروس التاجي العالمي هذا الاتجاه التجاري. وفي أبريل/نيسان، أعلنت موانئ دبي العالمية عن أدوات وخدمات جديدة عبر الإنترنت لزيادة رقمنة إدارة اللوجستيات والحفاظ على حركة التجارة خلال الأزمة الحالية، وفقا للرئيس التنفيذي لموانئ دبي "سلطان أحمد بن سليم".

واستحوذت الشركة على برامج رقمية، بما في ذلك SeaRates.com وLandRates.com وAirRates.com. وأسست أيضا تحالف الشحن الرقمي Digital Association Freight Alliance، وهو اتحاد عبر الإنترنت لوكلاء الشحن.

وفي الواقع لا تعد الرقمنة السريعة للتبادل الاقتصادي حلا سحريا. فمن غير المرجح أن يؤدي الطلب المتزايد على الخدمات الرقمية واعتماد منصات وتطبيقات رقمية جديدة إلى تعويض حالات الإفلاس وانخفاض الأداء الاقتصادي في مجالات أخرى.

وقد يؤدي التباطؤ في صناعة الطيران، على سبيل المثال، إلى فقدان أكثر من 500 ألف وظيفة في السعودية والإمارات.

وشكلت صناعة الطيران في قطر 11% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014، في حين كان مسؤولو دبي يأملون في نمو قطاع الطيران إلى 37.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2020.

ولن تزدهر جميع الشركات التي تركز على التكنولوجيا في دول الخليج في ظل عدم اليقين الناجم عن وباء كورونا وتوقعات سوق الطاقة.

وتعتزم شركة "كريم"، التابعة لشركة "أوبر تكنولوجيز" ومقرها دبي، التخلص من 31% من قوتها العاملة. حيث شهدت الشركة العاملة في مجال النقل والتوصيل انخفاضا في أعمالها بنسبة 80%.

وأوقفت "أوبر إيتس" عملياتها في السعودية، وحولت عملياتها في الإمارات إلى "كريم". وأعلنت شركة الإمارات للاتصالات المتكاملة، المعروفة باسم "دو"، عن انخفاض بنسبة 21% في صافي الدخل للربع الأول من عام 2020، مقارنة بأرقام 2019.

وتتوقع الشركة قيودا على أنشطة البيع، وتغييرا في سلوك المستهلك، وتقليصا للأنشطة السياحية والتجارية، ما يعني انخفاضا متزايدا في الإيرادات في الربع الثاني.

وسوف تحتاج بعض شركات التكنولوجيا المحلية إلى تعديل نماذج أعمالها. وقد كافح حتى كبار مزودي الخدمات السحابية في العالم لترجمة الطلب المتزايد إلى نمو في الإيرادات.

وسيظل تأمين العقود الجديدة من العملاء الحكوميين والكيانات المملوكة للدولة في دول الخليج تحديا في المستقبل المنظور. ومع ذلك، وسط الطلب الكامن على الخدمات الرقمية، تصبح الربحية الهدف الأساسي.

وتواجه الشركات في الأسواق المتخصصة الأكثر تضررا تحديات وجودية أكثر إلحاحا بسبب الطلب المقيّد بشدة أو غير الموجود في الأساس.

وبالرغم من تحديات السوق، تواصل الشركات الأجنبية التعبير عن اهتمامها بالاقتصادات الرقمية الخليجية. وفي 28 أبريل/نيسان، قامت لجنة الاختيار لـ"هوب 71"، وهو نظام بيئي ناشئ للتكنولوجيا يقع في سوق أبوظبي العالمي، بإعطاء الأولوية للشركات الناشئة العالمية في مجال تكنولوجيا الصحة وتكنولوجيا التعليم، عند اختيار المجموعة الجديدة من المشاركين في البرنامج.

واختارت شركة InCountry ومقرها الولايات المتحدة (وهي منصة استضافة بيانات سريعة النمو) مركز "هوب 71" كمقر لها في الشرق الأوسط.

وعقدت OneConnect، وهي شركة لخدمات التكنولوجيا المالية، وفرع لشركة التأمين الصينية Ping An، شراكة مع المختبر الرقمي ADGM لتوسيع الفرص التجارية في الشرق الأوسط.

وتنظر شركات التكنولوجيا الصينية إلى أسواق الشرق الأوسط كوسيلة لنمو الإيرادات الدولية. ووقعت "هواوي" مذكرة تفاهم مع وزارة التكنولوجيا والاتصالات العمانية في أوائل مايو/أيار، وهي الأحدث في سلسلة من الشراكات بين شركة التكنولوجيا الصينية والهيئات الحكومية الخليجية.

وفي أبريل/نيسان، أصدرت "تينسنت هولدنجز" لعبة "أرينا أوف فالور" الشهيرة في الشرق الأوسط كجزء من جهودها لجني نصف إيرادات الألعاب من الخارج.

وهناك خطط إضافية لتوسيع محطات وخدمات "WeChat Pay" الصينية في الإمارات. كما أعلن المسؤولون السعوديون أن eWTP Capital، وهو صندوق له روابط مع مجموعة "علي بابا" الصينية، سوف يبني مقره في مدينة الإعلام السعودية الناشئة.

وقد تكون الاستثمارات المباشرة الداخلية في الاقتصاد الرقمي للخليج بمثابة نقطة توتر في العلاقات الخارجية. وحذر مسؤولون أمريكيون نظراءهم الإسرائيليين من تداعيات الأمن القومي للاستثمارات الصينية في شركات التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية خلال فترة الانكماش الاقتصادي الناجم عن الفيروس التاجي.

وفي الوقت الذي تسعى فيه حكومات الخليج إلى شراكات تجارية فعالة من حيث التكلفة للمبادرات المتعلقة بالتكنولوجيا، فقد يتحول التدقيق نفسه نحو منطقة الخليج.

وحذرت وزارة الخارجية الأمريكية الحكومات الخليجية من تجاهل قيمة شراكتها مع الولايات المتحدة، عند النظر في العلاقات الاقتصادية مع بكين.

وبالمثل، تتزايد المخاطر التي يفرضها واقع القدرات الرقمية وتطبيقها. وكشفت التسوية بين إدارة مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة الأمريكية وشركة SITA، وهي شركة سويسرية لتكنولوجيا المعلومات، أنه يمكن معاقبة شركات التكنولوجيا غير الأمريكية بسبب انتهاك العقوبات الأمريكية.

وقد تعتمد الحكومات الخليجية ميزانيات أصغر بعد أن ينحسر تهديد الفيروس التاجي. وهذا السيناريو الاقتصادي مرجح بشكل خاص إذا ظلت أسعار الطاقة منخفضة ومتقلبة.

ومع ذلك، فإن نسبة النفقات المخصصة لتعزيز القدرات الرقمية للحكومات، وتعزيز تنمية الصناعات التي تركز على التكنولوجيا، من المتوقع أن تزداد.

وهناك حاجة إلى الإنفاق الذكي لجلب أكبر قدر من القيمة داخل البلاد من هذه الاستثمارات، وكذلك منع التوترات التي يمكن تجنبها في مجال السياسة الخارجية.

المصدر | روبرت موجلنيسكي - معهد دول الخليج في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فيروس كورونا ما بعد كورونا الاقتصاد الرقمي التحول الرقمي مجلس التعاون الخليجي

الإمارات تقر استراتيجية للاقتصاد الرقمي وتؤسس مجلسا له

دبي تطلق محكمة دولية متخصصة للاقتصاد الرقمي

ميد البريطانية: الصناديق السيادية الخليجية تستثمر بقوة في الرقمنة