ورقة بحثية: الاحتلال عزز الفساد في الجسد السياسي الفلسطيني

الأربعاء 19 أغسطس 2015 10:08 ص

خلصت ورقة بحثية أعدتها «شبكة السياسات الفلسطينية»، وهي مركز أبحاث مستقل، إلى أن الفساد  متجذر بشكل هيكلي في الجسم السياسي الفلسطيني، وأن اتباع سياسة «التنفيع» هو العامل الأساسي في استدامة هذا الفساد؛ حيث يتم من خلال هذه السياسة كسب ولاء الجماهير وإقصاء الخصوم.

ورصدت الورقة عدة عوامل ساهمت في تعزيز الفساد في مؤسسات السلطة الفلسطينية منها إجراءات إسرائيلية متعمدة، وغياب الدور الرقابي بسبب تعطل المجلس التشريعي الفلسطيني.

ورأت أن معالجة الفساد بإتباع تدابير فنية وبيروقراطية ليس كافيًا؛ حيث يتطلب الأمر استجابةً هيكلية تطال النظام السياسي برمته، تنطوي على إيجاد نظامٍ رقابي تشريعي ومؤسسي فعال، وضوبطَ وموازين مؤسسيةٍ، وقضاءٍ مستقل وفاعل، ودور فعال للمجتمع المدني في ممارسة الرقابة على المؤسسات والموارد العامة، ووضع نظام خاص للمعونة الدولية يضمن ألا تساهمَ في تعزيز الفساد.

نظام التنفيع

في البداية أشارت الورقة البحثية إلى نتائج دراسةٍ استطلاعية حديثة خلصت إلى أن 81% من الفلسطينيين يعتقدون بوجود فساد في مؤسسات السلطة الفلسطينية، وهو الاعتقاد الذي أيَّدهَ التقريرُ السنوي الذي أصدره مؤخرًا «الائتلافُ الفلسطيني من أجل المساءلة والنزاهة» (أمان)، فرعُ منظمةِ الشفافية الدولية في فلسطين.

وقالت: «لا ينبغي اعتبار الفساد في مؤسسات السلطة الفلسطينية مسألةَ تجاوزات إدارية ومالية بحتة يرتكبها أفرادٌ غيرُ مسؤولين بدافع الجشع والمصالح الشخصية».

 وأضافت أن «الفضائح التي تشغل الفلسطينيين بين الفينة والأخرى - مثل اختلاس المال العام، وسوء استخدام الموارد، والمحسوبية - ما هي إلا نتيجةُ فسادٍ مزمنٍ متأصل في هيكل السلطة الأساسي في النظام السياسي الفلسطيني المتجذر في منظمة التحرير الفلسطينية مِن قَبل عملية أوسلو».

ورأت الورقة البحثية أن «فساد السلطة الفلسطينية في فلسطين هو نظامٌ متجدد، ولعلّ العامل الأساسي في إعادة إنتاج فساد نظام الحكم الفلسطيني واستدامته هو التنفيع». 

وأوضحت أنه في فلسطين «يتجذر التنفيع في القيم الاجتماعية المتمثلة في القرابة والروابط الأسرية التي تستمد شكلها من السياسة الحزبية، وتمنحُ هذه الروابط الاجتماعية والسياسية النخبةَ الحاكمةَ أداةً استراتيجيةً للسيطرة على القواعد الشعبية وتوسيع شبكة مؤيديها من خلال إعادة توزيع الموارد العامة بهدف شراء الولاءات السياسية، وهذا بدوره يساعد النخبة الحاكمة في المحافظة على الوضع الراهن وعلى هيمنتها على الأصول السياسية والاقتصادية».

وقالت الورقة إن «ظلَّال التنفيع سمةً مميزة للعلاقات الداخلية بين اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وبين المؤسسات الوطنية والمكونات السياسية».

ولفتت في هذا الصدد إلى أن «الدائرة المقربة في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية استخدمت شبكات أرباب المنتفعين بانتظام لأغراض متعددة كبسط النفوذ على المكونات السياسية، وإقصاء القوى السياسية الأخرى، وتنفيذ أجندتها السياسية دون معارضة».

وقالت: "تكسب السلطةُ الفلسطينية ولاءَ الجماهير بتوفير فرص الحصول على الموارد الاقتصادية إلى حدٍ كبير، وليس من خلال إقناعهم ببرامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية».

وبشأن العوامل التي عززت من الفساد في الجسم السياسي الفلسطيني، رأت الورقة البحثية أن «تعطل المجلس التشريعي الفلسطيني، والغياب التام للرقابة التشريعية على الميزانية الحكومية، حرَّر الرئاسة والسلطة التنفيذية من الضوابط والموازين المؤسسية والمساءلة العامة؛ مّا عزز السيطرة التنفيذية على الإنفاق العام، وقدرة السلطة التنفيذية على السيطرة على القواعد الجماهيرية باستخدام استراتيجية العصا والجزرة».

وأوضحت أن «السلطة الفلسطينية لاستيعاب العائلات الكبيرة لكسب ولائها؛ فحين أسست وزارة الحكم المحلي، ضمَّنتها قسمًا خاصًا معنيًا بشؤون العشائر/القبائل».

واستدركت: «بعد الإصلاحات التي شهدتها السنوات الأخيرة على صعيد بناء الدولة، قلَّ التوظيف على أساس الاعتبارات العائلية. غير أن بعض الوزراء استعاضوا عن ذلك وأحاطوا أنفسهم برفاق مقربين من خارج عائلاتهم».

الفساد في ظل الاحتلال

ورأت الورقة البحثية، أيضا أن دولة الاحتلال الإسرائيلي «تساهم في تعزيز فساد السلطة الفلسطينية وتستغله، وهي سعيدة بلَوم الفلسطينيين على علاتهم الاقتصادية، لكي تصرف الانتباه عن الأثر المدمر الذي تلحقه سياساتها الاستعمارية بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية الفلسطينية».

وقالت إن الاحتلال يضطلع «بدورٍ أساسي في تعزيز الفساد وحماية الفاسدين بطرق ووسائل عديدة؛ فاحتكارات القطاعين العام والخاص، التي يتحكم بها ذوو المراتب العليا في بيروقراطية السلطة الفلسطينية وشركاؤهم في القطاع الخاص، ليست ممكنةً لولا تواطؤ الشركات الإسرائيلية وتعاونها وموافقة المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية».

ولفتت إلى مثالٌ آخر لدور دولة الاحتلال في تعزيز الفاسد في مؤسسات السلطة الفلسطينية، يتمثل في علاقتها المباشرة بالحسابات السرية التي فتحها بعض المسؤولين الفلسطينيين في عقد التسعينيات حول العالم، بما في ذلك في «بنك لئومي الإسرائيلي».

وقالت الورقة البحثية إن «كثير من أموال تلك الحسابات جاء من الضرائب التي جبتها إسرائيل على الواردات الفلسطينية، ومن ثم حوَّلتها مباشرةً إلى تلك الحسابات».

اجتثاث الفساد

وبخصوص اجتثاث الفساد، لفتت الورقة البحثية إلى أن السلطة الفلسطينية أسَّست في العام 2010 «هيئةَ مكافحة الفساد الفلسطينية» لكن هذه الهيئة، رغم وصفها بأنها «مستقلة ماليًا وإداريًا»، فإن رئيسها معينٌ بموجب مرسومٍ رئاسي، والعديدُ من أعضاء مجلسها الاستشاري سبقَ أن شغلوا مناصبَ رسميةً كوزراء وسفراء ومستشارين للرئيس. ورغم أن «بعض قضايا الفساد أُحيلت إلى القضاء، فإن التحقيقات اتسمت بالانتقائية»، حسب الورقة البحثية.

وخلصت الورقة إلى أن الفسادُ «سوف يظل مستحكمًا في الجسم السياسي الفلسطيني طالما تقاعسَ الفلسطينيون عن إعادة هيكلة مؤسساتهم الوطنية بأنفسهم وفقًا لمبادئ الديمقراطية، والإصرار على المساءلة، بالتزامن مع العمل من أجل تقرير المصير ونيل الحرية والعدالة».

واعتبرت أن «معالجة الفساد بإتباع تدابير فنية وبيروقراطية ليس كافيًا، بل قد تترتب عليها نتائجُ عكسيةٌ لأنها قد تواري مسبباته الجذرية السياسية».

ورأت في المقابل أن القضاء على الفساد بفاعلية «يتطلب استجابةً هيكلية تطال النظام السياسي برمته، تنطوي على إيجاد نظامٍ رقابي تشريعي ومؤسسي فعال، وضوابطَ وموازين مؤسسيةٍ، وقضاءٍ مستقل وفاعل. وبموجبه، سوف تُسحب حصانةُ أي شخصٍّ يتورط تورطًا مباشرًا أو غير مباشر في سوء استخدام السلطة السياسية والموارد العامة ، بغض النظر عن منصبه».

وطالبت الورقة البحثية بأن «يضطلع ممثلو المجتمع المدني بدورٍ فعال في ممارسة الرقابة على المؤسسات والموارد العامة»، إضافة إلى وضع نظام خاص للمعونة الدولية يضمن ألا تساهمَ في تعزيز الفساد.

  كلمات مفتاحية

فلسطين السلطة الفلسطينية منظمة التحرير الفلسطينية إسرائيل الفساد التنفيع

«أسوشيتد برس»: وثائق مسربة تفتح ملف الفساد داخل السلطة الفلسطينية

السلطة الفلسطينية تهمل قطـاع غـزة ماليا للضغط على «حماس»

قطر تقرض السلطة الفلسطينية 100 مليون دولار

السعودية تدفع 60 مليون دولار دعماً لموازنة السلطة الفلسطينية لمدة 3 أشهر

هيئة فلسطينية تحيل «دحلان» لمحكمة جرائم الفساد