الدروس المستفادة من استجابة قطر لتفشي كورونا ونموذج الخليج للعمل الأجنبي

الأربعاء 27 مايو 2020 09:20 م

مع تفشي جائحة "كوفيد-19" في جميع أنحاء العالم، اضطرت الحكومات في جميع أنحاء الشرق الأوسط إلى الاستجابة لما أصبح أزمة صحية عامة مدمرة.

ومن بين جميع دول المنطقة، عانت إيران أكثر من غيرها، مع ما يقرب من 140 ألف حالة إصابة مؤكدة، وأكثر من 7 آلاف و500 حالة وفاة، حتى 26 مايو/أيار 2020.

وفي شبه الجزيرة العربية، سبب المرض حتى الآن ضررا أقل بكثير، بوجود أرقام أقل بكثير في دول مجلس التعاون الخليجي واليمن.

وتمثل استجابة قطر للأزمة حالة مثيرة للاهتمام حول كيفية تعامل دول الخليج مع الوباء. وحتى 26 مايو/أيار، تجاوز عدد حالات الإصابة المؤكدة بالفيروس في قطر 47 ألف حالة، بينما بقي عدد الوفيات منخفضا نسبيا عند 28 وفاة.

وفرض المسؤولون في الدوحة سلسلة من الإجراءات الصارمة، مثل إغلاق المؤسسات التعليمية، ومنع دخول الأجانب البلاد، والالتزام باستخدام الأقنعة في الأماكن العامة، مع واحدة من أعلى العقوبات في العالم لعدم الامتثال، وفرض عمليات الإغلاق الجزئي، لاحتواء انتشار الفيروس بشكل أفضل بين سكان البلد.

ومع ذلك، لا تزال قطر تواجه التحدي المتمثل في وجود عدد كبير من العمال الأجانب ذوي الدخل المنخفض، الذين يتعرضون لمعاملة سيئة في كثير من الأحيان، ما يشكل المزيد من المخاطر على سمعة البلاد العالمية والصحة العامة لسكانها.

المزايا والدروس المستفادة

ولا شك أن الثروة الهائلة في قطر، والعدد القليل من السكان، والحكومة المركزية المستقرة، جميعها أشياء وضعت البلاد بلا شك في موقف قوي لمواجهة أزمة كورونا بشكل استباقي وحاسم قبل أي زيادات كبيرة في الحالات.

ولكن ربما كان أكثر ما أعد البلاد لمواجهة أزمة وطنية مثل "كوفيد-19" هو الدروس التي تعلمتها من مواجهة ما يقرب من 3 أعوام من الحصار الاقتصادي الذي تفرضه الدول المجاورة لها.

وفي عام 2017، فرضت البحرين ومصر والسعودية والإمارات حصارا على قطر، ما أدى إلى قطع وصولها إلى طرق الشحن البحري والبري والجوي الرئيسية.

وأجبر الحصار القطريين على إعادة تشكيل سلسلة التوريد الوطنية ونظام النقل والإمداد بسرعة. ومع الاعتماد الكبير على الواردات وإعادة شحن البضائع الحرجة من خلال الموانئ والطرق السريعة والمطارات لهذه الدول المجاورة، التي كانت صديقة في السابق، ساهم الحصار وما تبعه من فقدان الوصول إلى هذه الشبكات في تعليم الدوحة دروسا قيّمة حول تأمين توريد السلع الأساسية وحتى إنتاجها محليا.

وكما أشار خبير الشأن القطري "أندرياس كريج"، عندما اندلعت أزمة الخليج للمرة الأولى في عام 2017، كانت الدوحة أقل مرونة بكثير مع الأمن الغذائي، وكانت تعتمد بشكل كبير على الواردات.

ولكن بعد فرض الحصار منذ ما يقرب من 3 أعوام، اتخذت الدولة خطوات للتخفيف من تحديات سلسلة التوريد التي قدمها الحصار.

وسرعان ما تحركت الحكومة، ليس فقط للتنويع الجغرافي لسلاسل التوريد في البلاد؛ حيث حولت الواردات من السعودية والإمارات إلى دول مثل تركيا وإيران، لكنها سرعت أيضا من توطين السلع الاستراتيجية، مثل الأسمنت والصلب والبلاستيك، والمنتجات الزراعية.

وتأسست شركات، مثل "بلدنا"، التي أصبحت منتجا رئيسيا لمنتجات الألبان في قطر، بسرعة، مع استيراد الآلاف من الأبقار والماشية الأخرى من أماكن بعيدة مثل أستراليا.

علاوة على ذلك، بادرت الحكومة أيضا بتوسيع مخزونها من الإمدادات الحيوية مثل الأدوية والمواد الغذائية.

ووفقا لـ"كريج"، فقد نمت احتياطيات قطر الاستراتيجية من السلع والمنتجات الغذائية القابلة للتلف بما يكفي لتستمر البلاد 10 أشهر في حالة استمرار نقص الإمدادات.

ومع وجود ضوابط مركزية قوية على الاقتصاد القطري، تمكنت الحكومة في الدوحة أيضا من منع تقلب أسعار المواد الغذائية من خلال فرض ضوابط مباشرة على الأسعار، أو استخدام جيوبها العميقة لتوفير المزيد من الدعم للسكان.

وكان لهذه الجهود تأثير مباشر على قدرة قطر على مواجهة أزمة كورونا. وعندما أثيرت مخاوف أولية بشأن الإمدادات الغذائية وصعوبة تلبية الطلب المحلي على الغذاء، أكدت الحكومة أن مخزون المواد الغذائية يكفي البلاد لمدة عام على الأقل.

قضايا حقوق العمال

وبالرغم من بعض الخطوات الإيجابية التي اتخذتها قطر للاستجابة للأزمة، إلا أن الحكومة لا تزال تواجه انتقادات حول كيفية تأثير استجابتها على العمال المهاجرين الضعفاء في البلاد، الذين شهدوا أكبر زيادة في حالات الإصابة.

وفي الواقع، ألقت أزمة "كوفيد-19" في البلاد الضوء على مخاطر الصحة العامة التي تسببها الظروف المعيشية السيئة للعمال الأجانب.

وتعد المنطقة الصناعية في الدوحة، التي تم إغلاقها مؤخرا مع عدم السماح للمقيمين بمغادرة المنطقة، واحدة من التجمعات الرئيسية لحالات الإصابة بفيروس كورونا في قطر.

ويتعرض العمال المهاجرون، الذين أتوا غالبا من دول جنوب آسيا، مثل الهند ونيبال وبنجلاديش، لظروف مزدحمة وغير صحية غير مناسبة لممارسة إجراءات الإبعاد الاجتماعي.

وقال نائب مدير القضايا العالمية بمنظمة العفو الدولية، "ستيف كوكبيرن"، مؤخرا: "بينما يكافح العالم لاحتواء انتشار جائحة كورونا، فإن العمال المهاجرين المحاصرين في مخيمات، مثل المخيمات في قطر، معرضون بشكل خاص لخطر الإصابة بالفيروس".

وطالما استمر الوباء وعواقبه، سيتعين على قطر إعادة تقييم الطرق التي تتعامل بها مع عدد كبير من العمال الأجانب من أجل ضمان ظروف عمل أكثر أمانا وصحة.

طريق الخروج من الأزمة

ولحسن الحظ، تمتلك الدولة الموارد المالية اللازمة لمواجهة العاصفة في المستقبل المنظور. وقد وافقت قيادة الدولة بالفعل على خطط التحفيز الكبيرة، وضخ سيولة كبيرة في السوق، وتوفير ضمانات للشركات والأفراد.

ومن خلال بنك قطر للتنمية، نفذت الحكومة حزمة دعم بقيمة 21 مليار دولار أمريكي تستهدف في المقام الأول المؤسسات الصغيرة ومتوسطة الحجم التي توفر لها الدعم المالي لمواجهة التحديات في تلبية نفقات الرواتب والإيجار.

كما التزمت الحكومة بدعم الخطوط الجوية القطرية، ومواصلة العمل في مشاريع لإعداد الدولة الخليجية لكأس العالم لكرة القدم في عام 2022، بالرغم من التحديات المالية والتشغيلية الناجمة عن الأزمة.

كما نفذت الحكومة تدابير أخرى لتقليل العبء المالي على المواطنين والمقيمين. على سبيل المثال، فرضت الدولة وقفا لمدة 6 أشهر على المرافق، ومنحت إعفاء لمدفوعات الإيجار في بعض الصناعات.

وردا على محنة العمال المهاجرين، التي تلقفتها الصحافة بشكل كبير في الأعوام الأخيرة، كتب "ثامر بن حمد آل ثاني"، نائب مدير مكتب الاتصالات الحكومية القطري، في صحيفة "نيويورك تايمز"، أن الحكومة في الدوحة ستقدم أيضا اختبارات مجانية وعلاج مجاني، فضلا عن استمرار الرواتب، لجميع المقيمين في قطر، بما في ذلك العمال المهاجرين.

وكونها من بين أغنى الدول في العالم، فإن قطر بالتأكيد في وضع يمكنها من تقديم هذه الوعود لسكانها، ولكن السؤال عن مدى نجاحها في الوفاء بها لا يزال ينتظر الإجابة.

ويعد سوق الغاز الطبيعي المسال، أحد أكبر مصادر الإيرادات في قطر، غير مستقر، ويعاني زيادة في المعروض، مع توقعات بانخفاض الأسعار على الأرجح في المستقبل المنظور.

وأعلنت قطر للبترول، شركة النفط الوطنية وأكبر جهة توظيف في الدولة، أنها ستبدأ في تقليص قوتها العاملة، حيث تواجه الصدمة المزدوجة المتمثلة في جائحة كورونا والانخفاض الهائل في أسعار النفط العالمية.

وخارج قطاع النفط والغاز، أعلنت الخطوط الجوية القطرية عن خطط لإجراء تخفيضات كبيرة في الوظائف. كما دخلت الشركة في محادثات مع "بوينج" و"إيرباص" لتأجيل طلبيات الطائرات في المستقبل.

في نهاية المطاف، تصرفت قطر بشكل حاسم من حيث الاستفادة من ثروتها الوطنية، واحتياطياتها الوفيرة، ونظام الرعاية الصحية من الدرجة الأولى، للحد من انتشار فيروس كورونا.

ومع ذلك، لا يزال هناك عدد من التحديات في ما يتعلق بحالة العمال الأجانب والمخاطر المرتبطة بهم على الصحة العامة في وقت تفشي الوباء.

وستستمر هذه القضايا في كونها تحدي للقيادة القطرية، وقد تمهد الطريق للتغييرات المستقبلية في شكل اقتصاد البلاد.

نقاط الضعف في النموذج الخليجي

ومع ذلك، لم تكن قطر وحدها تمثل هذا "النموذج الخليجي"، الذي يعتمد بشكل كبير على العمالة الأجنبية.

ومع وجود بعض أعلى نسب العمال المهاجرين إلى السكان في العالم، يضم مجلس التعاون الخليجي 23 مليون عامل أجنبي، يشكلون 14% من المهاجرين في العالم.

كما واجهت دول مجلس التعاون الخليجي، مثل الكويت والسعودية والإمارات، انتقادات واسعة لمعاملة العمال الأجانب في هذه البلدان.

وينحصر الكثير من العمال ذوي المهارات المتدنية من العالم النامي، الذين يعملون في الخليج، في مخيمات عمال مزدحمة في ضواحي المدن العربية الكبرى، ويعيشون على "التعويضات النقدية مقابل الغذاء".

وبالنسبة لدول الخليج بشكل عام، توجد مخاوف جدية من أن تصبح هذه المخيمات المكتظة بؤرا أكبر للمرض.

وقد وثقت جماعات حقوقية مثل منظمة العفو الدولية الظروف في مثل هذه المجمعات، حيث يواجه العمال المهاجرون حقائق مرعبة وسط وباء "كوفيد-19"، حيث، علاوة على المخاوف الصحية الخطيرة، لم يعد لديهم سبل للعيش جميعا، بينما يفتقرون إلى أي خيار للعودة إلى الوطن. وفي هذا الصدد، فإن الوعد القطري باستمرار دفع أجور العمال الأجانب جدير بالثناء.

وعلى النقيض من ذلك، أدت حادثة وقعت مؤخرا في الإمارات إلى إبراز معاناة العمال المهاجرين غير مدفوعي الأجر.

وفي 19 مايو/أيار، تم تداول مقطع فيديو على نطاق واسع من قبل نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي يظهر أعمال شغب في منطقة "مصفح" الصناعية في أبوظبي، حيث احتج العمال الساخطون في شركة "السويدي القابضة" على عدم دفع أجورهم ورواتبهم منذ 3 أشهر.

وذكر شهود عيان أن الشرطة تدخلت واعتقلت العديد من الموظفين الذين شاركوا في الاضطرابات، التي ألحقت أضرارا بمركبات الشركة وممتلكاتها.

ومع ذلك، من أجل تهيئة ظروف أفضل للعمال المهاجرين الملتزمين حاليا بنظام الكفالة في شبه الجزيرة العربية والبحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات، يجب اتخاذ خطوات جريئة للتخفيف من التهديدات المعرضة لها صحة هؤلاء العمال الأجانب، الذين يعرضون بالتالي جميع الناس في الخليج والشرق الأوسط الكبير للخطر.

علاوة على ذلك، تحتاج الأنظمة التي تحكم العمالة المهاجرة وترسخ التمييز المنهجي ضدهم دون شك إلى مزيد من الإصلاح.

وبدلا من مجرد "التخلص من" نظام الكفالة الاستغلالي، يؤكد خبراء مثل "هبة زيادين" أن إنهاء هذه الأنظمة بشكل أساسي هو المفتاح فقط للتغلب على القضايا الرئيسية الناشئة عن إساءة معاملة العمال المهاجرين.

ويمكن للحكومات في الخليج أن تستخدم أزمة كورونا كفرصة لمعالجة القضايا طويلة الأمد المتعلقة بانتهاكات حقوق العمال وسوء المعاملة والافتقار إلى الحماية للعمال المهاجرين المستضعفين.

وبعد التعاون محليا ووطنيا وإقليميا وعالميا ضروريا لحماية الخليج وبقية العالم من جائحة "كوفيد-19". لذلك هناك حاجة كبيرة لجميع دول مجلس التعاون الخليجي لوضع الصراعات السياسية والقبلية والأيديولوجية جانبا من أجل مساعدة بعضها البعض على التعامل مع هذا الوباء، في حين تتم معالجة نقاط الضعف المشتركة.

وما لم يفعلوا ذلك، ستظل مخيمات العمل المكتظة وغير الصحية في الخليج "البيئة المثالية لانتشار الفيروس".

ولسوء الحظ، لم تدفع جائحة الفيروس التاجي الدول التي تحاصر قطر منذ منتصف عام 2017 إلى إعادة النظر في نهج سياستها الخارجية تجاه الدوحة أو تخفيفه. على العكس، في وقت سابق من هذا الشهر، نشر السعوديون قصة مزيفة عن انقلاب في قطر.

ويؤكد استمرار استخدام المعلومات الخاطئة كسلاح كيف أن دول الخليج الـ6 ليست مستعدة لإنهاء حالة الجمود في مجلس التعاون الخليجي من أجل استخدام المجلس كمؤسسة يمكنها تعزيز التنسيق عبر الوطني في الكفاح ضد الفيروس العالمي.

المصدر | جورجيو كافييرو - إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

جائحة كورونا كوفيد-19 مجلس التعاون الخليجي العمال الأجانب

في ذكرى اختراق قنا.. قطر: بلادنا عصية على كل معتد

عودة الحياة.. هل تنجح الخطط الخليجية للتعايش مع كورونا؟

هل تستفيد دول الخليج من نجاحها في مواجهة كورونا؟

قطر تتصدر قائمة أسرع الاقتصادات الخليجية نموا عام 2021