استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

مخاطر طفرة الأسهم على الاقتصاد

الأربعاء 17 يونيو 2020 05:35 م

مخاطر طفرة الأسهم على الاقتصاد

سنوات دعم استثنائي من البنك المركزي لأسعار الأصول أدت لعواقب عديدة غير مقصودة وأضرار جانبية!

أي صدمة لأسواق الأسهم ستقوض دورها وتهبط بنمو الاقتصاد وتعمق تفاوتا طبقيا وتبدد أمن الاقتصاد مع فقدان صدقية وفاعلية مؤسسات القرار.

*     *     *

هيئات التنظيم مضطرة للوقوف على الحياد، لعجزها عن تعديل مسارات السلوك الجامح في الأسواق، وذلك لأن معايير سياساتها الاحترازية ليست مركزة بما يكفي لمواجهة التحركات المفرطة.

تزامنت طفرة الأسهم خلال الأسبوع قبل الماضي مع نشاط مثير للإعجاب تعرضت له أسهم بعينها، بدفع من عمليات شراء لمتداولين أفراد لم يكن لها تفسير واضح، بخلاف المسار العام النشط الذي شهدته المؤشرات الثلاثة.

ويميل بعض المراقبين إلى تجاهل هذه الظاهرة بدعوى أنه حتى لو لم يكن لها تفسير، فإنها تبقى حالات معزولة من حيث عواقبها وقابليتها للتكرار.

لكن رغم عدم تجاهلها كلياً، فإنها ستدفع هيئات تنظيم الأسواق إلى التغاضي عنها، لأن سياساتهم وأدواتهم تتعلق بما هو أشمل. وتبقى تلك الظواهر موضع تركيز من أمثالي من المحللين، سعياً وراء تفسيرها وتحديد عواقبها، ليس فقط على عمل الأسواق، بل على تخصيص الاستثمارات، وما هو أوسع تأثيراً من ذلك، سواء ما تعلق بالأسباب أو النتائج.

وحتى الآن، هناك قائمة كبيرة من الأسهم الفردية التي توفر الدليل على نشاط استثماري لافت يمكن أن يتحول بسهولة إلى مخاطر ومضاربات متهورة. أما مثالي الأهم حالياً، فهو سهم شركة «هيرتز»، الذي يمر بوقت عصيب بشكل خاص.

ليس من الصعب معرفة سبب اضطرار «هيرتز» لتقديم طلب إشهار إفلاسها. فمع تعطل أنشطة السفر والترفيه على حد سواء بسبب صدمة كوفيد-19، انخفضت إيراداتها فجأة وبشكل متسارع.

ونظراً لأن هيكلية التكاليف ليست من النوع المرن بطبيعته– مثلا، ليس من السهل التخلص من مخزون السيارات في حالة ركود عميق أو بيع امتيازات مواقعها في مطار فرعي إلى شركة تأجير أخرى– وفي ظل نظرة مستقبلية غير مؤكدة تحد من احتمالات التمويل البنكي العادي، أو الحصول على تمويل من السوق، اختارت «هيرتز» إعادة تنظيم نفسها من خلال عملية الإفلاس.

وتحت ضغوط وضعها المالي الصعب، تحركت أسهم «هيرتز» كما هو متوقع، على الأقل في البداية. فقد تم تداولها في نطاق ضيق نسبياً، وبسعر أقل من دولار واحد، قبل أن يصل إلى القاع عند نحو 50 سنتا، هبوطا من 15.75 دولار عند بداية العام. ثم تلا ذلك السقوط الحر نحو الهاوية.

حدث كل ذلك في السياق الكلي لمسار الأسهم، أي الطفرة المدفوعة من استثمارات الأفراد في أسواق الأسهم، والتي يغذيها ما يسميه الاقتصاديون تكييف التوقعات تماشياً مع الطفرة التاريخية، وما تشير إليه قوى السوق بتعابير مثل «الخوف من فقدان الفرصة» و«غياب البديل».

وتمثل سياق التداول الأضيق نطاقاً في سلسلة من «عمليات التداول الآنية» في أسهم الشركات المستفيدة من قيود «البقاء في المنزل» إلى أسهم شركات راهنت على «إعادة فتح الاقتصاد»، وفي التحول من أسهم تقود السوق إلى أخرى شبه خاملة. وكانت قفزة سهم «هيرتز» نحو 10 أضعاف أحد تجليات هذا التحول، ومنها تحليق أسعار غير مفهوم لأسهم شركات أخرى أقل شهرة.

وأدت حركة التراجع الحادة التي شهدتها الأسهم الأمريكية يوم الخميس، بما في ذلك انخفاضات يوم واحد من 5% إلى 7% للمؤشرات الرئيسية الثلاثة، إلى فقدان «هيرتز» ما يقرب من ثلث مكاسب سهمها المفاجئة.

ثم تبين أنه حتى «هيرتز» نفسها متفاجئة من مسار سهمها الصعودي، وطلبت من قاضي محكمة الإفلاس الحصول على إذن لإصدار أسهم جديدة بقيمة نحو مليار دولار.

وبدلاً من التجاوب سلباً مع هذا الطوفان من الأسهم، ارتفع سهم الشركة بنسبة 37% يوم الجمعة، مدعوماً بالرهان على أن عدداً كبيراً من المشترين سوف يتجاهلون تحذير الشركة من سهم قد يكون بلا قيمة، ويتطلعون إلى مزيد من الطلب عليه.

وسوف يسارع البعض إلى استنكار هذا النوع من السلوك في سوق الأوراق المالية، بناءً على واحد أو أكثر من الحجج التالية:

أولاً، يتمتع المستثمرون بحرية القيام بما يرغبون فيه طالما أن المخاطر التي يغامرون بها يتم توضيحها من قبل الشركات التي يشترون أسهمها، ومن الوسطاء المعنيين؛ ولا شك في إجماع الناس على موقف يسفه رأي الفرد مهما كان حكيماً.

ورغم أن هيئات التنظيم سوف تتابع مثل هذه التحركات، إلا أنها مضطرة للوقوف على الحياد لعجزها عن تعديل مسارات السلوك الجامح في الأسواق، ذلك لأن معايير سياساتها الاحترازية ليست مركزة بما يكفي لمواجهة التحركات المفرطة، وخاصة من قبل مستثمرين من خارج القطاع المصرفي.

وقد تخشى أيضاً من إلقاء اللوم عليها في انفجار سابق لأوانه غير منظم يتسبب به خطاب مهيمن على السوق قد ينتقل بعد ذلك إلى الاقتصاد الحقيقي الهش. أخيراً، وكما قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، فإن البنك المركزي ليس مرتاحاً لجهة إصدار أحكام بشأن الفقاعات المالية، فضلا عن السعي لتقليصها.

هذا لأن الأغلبية العظمى من المشاركين والمراقبين في السوق يعتقدون أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يكرر ذاته، ويشعر الكثيرون بأن ضخ السيولة الضخم الذي يمكن التنبؤ به الآن قد عزز أسعار الأصول بشكل مباشر وغير مباشر.

إحدى نتائج كل هذه التفاعلات تتمثل في الزخم الهائل الذي تكتسبه عمليات تحفيز الأسهم من خلال التمويل الرخيص بمعزل عن الاقتصاد الحقيقي.

وهذا يضع علامة استفهام كبيرة على الدور المهم الذي تلعبه أسواق المال في تعبئة رأس المال وتخصيصه بكفاءة، وفي بث إشارات الأسعار التي تؤثر في تخصيص الموارد على نطاق أوسع داخل الاقتصاد.

كما يسلط ذلك الضوء على حجم مخاطر ضعف رأس المال التي يتحملها المستثمرون الأفراد على وجه الخصوص، والذين تعتبر مشاركتهم مهمة ليس فقط في أداء السوق، ولكن أيضاً في قبول المجتمع الأوسع لنظام اقتصادي قائم على السوق.

ويوضح أخيراً كيف أن سنوات من الدعم الاستثنائي الذي قدمه البنك المركزي لأسعار الأصول أدى لمجموعة متزايدة من عواقب غير مقصودة وأضرار جانبية.

ويبقى الأمل في أن تؤدي الزيادة العريضة والسريعة والدائمة في النشاط الاقتصادي إلى التحقق من البيانات والتوقعات الاقتصادية بشكل أفضل مما هو عليه الآن، من خلال العديد من المقاييس، وفي مقدمتها أسواق الأسهم التي بلغت حداً غير مضمون الاستمرار.

ورغم أن التعلق بهذا الأمل قد يطول، ينبغي ألا يتسرب الشك إلى النفوس حول عواقب خيبة الأمل، في وقت تحدد البيانات الصحية الجديدة خطوات إعادة افتتاح اقتصادي سريع كامل حول العالم.

ولا يغيب عن بال أحد أن أي صدمة تتعرض لها أسواق الأسهم لن تقوض دور تلك الأسواق ومكانتها فحسب، بل ستسهم أيضاً عن غير قصد، في انخفاض النمو الاقتصادي، وتعميق التفاوت الطبقي، وانعدام الأمن الاقتصادي للأسر وفقدان مصداقية وفاعلية مؤسسات صنع القرار الرئيسية.

* د. محمد العريان خبير وكاتب اقتصادي، كبير استشاريين بمجموعة «أليانز».

المصدر | بروجيكت سينديكيت

  كلمات مفتاحية