استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

لا ديمقراطية بدون تنافس أيديولوجي

الخميس 18 يونيو 2020 07:00 ص

لا ديمقراطية بدون تنافس أيديولوجي

الوضع العربي معقد ومليء بالأخطاء، ويحتاج نظرة تغييرية جذرية لمجابهة كل ساحات الدمار في آن.

الأيديولوجية الحوارية غير العنفية وغير الاقتصادية لها مكان وحاجة في الحياة العربية الحالية والمستقبلية، والذي يختار في ما بينها هو الشعب.

*     *     *

عندما يتهم بعض مثقفين عرب كل من بقي مؤمنا بالفكر والنضال القومي العروبي، المنطلق من إيمان بأمة عربية واحدة ووطن عربي كبير واحد، بأنه يمارس الأوهام والخيالات المراهقة، فإنهم في المحصلة ينادون بانتهاء عصر الأيديولوجيات المجتمعية الشاملة.

وهم هنا أيضا ينضمون إلى الموجة التي راجت في أمريكا وأوروبا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، والتي ادعت بنهاية التاريخ وبانتصار الديمقراطية الليبرالية كحل سياسي وحيد لكل المجتمعات.

لكن تلك النتيجة المستعجلة، بإصرارها على أنها وحدها تمثل الحقيقة، وأن ما غيرها هو محض باطل، انقلبت إلى فكر أيديولوجي متزمت منغلق على نفسه، وسرعان ما تراجع عنه من خلقوه ونادوا به.

الفكر السائد الآن في الغرب، لا يتحدث عن نهاية أيديولوجيات، وإنما ينادي بإجراء تعديلات وإصلاحات في أيديولوجيات الحداثة الغربية، تأخذ بالاعتبار المستجدات الكبرى في حياة الغرب.

إنهم يشيرون، على الأخص، إلى مسألة التدهور الهائل الخطر في البيئة الطبيعية عبر العالم كله، كما يشيرون مؤخرا إلى ما أحدثته العولمة الرأسمالية النيوليبرالية من أزمات اقتصادية مستعصية على الحلول، ومن ازدياد الفجوة المأساوية، ما بين القلة الغنية والأكثرية الفقيرة المسحوقة.

لعل الصراع الدائر الآن في كثير من المجتمعات الغربية، ما بين الشعبوية اليمينية المتطرفة، وما بقي من أحزاب يسارية ووسطية في تلك المجتمعات، هو خير دليل على رجوع الغرب إلى الانقسامات الأيديولوجية السابقة!

ولكن بتفاصيل وقضايا جديدة، جاءت بها الموجة الصاعدة لما بعد الحداثة الغربية، الرافضة للكثير من مسلمات الحداثة الليبرالية، التي أثبتت القرون الثلاثة الأخيرة بعضا من نقاط ضعفها الفكرية والمنهجية.

أوردنا تلك المقدمة عما يجري في الغرب، لأننا نعتقد أن الردة القومية عند بعض المثقفين العرب، هي حصيلة فهم خاطئ لما يجري في الغرب، وممارسة عادة الاقتداء بالغرب، وبعيدا عن أخذ الخصوصية العربية التاريخية الحالية بعين الاعتبار.

ما يجب أن يعرفه هؤلاء المثقفون أيضا، أن تيارا كبيرا يتكون في الغرب للعمل بنظام القفزات الكبيرة الضرورية لحل أزماتهم، بعد أن أصبحت أحجام المشاكل كبيرة لا تستطيع معالجتها خطوات إصلاحية صغيرة ومتباطئة.

لنعد إلى وضعنا العربي لنقول، بأن الحجم الهائل المأساوي للدمار العمراني والاقتصادي والسياسي والأمني والحياتي اليومي، الذي حل بأرض العرب، هو من الكبر والتعقيد من ناحية..

ومن ناحية أخرى، هو مواجه لقوى استعمارية وصهيونية مترامية الأطراف، بحيث أن الخطوات الإصلاحية التجزيئية التي يقترحونها لن تؤدي إلى نتيجة مقبولة تخرج العرب من محنتهم الحالية.

إن الوضع العربي أصبح معقداً ومتشابكاً ومليئاً بالأخطاء والخطايا، ولذا أصبح يحتاج إلى نظرة تغييرية جذرية تتوجه إلى مجابهة كل ساحات الدمار في آن واحد.

إن المدخل الأساسي لذلك هو الانتقال السريع، وقبل فوات الأوان، إلى نظام ديمقراطي سياسي اقتصادي عادل، أهمُّ ما فيه هو سماحه، بل وتشجيعه لوجود أيديولوجيات متعددة، تقدم نفسها للمواطنين ليختاروا في ما بينها.

ما يجب أن نعيه هو أن ديمقراطية بدون حوارات واختيارات أيديولوجية شاملة متنافسة، هي ديمقراطية مشابهة لمباراة كرة قدم، يحضرها اللاعبون والمشاهدون، ولكن تغيب عنها أداة اللعب، وهي الكرة، إنها عند ذاك عبث استعراضي مسل فقط.

الأيديولوجيات في الأرض العربية، سواء اليمينية أو اليسارية الاشتراكية، تحتاج أن تقدم حلولاً للتجزئة القومية العربية المفجعة، وللتجزئة الوطنية المهددة لوجود بعض الأقطار العربية، حلولا للانتقال من الاقتصاد الريعي الزُبوني البدائي، حلولا لمجابهة جنون الطائفية والعنف (الجهادي) التعصبي المتزمت.

حلول لمجابهة الصعود المذهل للنفوذ الاستعماري والصهيوني وأعوانه في أرض العرب، حلولا للتخلفُ العلمي والتكنولوجي والمعرفي، حلولا لوضع المرأة العربية ولاندماج الأقليات العرقية واللغوية في الحياة المدنية العربية، على أسس عادلة مواطنية، حلولاً لكوارث البيئة وشح مصادر المياه والانكشافات الغذائية، إلخ… من حلول لعشرات من القضايا الفرعية الأخرى.

ما نطلبه من أولئك المثقفين هو أن يدركوا أن الأيديولوجية الحوارية غير العنفية وغير الاقتصادية لها مكان وحاجة في الحياة العربية الحالية والمستقبلية، والذي يختار في ما بينها هو الشعب. هذا هو ميدان التزاحم والتنافس في ما بيننا وبينهم، وليس المماحكات اللفظية العبثية.

* د. علي محمد فخرو كاتب ومفكر بحريني

المصدر | الشروق المصرية

  كلمات مفتاحية