دول الخليج وضم الضفة.. ماذا وراء الرسائل الإماراتية إلى إسرائيل؟

الثلاثاء 23 يونيو 2020 09:33 ص

حذر سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة، "يوسف العتيبة"، في رسالة مباشرة غير عادية بالنسبة للجمهور الإسرائيلي، من ضم (إسرائيل) للضفة الغربية المحتلة، الذي من المحتمل تنفيذه في وقت لاحق من هذا العام.

ووجه "العتيبة" النداء في مقال باللغة العبرية لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، وأصدر رسالة فيديو منفصلة باللغة الإنجليزية.

ويعد هذا التواصل جديرا بالملاحظة من زوايا متعددة، ومن الواضح أنه يهدف إلى التأثير في الجدل الإسرائيلي الداخلي حول الضم، ليعمل بمثابة تحذير صارخ ومباشر للجمهور الإسرائيلي، ولكن ربما تخفق الرسالة في تحقيق هدفها إذا ضل الإسرائيليون الطريق بالتركيز على شكل الرسالة بدلا من محتواها.

ويقول "العتيبة" للإسرائيليين: "يبدو أن العديد من قادتكم يرون أنه لن تكون هناك أي نتائج سلبية للضم على الصعيد الإقليمي. وأقول لكم بصراحة إن هذا ليس صحيحا، ستعرقل هذه الخطوة عملية ذوبان الجليد الجارية مع الإمارات".

ومع ذلك، فإن الرسالة تكشف واقعا أكثر تعقيدا، ولا يوجد أي من الدول الخليجية التي تصارح جمهورها بطبيعة العلاقات مع (إسرائيل)، أو حول ما يدور خلف كواليس الدبلوماسية منذ اتفاقيات "أوسلو" عام 1993 بين (إسرائيل) ومنظمة التحرير الفلسطينية.

وخطت جميع دول الخليج، دون استثناء، خطوات كبيرة نحو الحوار مع (إسرائيل)، ولكل منها سبب للقيام بذلك.

جرى إنشاء بعثة تجارية إسرائيلية في قطر عام 1996، ولكن تم إغلاقها في نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2000، في الوقت الذي تصاعد فيه زخم الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

وجدير بالذكر أن هذه العلاقة وصلت إلى ذروتها في عام 1996، مع الفترة الذهبية لعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، حيث زادت آمال حل الدولتين على أساس اتفاقات "أوسلو".

لكن هذه التحركات نحو إقامة علاقات دبلوماسية أكثر رسمية انهارت وسط نيران الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

ولا تزال قطر، مثل باقي دول الخليج، منفتحة على علاقات أقوى مع (إسرائيل)، بالرغم من أنه يعوقها علاقاتها الحالية مع تركيا وإيران، اللتين لديهما توترات كبيرة مع (إسرائيل).

وفي الوقت الحاضر، تمتلك عُمان أقوى العلاقات مع (إسرائيل) بين دول الخليج، حيث رحب السلطان الراحل "قابوس بن سعيد" في 2018 برئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" ومسؤولين كبار آخرين في زيارة نادرة إلى دولة عربية.

ولكن حتى في هذا الموقف، كان هناك بعض الحذر، فلم يتم الإعلان عن الزيارة حتى عودة "نتنياهو" إلى (إسرائيل)، وأوضح العمانيون أنهم ليسوا على استعداد لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع (إسرائيل) حتى قيام دولة فلسطينية وإنهاء الاحتلال الذي بدأ في عام 1967.

وبالرغم مما سبق، فقد تصاعد التركيز في الأعوام الأخيرة على العلاقات بين (إسرائيل) ودول الخليج الثلاثة الأكثر اتحادا في الشؤون الإقليمية، وهي السعودية والإمارات والبحرين.

وفي حين تحافظ عُمان وقطر على سياسة خارجية مستقلة، خاصة تجاه إيران، وتعمل الكويت بجد لتجنب الانجرار إلى النزاعات الإقليمية أو الأيديولوجية أو الطائفية، اتخذت السعودية والإمارات والبحرين موقفا قويا ضد الهيمنة الإيرانية، وتعارض بشدة وكلائها في العالم العربي.

وبما أن (إسرائيل) تشاطر الدول الثلاث الرأي القائل إن إيران هي الخطر الرئيسي في المنطقة، فإن الشعور داخل هذه الدول الخليجية هو أن (إسرائيل) تعتبر شريكا محتملا للأمن القومي.

وقد تطور نفس التصور في (إسرائيل)، وأصبحت تصورات (إسرائيل) للتهديدات أقرب بكثير إلى تلك التي كانت في السعودية والإمارات والبحرين، خاصة عندما انتهى الفصل الرئيسي من الحرب السورية بسقوط حلب في يد قوات النظام عام 2016.

وحولت الحرب السورية دور "حزب الله" اللبناني إلى طليعة إقليمية واسعة لشبكة الميليشيات الإيرانية، وجعلت المجموعة أكثر قوة وخبرة وقدرة عسكرية.

كما أصبح هناك ترابط بين "حزب الله" ومنظمات متشابهة الأيديولوجية مثل قوات الحشد الشعبي في العراق والحوثيين في اليمن، وغيرها من الجماعات الأصغر الموالية لإيران المنتشرة حول العالم العربي.

وكانت هذه بالتحديد جوانب التدخل الإيراني التي أزعجت دول الخليج الثلاث، وشجعت هذه المخاوف المشتركة (إسرائيل) والدول الخليجية الثلاث على النظر في الفوائد المحتملة لتوثيق العلاقات بينهما.

إضافة إلى ذلك، تشعر الإمارات بقلق عميق إزاء صعود تركيا كقوة إقليمية محتملة تقود كتلة إسلامية سنية، بالاشتراك مع قطر، وحكومة الوفاق الوطني في ليبيا، و"حماس" في غزة، وأحزاب "الإخوان المسلمون"، وغيرها من القوى ذات التفكير المماثل.

وتتبنى (إسرائيل) نظرة سلبية تجاه جدول أعمال السياسة الخارجية التركية، وأنتج العداء القوي ضد "الإخوان المسلمون" تقاربا في المواقف الإسرائيلية والإماراتية تجاه "حماس".

وتنظر الإمارات والسعودية أيضا إلى (إسرائيل) على أنها شريك تجاري محتمل، ومصدر للتكنولوجيا الحيوية، لا سيما فيما يتعلق بالمسائل العسكرية والأمنية، وقبل كل شيء الأمن السيبراني.

ولكل هذه الأسباب، حرص الجانبان في الأعوام الأخيرة على توثيق العلاقات، ومع ذلك، يبالغ القادة الإسرائيليون عندما يتحدثون عن "حلفائهم العرب السنة"، فلا يوجد تحالف بين (إسرائيل) وأي من دول الخليج ولا توجد حتى علاقات دبلوماسية.

ومع ذلك، يعد موقف السعودية المعلن، بأنه لم يحدث أي تغيير في قناعات المملكة منذ اعتماد مبادرة السلام العربية عام 2002، إعلانا مضللا أيضا، وتوجد أدلة كثيرة على وجود تعاون سعودي - إسرائيلي وثيق من حيث المعلومات الاستخبارية المهمة والاتصالات العسكرية منخفضة المستوى، مع وجود تجارة ثنائية هادئة، لا سيما السلع والخدمات الاستراتيجية والأمنية.

وقد انعكس هذا مؤخرا في الدراما التليفزيونية الرمضانية لهذا العام، وكذلك في العلاقات الرياضية والتجارية والثقافية المتزايدة.

بالإضافة إلى ذلك، يوجد تغيير ملحوظ في اللهجة فيما يتعلق بالمواقف تجاه القومية اليهودية الإسرائيلية، والتي تختلف تماما عن المواقف العربية في القرن الماضي.

وربما يكون هذا جزء من تغير الأجيال ونتيجة لمعاهدات السلام الإسرائيلية مع مصر والأردن، والاتفاقيات مع منظمة التحرير الفلسطينية، بالإضافة إلى حقيقة أن (إسرائيل) أصبحت لاعبا مهما في الشرق الأوسط.

خلاصة القول، لم تعتقد دول الخليج أبدا أن (إسرائيل) تشكل تهديدا وجوديا لمصالحها الوطنية الأساسية، على النقيض من ذلك، ترى السعودية والإمارات والبحرين إيران على أنها تهديد، وهي وجهة نظر تشترك فيها مع (إسرائيل).

لذا، فمن وجهة نظر الدول الخليجية الثلاث، فإن (إسرائيل) فاعل إقليمي راسخ قد تكون سياسته الخارجية مدمرة للغاية فيما يتعلق بالفلسطينيين، ولكنها ربما تكون مفيدة فيما يتعلق بإيران وحتى تركيا.

ويبدو أن الفكرة القديمة القائلة بأن (إسرائيل) هي الابن المشوه للغرب الذي تم فرضه بشكل مؤقت ومحكوم عليه بالموت على طريقة الحروب الصليبية في العصور الوسطى قد تلاشت.

ويجعل كل هذا رسالة "العتيبة" نغمة استثنائية لأسماع الجمهور الإسرائيلي، فحقيقة وجود الرسالة نفسها تؤكد جدية العلاقة مع الإمارات واستعداد أبوظبي للتحدث مباشرة، وهو نقيض تام للصمت المطبق في العقود السابقة.

وبحكم تعريفه، يعد هذا من أفعال الاعتراف، وبالرغم من أن هذا الاعتراف لا يأتي عبر مسار دبلوماسي رسمي، لكنه ينقل درجة من الاحترام.

واتضح هذا أيضا في رسالة وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، "أنور قرقاش"، عندما تحدث إلى اللجنة اليهودية الأمريكية، وأكد "قرقاش" على أن بلاده لا تزال ملتزمة بحل الدولتين وتعارض الضم، لكنها مستعدة لاستمرار التواصل مع (إسرائيل) وتشجع المفاوضات، مضيفا أنه لا يزال من الممكن متابعة العلاقات غير السياسية حتى مع استمرار الخلافات السياسية.

وتسير الإمارات على حبل مشدود، وليس هناك شك في أنها تحاول جاهدة توصيل رسالتين إلى (إسرائيل) في وقت واحد:

أولا، نود كثيرا تحسين العلاقات مع (إسرائيل)،

ثانيا، ستجعل خطط الضم ذلك مستحيلا، كما أن إنهاء الاحتلال ضروري للمضي قدما في تلك العلاقة.

ولا يوجد شيء متناقض في هذه الرسائل، ولكنها تكشف عن مأزق، ويبدو أن العديد من القادة الإسرائيليين، ومعظمهم من المحافظين، قد استنتجوا خطأ من تجربة الـ30 عاما الماضية، أو بشكل أكثر دقة الـ15 عاما، أن الثمن الذي سيتعين عليهم دفعه مقابل علاقات أفضل مع دول الخليج العربية يقل ببساطة بمرور الوقت.

لكن هذا ليس صحيحا؛ لأن الزخم اللازم لعلاقات أوثق مع (إسرائيل) يعتمد أيضا على عوامل أخرى غير مرتبطة بـ(إسرائيل) ذاتها، ولا سيما صعود القوة الإيرانية والتركية التي تعتبرها (إسرائيل) ودول الخليج تهديدا مشتركا.

وقالت تقارير في "يسرائيل هيوم" أن "خطوة الضم لا يتم تحديها بقوة وراء الكواليس كما يأمل الفلسطينيون"، وأن الدول العربية "لن تعرض علاقاتها مع إدارة ترامب للخطر".

وتنتشر في (إسرائيل)  فكرة أن الحكومات العربية لا تهتم كثيرا بأمر الضم على نطاق واسع، لدرجة أن كاتب عمود بارز في صحيفة "هآرتس" شعر بأنه مضطر إلى التحذير من أن "تقارير الدعم العربي لخطط الضم الإسرائيلية في الضفة الغربية لا أساس لها من الصحة على الإطلاق".

ويساور القادة الفلسطينيون شكوك جدية بشأن النوايا الإماراتية، والأهم من ذلك أنه رفضوا قبول شحنتين حديثتين من الإمدادات الطبية لأن نقلهما مباشرة من الإمارات إلى (إسرائيل) كان ببساطة ذريعة لتطبيع العلاقات بين الجانبين.

لكن جدية معارضة الإمارات للضم تم التأكيد عليها من خلال تعليق "قرقاش" الأخير في معهد الشرق الأوسط، حين قال: "في النهاية، أعتقد شخصيا أننا إذا ذهبنا إلى حيث نذهب اليوم، وفقدنا إمكانية تنفيذ حل الدولتين، فسوف نتحدث لاحقا عن حقوق متساوية ودولة واحدة".

وقد يستنتج القادة والمواطنون الإسرائيليون خطأ أن تحدث الإمارات إليهم مباشرة وبطريقة محترمة وصادقة هي الرسالة الحقيقية، لكن الرسالة الفعلية التي يبعثها "العتيبة" و"قرقاش" للإسرائيليين، هي أن خطط الضم  لا تتوافق مع جهود تطوير الحوار والتعاون بين الجانبين.

ومن أجل أن يتم فهم الرسالة بشكل صحيح، يحتاج الإسرائيليون، خاصة قادتهم، إلى تلقيها بدون غطرسة، وبتواضع حذر، ومعرفة أنهم يحتاجون للكفاح أحيانا للحفاظ على علاقاتهم بالعالم العربي.

المصدر | حسين آيبش | معهد دول الخليج في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

ضم الضفة الغربية يوسف العتيبة العلاقات الإماراتية الإسرائيلية التطبيع مع إسرائيل

الإمارات: ضم إسرائيل أجزاء من الضفة انتكاسة للسلام

سفير أمريكي سابق: مخطط الضم يدفع المشروع الصهيوني للهاوية

ربما تعارض الأنظمة الخليجية ضم الضفة.. لكنها ساعدت في دعمه