استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

تفنيشات وتطفيشات وتخفيضات خليجية

الخميس 25 يونيو 2020 09:01 ص

تفنيشات وتطفيشات وتخفيضات خليجية

الخليج سيكون أكثر أمنا بوجود عمالة عربية مختارة، وليست عمالة عشوائية.

لتحقيق العدالة، يجدر أن يقابل تخفيض المرتبات والأجور تخفيض إيجارات المحلات التجارية والخدمية.

هناك عمالة لا يستغنى عنها نظرا لندرة السكان من المواطنين لكن هناك عمالة زائدة يمكن الاستغناء عنها دون خلل من غير الناطقين بالعربية.

*     *     *

انشغلتُ، كغيري من أهل الخليج العربي، المواطن والمقيم، بهموم الناس والدولة في هذه المنطقة والتي تعتبر الأغنى في العالم. حباها الله بثروة نفطية وغازية، تحتوي أرضها أكبر مخزون منهما، وعوائد مالية ضخمة، وتتفاخر الدول الخليجية أن دخل الفرد فيها هو الأعلى في العالم.

في الربع الأول من الألفية الثالثة، تسابقت الحكومات الخليجية في رفع مرتبات جميع موظفي الدولة، وتوافدت الشركات الكبرى على هذه الدول النفطية، بهدف الاستثمار في المشاريع الضخمة. وأعلنت كل واحدةٍ من دول الخليج رؤيتها الوطنية التنموية (2030).

وتوسعت هذه الدول في إقامة مشاريع ضخمة، الأمر الذي أدى إلى استقدام عمالة أجنبية بأعداد كبيرة، الأمر الذي أخلّ بالتركيبة السكانية. تقول أوثق الدراسات إن في السعودية أكثر من عشرة ملايين عامل أجنبي، وفي الإمارات 7.8 ملايين عامل، والكويت فيها 2.8 مليون عامل، وقطر فيها تقريبا مليونان (الخليج الجديد 30/3/2020، آخر تحديث في 21/6/2020).

وقال السفير الهندي في البحرين إن في دول الخليج 6 ملايين عامل هندي، وتبلغ تحويلاتهم 40 مليار دولار سنويا (الوطن البحرينية 2/6/2013)، علما أن وكالة بلومبيرغ تؤكد في 25/5/2013 أن العمالة الهندية في الخليج 7.1 ملايين عامل، ما يعني أنهم أكثر من مواطني الدول الخليجية الخمس مجتمعة. وهنا الخطورة على المنطقة.

(2)

كتبت في "العربي الجديد" (17/6/2020)، في مقالة بعنوان "حروب وغلاء وأزمات ترهق المواطن الخليجي"، أن على القيادات السياسية في الخليج مواجهة تلك المشكلة من دون أن تكون لها آثار سلبية على دولها، وأنه فيما هناك عمالة لا يمكن الاستغناء عنها، نظرا للندرة السكانية من المواطنين أصحاب الأرض، إلا أن هناك عمالة زائدة يمكن الاستغناء عنها من دون خلل، من غير الناطقة باللغة العربية.

وإننا في دول الخليج في أمس الحاجة لعمالة عربية قادرة على العطاء. ولا شك عندي أنها أكثر كفاءة وأكثر أمنا علينا في الخليج.

قد يجادل أحدنا في هذا فيقول إنه لا أمان للعمالة العربية، وأنها مصدر تهديد أكثر من الآسيويين، لأمننا ومجتمعاتنا، لأن العمالة العربية تخضع لأوامر حكوماتها، وقد تُصدر تلك الحكومات أمرا لمواطنيها العاملين في أي دولة خليجية بالعودة، وترك تلك الدولة الخليجية تغرق في إدارة البلاد.

وهذا القول مردود، فعندما فرض الحصار على قطر من ثلاث من دول الجوار الخليجية ومصر، أمرت الدول الخليجية مواطنيها العاملين في قطر بالمغادرة خلال فترة زمنية محددة، وكانت نسبة الاستجابة لا تزيد عن 1%.

وفي المقابل، ألحق إضراب أكثر من أربعة آلاف من العمالة الآسيوية في جبل علي في دبي (صحيفة الاتحاد، 31/10/2007)، تخريبا بالممتلكات العامة وسيارات الأمن الوطني وقطع الطرق. كما أضرب ألفا عامل في شركة "آرابتك"، مطالبين بتحسين أوضاعهم المالية والسكن (الاتحاد 7/11/2007).

وفي البحرين، أضرب أكثر من 1800 عامل آسيوي، معظمهم هنود، في 10/3/2008 (ميدل إيست أونلاين). وفي 12/8/2008، أضرب عمال هنود مطالبين بزيادة مرتباتهم وتحسين ظروف العمل، وتدخل السفير الهندي، وطالب بألا يقل راتب العامل الهندي عن مائة دينار بحريني (الوسط البحرينية، 12/10/2007).

وأضرب 1300 عامل آسيوي يعملون في مشروع "درّة البحرين"، ورفعوا المطالب نفسها (الدستور 11/2/2008). ولم تسلم بقية دول الخليج من إشكالات عمالية.

ومع توالي هذه الوقائع كلها (وغيرها)، لم يحدث أي تمرد عمالي عربي في الخليج، وما جرى في الكويت، مرة، عرضي، لا يمكن القياس عليه. ما يُراد قوله هنا إن الأمن الخليجي سيكون أكثر أمنا بوجود عمالة عربية مختارة، وليست عمالة عشوائية.

(3)

أخيرا، ومع رهاب كورونا، تعالت الأصوات عن خلل التركيبة السكانية في الخليج، والدعوة إلى تقليل عدد الوافدين من دون تمييز، وراحت دول تعالج هذه المسألة، في تقدير الكاتب، معالجة فجة، ومن دون تدرّج في الإجراءات، الأمر الذي قد يقود إلى آثار سلبية على هذه الدولة الخليجية أو تلك، منها مثلا تشغيل آلة "التفنيش"، أي إنهاء خدمات عاملين.

وهنا يجب أن تكون العمالة المستهدفة تلك التي لا مهنة لها، وزائدة عن الحاجة، من العمالة الآسيوية. امتداد عملية "التفنيش" إلى العاملين في المهن الطبية والتمريض والصيدلة، ومهنة التعليم في كل مراحله، والإعلام.

وكذا الإقدام على عملية "التطفيش"، أي إنزال المرتبات والأجور والمخصصات، لإجبار الناس على الرحيل، أو في أحسن الأحوال ترحيل عائلات العمال، وبقاء الرجال، لتصبح المجتمعات الخليجية مجتمعات عزّاب، له تأثيراته السلبية أمنا واقتصادا وثقافة، والمقصود هنا العمالة العربية بكل أنواعها.

لا جدال في أن هذا كله سيكون له عائد سلبي على الإدارة العامة والمجتمع كله. ولكي تتحقق المعادلة العادلة، يقترح الكاتب هنا إصدار تشريع بتخفيض إيجارات العقارات التجارية والسكنية والخدمية بنسبة لا تقل عن 25%، كذلك المصاريف الدراسية على أبناء المقيمين من أشقائنا العرب في كل مراحل التعليم، سواء في المؤسسات التعليمية عامة، الحكومية أو الخاصة.

سيعود هذا الإجراء بالنفع العام على المجتمع، لانخفاض أسعار المواد الاستهلاكية من غذاء ودواء وكذلك التعليم. أنبه إلى أن كثيرين من أصحاب المهن المشار إليها قد يقبلون بالإجراءات المالية، نظرا إلى ضيق البدائل، ولكن الأداء لن يكون كما كان بعد تطبيق عملية "التطفيش".

(4)

هناك اتهام لأهل الخليج، أنهم يتنكرون لإخواننا العرب الذين ساهموا معنا في بناء مجتمعاتنا على كل الصعد العمرانية والثقافية والعلمية والإعلامية والصحية .. إلخ، والآن يطلبون منهم الرحيل بعد عمر الستين عاما. ويفرضون عليهم الاستقطاع من مخصّصاتهم المالية لسد عجوز الميزانيات المالية.

يقول إخواننا العرب المقيمون إنهم قوى منتجة ومستهلكة في الوقت نفسه، والدول الخليجية تجني منهم مبالغ طائلة من الرسوم على الخدمات ومصروفاتهم، وأنهم يضخون أموالا طائلة في قطاع العقار، وفي إنفاقهم على تعليم أبنائهم، وفي شراء السيارات، وحتى شراء الصحف اليومية، ولا يمكن مقارنتهم في هذا كله وغيره بالعمالة الآسيوية.

أخيرا: لتحقيق العدالة، يجدر أن يقابل تخفيض المرتبات والأجور تخفيض إيجارات المحلات التجارية والخدمية، لتهبط أسعار المواد الغذائية والدوائية، وكذلك تخفيض إيجارات السكن والمصاريف الدراسية، وإلا فإن الخسارة ستتعاظم لملاك المدارس والعيادات والمستشفيات الخاصة، وملاكها مواطنون خليجيون.

* د. محمد صالح المسفر أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية