استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

كلام في التعذيب

الأربعاء 8 يوليو 2020 10:54 ص

كلام في التعذيب

حظر التعذيب قاعدة آمرة ملزمة من قواعد القانون الدولي لا يمكن مخالفتها.

اتخذ الغرب من هجمات 11 سبتمبر 2001 ذريعة للتجاوز على الحقوق والحريّات سواء في الولايات المتحدة أو في أوروبا.

التعذيب لا يزال متفشيا في العالم لا سيّما في البلدان النامية ومنها البلدان العربية والإسلامية، لكن الغرب ليس بريئاً منها كذلك.

التعذيب «جريمة ضد الإنسانية» بموجب اتفاقيات جنيف ووفقاً للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وهو «جريمة لا تسقط بالتقادم».

*     *     *

«التعذيب محاولة خبيثة لكسر إرادة الإنسان»، ذلك ما نطق به أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة التعذيب، حيث يتجدد الرفض الدولي، ولاسيّما من جانب الهيئات والمنظمات الحقوقية والإنسانية والدينية، لجميع أنواع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللّاإنسانية أو المهينة للكرامة.

وكانت الاتفاقية الدولية لمنع التعذيب قد أبرمت في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها ال 39 (46) في ال 10 من ديسمبر / كانون الأول 1984، ودخلت حيّز التنفيذ في ال 26 من يونيو / حزيران 1987.

جدير بالذكر أن التعذيب يعتبر «جريمة ضد الإنسانية» بموجب اتفاقيات جنيف لعام 1949، وملحقيها لعام 1977، وكذلك وفقاً للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وهو محظور تماماً في جميع المواثيق والاتفاقيات الدولية في فترات السلم والحرب أيضاً، ولا يمكن تبريره تحت أي عنوان، كما أنه «جريمة لا تسقط بالتقادم».

ولذلك يقتضي الالتزام بحظره، سواء كانت الدولة قد انضمت إلى الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب أو لم تنضم، لأنه يعتبر قاعدة آمرة ملزمة من قواعد القانون الدولي لا يمكن مخالفتها.

ورغم تحريم ظاهرة التعذيب، لا تزال متفشية في العديد من البلدان، ولا سيّما في البلدان النامية، ومنها البلدان العربية والإسلامية، لكن الغرب ليس بريئاً منها كذلك، والأمر لا يتعلّق بتورّطه بممارسته للتعذيب أيام الحقبة الاستعمارية أو في حروبه الخارجية واحتلاله لبلدان أجنبية، بل باستخدامه في سجونه أيضاً، خصوصاً بعد أحداث 11 من سبتمبر/ أيلول 2001 الإرهابية، التي اتخذ منها ذريعة للتجاوز على الحقوق والحريّات، سواء في الولايات المتحدة أو في أوروبا.

ولم يقتصر الأمر على بعض التشريعات والقوانين والإجراءات التي تتعارض مع المواثيق واللوائح الدولية لحقوق الإنسان، بل قام بفضائح صارخة كما حدث في سجن جوانتنامو وسجن أبو غريب والسجون السرّية الطائرة والسجون العائمة.

وإذا كان التعذيب انتهاكاً للكرامة الإنسانية، فإنه بقدر ما يستهدف اقتلاع «إنسانية الإنسان» وإجبار الضحية على الرضوخ، فإنه بالقدر نفسه ينزع أي صفة إنسانية عن الجلاد والمرتكب ذاته، لأن الحق في الأمان وعدم التعرّض للتعذيب هو حق أساسي ينبغي حمايته في جميع الظروف والأحوال، حيث وجدت تلك الثقافة الحقوقية طريقها إلى الفقه الدولي حديثاً.

وتجلّت بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 واتفاقيات جنيف، وبشكل خاص بالاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، وجميعها تشكّل منظومة من صلب قواعد القانون الإنساني الدولي، الذي يعتبر التعذيب «جريمة حرب» كذلك،

وهو الأمر الذي يتطلّب اتخاذ إجراءات وقائية للحد منه من جهة، وإجراءات حمائية لمنعه وشفائية لمعالجة آثاره من جهة أخرى، حيث يطغى على ضحايا التعذيب شعور بالإحباط والانكسار، وهو ما يجعل أمر التعافي من آثاره يتطلّب برامج متخصصة للمعالجة وصولاً للشفاء التام.

ولا تقتصر ممارسة التعذيب على الحكومات وحدها ضد معارضيها، بل إن المنظمات الإرهابية هي الأخرى لا تقصّر في ممارسة التعذيب حين تتاح لها الفرصة إزاء خصومها، وليس بعيداً عن ذلك أن بعض «منظمات المعارضة» وبذريعة «ثورية» تمارس التعذيب هي الأخرى أحياناً، تحت عناوين محاربة الاختراقات في صفوفها، حيث يتم تبادل المواقع بين الضحية والجلاد.

وهو الأمر الذي يحتاج إلى تطوير النصوص القانونية لمنع ممارسة التعذيب بجميع صوره وأشكاله، وعدم السماح لمرتكبي التعذيب وتحت أي مبرر ب «الإفلات من العقاب»، وهو أمر يحتاج إلى فتح حوارات متنوعة بين الفعاليات والأنشطة السياسية والمدنية والدينية والحقوقية بشأن مناهضة التعذيب واستنكار واستهجان هذه الممارسة اللّاإنسانية وتجريمها، خصوصاً بنشر وتعميم الثقافة الحقوقية والعقوبات القانونية التي تترتب على من يمارسه.

استعدت وأنا أكتب هذه المادة ندوة التأمت في لندن في عام 1992 نظمتها «المنظمة العربية لحقوق الإنسان» تحدّث فيها عدد من ضحايا التعذيب في فلسطين وليبيا والعراق والسودان من النساء والرجال، واستعرضوا أعمالاً شنيعة مورست بحقهم دون اعتبار لضمير أو وجدان، واستحضرت ذلك مؤخراً وأنا أقرأ ما كتبه محمد السعدي أحد الشيوعيين الأنصار عن تعرّضه لأنواع متعدّدة من محق الكرامة الإنسانية والإذلال المعنوي والامتهان الجسدي.

ولم تكن محاولة خروجه من دائرة الانكسار والانسحاق هيّنة، بل جاءت بعد معاناة وألم ووجع شديدين ظلّا يلازمانه مثل ظلّه، وكان لزوجته الدور الأكبر في التخفيف من معاناته، إضافة إلى تدوين تلك التجربة المريرة في كتابه الموسوم «سجين / نزيل الشعبة الخامسة»، حيث اعترف بشجاعة عن انهياره وتنازله واضطراره لتقديم معلومات.

لكنه بذكاء تمكّن من خداع الجلادين بإيهامهم الاستعداد للعمل معهم، والاتفاق على لعب دور مزدوج، وحين عاد إلى الجبل أخبر رفاقه بكل ما حصل، وهو ما حاول التوقف عنده بتفاصيل رواية مذهلة ومرعبة ومخيفة عن دهاليز الشعبة الخامسة، ومع ذلك لا تزال الكوابيس تقضّ مضجعه، فكأن ما حصل أشبه بعالم اللامعقول، فتعذيب الإنسان شرٌ لا يوصف على تعبير هنري ميللر.

* د. عبد الحسين شعبان باحث ومفكر عربي من العراق.

المصدر | الخليج - الشارقة

  كلمات مفتاحية