استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

تحطيم التماثيل وتنقيح التاريخ

الجمعة 10 يوليو 2020 05:01 م

تحطيم التماثيل وتنقيح التاريخ

إذا أردنا أن يكون لتاريخنا معنى و لدراسته قيمة وأثراً فلا بد لنا أن نعيد التفكير فيه: موضوعات وأساليب بحث.

التكريم قرار أقلية لها أهدافها ومعتقداتها السياسية التي تريد تثبيتها في ذاكرة المجتمعات والشعوب: معتقدات قوة وسطوة.

تحطيم التماثيل اعتراض على التكريم والموافقة على ما فعله ذلك المكرّم أثناء حياته وليس محاولة لتغيير التاريخ أو حتى نسيانه.

*     *     *

يقوم الغاضبون على السياسات والتصرفات العنصرية التي تمارسها أجهزة الأمن في الولايات المتحدة الأمريكية بتحطيم تماثيل من يعتبرونهم من الذين مارسوا فيما مضى تجارة بيع وشراء العبيد أو ممن وقفوا علناً، قولاً وفعلاً، مؤيدين لتلك الظاهرة اللاإنسانية القبيحة.

وبالطبع فإن أولئك الغاضبين يهدفون إلى التأكيد أنهم لايعترضون على ممارسات الحاضر فقط وإنما يريدون أيضاً تعرية بشاعة الظاهرة عبر التاريخ كله.

من هنا رد فعل الرئيس الأمريكي ومن حوله من مؤيديه المتمثل في عنف كلامي جارح للمتظاهرين وقراءات للنوايا مشوهة وتباك انتهازي على التاريخ والهوية. ذلك أن فهمهم للموضوع يتجنب رؤية المعني الأساسي من وراء نصب تماثيل بعض رجالات الأمم في الساحات العامة.

المعنى الأساسي الحقيقي هو أن التمثال يشير إلى تكريم صاحبه والإعجاب بشخصيته واعتباره شخصاً متميزاً في أفكار أو أقوال أو أفعال مارسها أثناء قيامه بمسؤوليات حياته العامة.

تحطيم التماثيل في الواقع اعتراض على رمزية التكريم التي تعني الموافقة على ما قاله أو فعله ذلك المكرم أثناء حياته. ليس التحطيم محاولة لتغيير التاريخ أو حتى نسيانه، فالتاريخ قد ولى ومضى ولايمكن تغييره، وإنما هو اعتراض على موقف غير أخلاقي ينحاز لممارسات تاريخية قبيحة، سواء بقصد أو بغير قصد، وذلك من خلال تكريم من قاموا بتلك الممارسات غير السوية.

الذين يريدون أن يعتبروا تلك التماثيل قطعاً فنية حيادية جمالية لايجب المساس بها إنما يضحكون على أنفسهم ويخادعون غيرهم. والذين يدعون بأنها من الأملاك العامة يعرفون أن قرار اختيار المكرمين لم يكن قط خياراً عاماً وافقت عليه جموع الناس.

بل كان قرار أقلية لها أهداف خاصة بها، ولها معتقداتها السياسية على الأخص التي تريد تثبيتها في ذاكرة المجتمعات والشعوب: معتقدات القوة والسطوة.

في اعتقادي أن هذا الموضوع المطروح على بساط العالم كله بالغ الأهمية؛ إذ إنه يندرج كخطوة مثيرة للاهتمام في مراجعة جديدة أخلاقية للتاريخ، فكراً وقيماً ورجالاً، حتى يكون التاريخ مكونا إيجابيا وساميا من مكونات الوعي الجمعي المستقبلي، وليس من مشوهي ذلك الوعي.

من هنا جدارة الموضوع للحصول على اهتمامات المؤرخين والمثقفين المفكرين العرب الذين كانوا ولايزالون يطرحون شعار مراجعة التاريخ العربي والإسلامي مراجعة عصرية نقدية جديدة من جهة، والذين أرادوا ويريدون جعل التاريخ مكوناً أساسياً من مكونات الهوية العروبية ومن مكونات الوعي الجمعي العربي المستقبلي من جهة أخرى.

هل يبدو ذلك إقحاماً لموضوع ظرفي في إشكاليات التاريخ المعقدة والمختلف كثيراً على طريقة كتابتة؟ الجواب هو كلاً.

لنأخذ مثالاً واحداً: إن مراجعة تاريخ العديد من الأمم الأوروبية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أي فترة زخم تكوين الصورة النهائية لهوياتها ودولها القومية، يبين تنصيباً واسعاً مكثفاً في ساحات مدنها وطرقاتها لتماثيل رجالاتها التاريخيين والأحداث الكبرى في تاريخها، وذلك من أجل ترسيخ معرفة وتذكر المحطات التاريخية في تكوين الأمة والوطن والهوية الجمعية الجامعة.

إن مؤرخاً مرموقاً كالمرحوم الدكتور عبدالعزيز الدوري، كان يردد في كتبه أنه إذا أردنا أن يكون لتاريخنا معنى، وأن تكون لدراسته قيمة وأثراً، فلا بد لنا أن نعيد التفكير فيه، موضوعات وأساليب بحث.

ألا يستحق النظر في مدى صحة وأخلاقية ونزاهة ما ترمز إليه تماثيل الشخصيات والأحداث التاريخية العربية المنصوبة في مدن الوطن العربي كله أن يكون واحداً من أساليب أو موضوعات مراجعة التاريخ التي أشار إليها الدكتور الدوري؟

التاريخ العربي، مثله مثل غيره من تاريخ الأمم الكبرى، مملوء بالإنجازات الحضارية الرائعة، لكنه أيضاً موبوء بالأخطاء والخطايا المعيبة.

الإنجازات الحضارية يجب أن تخلد بأشكال كثيرة، بما فيها إقامة تماثيل لرجالاتها وإشعاعاتها. أما الموبوء منها فيجب إزالة تمثيل رجالاته وخطاياه من الساحات.

هذا طريق نحتاج أن نسلكه إذا كنا نريد أن نرسخ في عقول ونفوس أجيال شباب وشابات المستقبل العربي تعليماً تاريخياً موضوعياً وثقافة تاريخية تسمو بحسهم الإنساني.

قد تشتم وتتهم بعض الجهات المحافظة المتزمتة الأمريكية والأوروبية الشابات والشباب الذين يرغبون في تنقية تاريخهم من الزيف والكذب وهيمنة أقليات السطوة والجاه عليه وعلى رموزه!

أما المجتمعات فيجب أن تقبل جبينهم، عرفاناً لهم بأنهم فتحوا أبواباً لفهم العمل السياسي النضالي كانت مغلقة، تارة باسم الوطنية وتارة باسم الحشمة السلوكية الكاذبة.

* د. علي محمد فخرو كاتب ومفكر بحريني  

المصدر | الشروق المصرية

  كلمات مفتاحية