جولة في عقل السيسي.. لماذا يرغب الجنرال في التدخل عسكريا في ليبيا؟

السبت 11 يوليو 2020 05:31 م

في 20 يونيو/حزيران، هدد الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" بالتدخل العسكري المباشر في ليبيا إذا تقدمت قوات حكومة الوفاق الوطني، المدعومة من الأمم المتحدة، بقيادة "فايز السراج"، نحو مدينة سرت وقاعدة "الجفرة" العسكرية.

وفي الواقع، وصلت قوات حكومة الوفاق الوطني إلى ضواحي المدينة في 11 يونيو/حزيران، حيث توقفت العمليات العسكرية وسط ارتباك بشأن التحركات المستقبلية.

واعتبر "السيسي" محور "سرت - الجفرة" بين الشمال والجنوب خطا أحمر لا يجب تجاوزه من قبل حكومة الوفاق الوطني ورعاتها في أنقرة.

وكانت هذه هي المرة الأولى التي يوجه فيها "السيسي" مثل هذه التهديدات علنا، ما يثير تساؤلات حول إلى أي مدى يمكن تنفيذ هذه التهديدات؟ وما هي آثار التدخل العسكري المصري المحتمل في ليبيا على الاستقرار الإقليمي؟

مخاوف مستترة

وتعكس تهديدات "السيسي" شعورا عميقا بالخوف والإحباط من التطورات السياسية والعسكرية الأخيرة في ليبيا. لذا، فإن هناك حاجة ملحة لتتبع سياق ردود فعل الرئيس المصري.

أولا، جاءت تهديدات "السيسي" بعد الهزيمة المهينة لقوات حليفه الليبي، أمير الحرب الجنرال "خليفة حفتر".

ولم تفشل عملية "حفتر" الهجومية للاستيلاء على العاصمة الليبية طرابلس فقط، وهي العملية التي بدأت في أبريل/نيسان 2014 بدعم من مصر والإمارات وفرنسا وروسيا، لكنه فقد السيطرة أيضا على المدن المهمة والاستراتيجية في غرب ليبيا، مثل ترهونة وبني وليد وقاعدة "الوطية" الجوية الاستراتيجية.

وبدعم من الطائرات المسيرة التركية، والمعدات العسكرية القادمة من أنقرة، تقدمت قوات الجيش الوطني نحو مدينة سرت وقاعدة الجفرة، حيث كانت قوات "حفتر" تستعد لصد تقدم قوات الوفاق الوطني، بدعم من المرتزقة من روسيا والسودان وتشاد، وبغطاء دولي توفره كل من مصر والإمارات وفرنسا.

ثانيا، يخشى "السيسي" من تزايد دور تركيا ونفوذها في ليبيا، خاصة بعدما نجحت تركيا خلال الأشهر القليلة الماضية في بناء شراكة استراتيجية مع حكومة الوفاق الوطني.

وقد مكّن ذلك أنقرة في النهاية من قلب المد ضد "حفتر" وحلفائه، وإعادة رسم خريطة الصراع. وفي الواقع، تنظر تركيا إلى ليبيا باعتبارها مجالا جديدا للتأثير في شمال أفريقيا، وهي تخطط لإقامة علاقة سياسية واقتصادية وعسكرية طويلة الأمد مع أي حكومة شرعية في طرابلس.

وفي الآونة الأخيرة، زار وفد تركي رفيع المستوى، برئاسة وزير الخارجية "مولود تشاوش أوغلو"، طرابلس، وأجرى محادثات مع مسؤولي حكومة الوفاق الوطني.

ورافق "تشاوش أوغلو" في جولته كل من وزير المالية "بيرات البيرق" ورئيس المخابرات "هاكان فيدان". ويعتقد "السيسي" بشدة أن سيطرة حكومة الوفاق الوطني على سرت والجفرة ستزيد من نفوذ تركيا على حساب مصالح مصر في ليبيا.

وبالتالي، من المهم لـ"السيسي" أن يوقف مثل هذا التقدم قبل أن يخرج عن نطاق السيطرة.

ثالثا، يتطلع "السيسي" إلى موارد الطاقة الضخمة في ليبيا، معتبرا أنها ضرورية لتحقيق مشاريعه التنموية الضخمة في مصر.

كما يريد تأمين حصة حكومته في خطط إعادة الإعمار المستقبلية في ليبيا، والتي ستمنح الشركات العسكرية المصرية عوائد مالية ضخمة.

وأخيرا، يعتقد "السيسي" أن العملية السياسية الطبيعية في ليبيا ستجلب بالضرورة الإسلاميين إلى السلطة، وهي نتيجة يعتبرها خطا أحمر حقيقيا، بالنسبة له ولمؤيديه الإقليميين في الرياض وأبوظبي.

ومن المؤكد أن تشكيل حكومة منتخبة ديمقراطيا في طرابلس يعد تهديدا وجوديا لـ "السيسي" والحكومات الاستبدادية الأخرى في المنطقة.

الأولويات الأمنية

ونتيجة لذلك، يتعامل "السيسي" مع التطورات في ليبيا من منظور الأمن القومي، وهو يرغب في تحقيق 3 أهداف أساسية. الأول، إدارة الفوضى وعدم الاستقرار على الحدود الغربية لمصر. والثاني، تشكيل حكومة ودية في طرابلس تخدم مصالح "السيسي" وحلفائه في المنطقة. وأخيرت، منع تركيا من الحصول على موطئ قدم في ليبيا وشمال أفريقيا.

تاريخيا، كانت الحدود الغربية لمصر هي الأكثر هدوءا والأقل أهمية للدولة المصرية. وعادة ما كانت التهديدات تأتي إما من الجبهة الشرقية مثل الاحتلال الإسرائيلي لسيناء عام 1967، والمشاكل التي تثيرها الجماعات المسلحة في سيناء في الوقت الراهن، أو من الجبهة الجنوبية مع السودان، حيث لا يزال هناك تنازع حول الحدود النهائية بين البلدين، وهو ما يثير التوترات على فترات بين القاهرة والخرطوم.

وفي الوقت الحاضر، ينشأ التهديد الرئيسي للأمن القومي المصري من الجنوب البعيد، وبالتحديد من سد النهضة الكبير في أثيوبيا، الذي سيكون له تأثير كبير على أمن مصر المائي.

ولكن بعد وصول "السيسي" إلى السلطة في عام 2014، تحولت أولويات الأمن القومي المصري بشكل ملحوظ للتركيز بشكل أكبر على الحدود الغربية مع ليبيا.

ولدى مصر حدود تمتد بطول 693 ميل مع ليبيا، من البحر الأبيض المتوسط ​​في الشمال إلى الحدود المصرية السودانية في الجنوب.

ومع ذلك، لم تشكل هذه الحدود أبدا تهديدا خطيرا للأمن القومي المصري في العقود الماضية. وبصرف النظر عن مكافحة الهجرة غير الشرعية، والاتجار بالبشر، وتجارة المخدرات والأسلحة، التي كانت تسيطر عليها عادة الدوريات العسكرية والشرطية بالتنسيق مع السلطات الليبية، لم تتعرض مصر لتهديدات وجودية قادمة من الجانب الليبي من الحدود.

ومع ذلك، منذ الإطاحة بالعقيد "معمر القذافي" من رئاسة البلاد عام 2011، وما تلى ذلك من فوضى وعدم استقرار في ليبيا، زادت التهديدات والمخاطر على أمن مصر من حدودها الغربية.

وأصبح ظهور الجماعات المتطرفة مثل "الدولة الإسلامية"، إلى جانب الصراع المتصاعد في ليبيا، مصدر قلق كبير لنظام "السيسي".

وفي الواقع، تم التخطيط لبعض الهجمات الإرهابية في مصر وتسهيلها من داخل الحدود الليبية. على سبيل المثال، في 19 يوليو/تموز 2014، تم قتل 21 جنديا مصريا على الأقل على أيدي مسلحين مدججين بالسلاح عند نقطة تفتيش في واحة الفرافرة في الصحراء الغربية لمصر، على بعد نحو 120 ميلا من الحدود الليبية.

واستهدف هجوم كبير آخر، في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، مجموعة من المسيحيين في مصر، وأدى إلى مقتل 28 شخصا على الأقل كانوا في طريقهم لحضور مناسبة دينية.

وليس من المستغرب أن الجيش المصري قام بعدة عمليات عسكرية في الصحراء الغربية ضد المسلحين والمتطرفين الذين يعتقد أنهم وراء هذه الهجمات.

علاوة على ذلك، شنت مصر غارات جوية ضد المتطرفين داخل ليبيا. على سبيل المثال، في 16 فبراير/شباط 2015، قصفت الطائرات الحربية المصرية أهدافا تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في مدينة درنة الشرقية انتقاما لقطع رؤوس 21 مسيحيا مصريا كانوا يعملون في ليبيا.

لذلك، أصبح تأمين الحدود الغربية لمصر مع ليبيا أولوية بالنسبة لنظام "السيسي".

خطايا "السيسي"

ومع ذلك، فإن معالجة "السيسي" للمعضلة الأمنية الليبية شابتها العديد من الأخطاء، ما خلق تهديدات ومشكلات جديدة للأمن القومي في مصر بدلا من تهدئة وحل المشاكل الموجودة بالفعل.

أولا، بدلا من التوسط بين الفصائل التي تتقاتل في ليبيا، اختار "السيسي"، لأسبابه الخاصة، الوقوف إلى جانب "حفتر"، رغم افتقاره إلى الشرعية والمصداقية.

وبدعم أمير حرب استولى على السلطة في المنطقة الشرقية من ليبيا بقوة السلاح، شوه "السيسي" صورة مصر كوسيط موثوق، ودفع الكثير من الليبيين للنظر إلى "السيسي" على أنه خصم وليس وسيطا.

ثانيا، قدم "السيسي" دعما سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا لا لبس فيه لـ"حفتر" على مدى الأعوام الـ 5 الماضية، ما أدى إلى تعميق وإطالة أمد الصراع في ليبيا، وبالتالي زيادة المخاطر والتهديدات التي تواجهها مصر.

ثالثا، لم تخلق التهديدات الأخيرة من "السيسي" بالتدخل العسكري في ليبيا المزيد من الانقسامات بين الأطراف المقاتلة في ليبيا فحسب، بل عرّضت مصالح مصر وأمنها للخطر.

واعتبرت حكومة الوفاق الوطني تهديدات "السيسي" بمثابة "إعلان حرب"، وتعهدت بمواجهتها. ويمكن لهذا أن يؤدي إلى مزيد من تصعيد الصراع.

وأخيرا، أدى دعم "حفتر" إلى خسارة "السيسي" حكومة الوفاق الوطني، وقد يكلف هذا شركات المقاولات المصرية مليارات الدولارات من المكاسب المحتملة خلال عملية إعادة الإعمار المستقبلية.

هل تتدخل مصر؟

بالنظر إلى ذلك كله، من الصعب تصديق أن نظام "السيسي" ليس متورطا بالفعل في ليبيا عسكريا. فبعد كل شيء، قدم "السيسي" الدعم العسكري واللوجستي لـ"حفتر" على مدى الأعوام الخمسة الماضية.

علاوة على ذلك، وكما ذكرنا سابقا، شنّت مصر ضربات عسكرية داخل ليبيا في عام 2015. وتشير تقارير أن القاهرة شنت مؤخرا ضربات على قاعدة قاعدة الوطية الجوية. ومع ذلك، يبقى السؤال الحيوي هو ما إذا كان "السيسي" سينخرط مباشرة في ليبيا من خلال إرسال قوات برية.

وفي هذا الصدد، من غير المحتمل إلى حد كبير إن ترسل مصر قوات برية إلى ليبيا لأسباب مختلفة. أولا، ستكون هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يقاتل فيها الجيش المصري إلى جانب الميليشيات والمرتزقة من روسيا والسودان وتشاد، وقد يضر هذا بسمعة الجيش على المدى الطويل.

ثانيا، ليس هناك ما يضمن أن مثل هذا التدخل، إذا حدث، سيكون سريعا وفعالا أو سينهي الصراع في ليبيا. وسيكون الأمر عكس ذلك في الواقع، وسيؤدي إلى تفاقم الوضع هناك.

ثالثا، قد يكلف القتال في حرب أهلية الجيش المصري خسائر فادحة في الأرواح، الأمر الذي يهدد التماسك الداخلي للنظام.

وأخيرا، يعني هذا التدخل العسكري أن "السيسي" سينخرط في صراع مباشر مع حكومة الوفاق الوطني وداعميها في أنقرة، ما قد يؤدي إلى حرب إقليمية غير ضرورية.

ومع ذلك، توجد سيناريوهات أخرى قد يلجأ إليها "السيسي" من أجل الحفاظ على مصالحه في ليبيا. الأول هو تكثيف الضربات الجوية ضد قوات حكومة الوفاق وأنظمتها الدفاعية التركية، خاصة في سرت والجفرة.

وكان هذا هو الحال في الأسابيع القليلة الماضية، حيث نفذت طائرات رافال المصرية المقاتلة بعض الضربات الجوية لوقف تقدم قوات حكومة الوفاق نحو مدينة سرت.

السيناريو الثاني هو تقديم دعم عسكري خاص على مستوى الدفاع الجوي لقوات "حفتر" من أجل تعزيز قدرتها الدفاعية والحفاظ على الوضع الراهن على طول محور سرت الجفرة.

أما السيناريو الثالث فهو تسليح القبائل الليبية وإعدادها عسكريا حتى تصبح نواة لجيش موالٍ لمصر يمكنها دعمه حتى يخوض الحرب ضد قوات حكومة الوفاق الوطني.

وهذا بالضبط ما دعا إليه الرئيس "السيسي" صراحة في 20 يونيو/حزيران في خطابه بشأن التدخل العسكري في ليبيا. ولكن من بين هذه السيناريوهات الثلاثة، يبقى الأول أقرب إلى الواقع.

ورغم أن أي تدخل مصري في ليبيا سوف يأتي محتملا بنصيبه من الآثار الجانبية، من الواضح أن "السيسي" يرى أن ما يحدث في ليبيا يشكل خطر اعلى المصالح القومية لمصر، وأن عليه أن يفعل شيئا ما حيال ذلك، حتى لو كان الثمن هو إغراق ليبيا في المزيد من الفوضى.

المصدر | خليل العناني - المركز العربي واشنطن دي سي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الحرب الليبية التدخل المصري قاعدة الوطية

السيسي: تجاوز سرت خط أحمر وتدخل مصر المباشر بات شرعيا

السيسي يجدد استعداد مصر للتدخل بليبيا ويحذر من الحشد بسرت