فورين أفيرز: أوبئة جديدة قادمة والإنذار المبكر هو الحل

الجمعة 17 يوليو 2020 09:07 م

تهتم النظم السياسية للغاية بآليات الاستجابة للكوارث. وبشكل عام، تبقى الديمقراطيات أفضل من الأنظمة الاستبدادية في إدارة أنظمة الإنذار المبكر. فمن الصعب قمع التقارير عن وجود أزمة وشيكة في نظام سياسي مفتوح وشفاف، على عكس النظام المغلق الذي يحجب الحقائق غير السارة.

وفي الصين، تفرض الحكومة المركزية عقوبات على المسؤولين المحليين الذين يفشلون في إبقاء معدلات الإصابة بالأمراض المعدية دون المستوى المحدد؛ ما يشجعهم على عدم الإبلاغ عن تلك الحالات.

وهذا ما حدث في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عندما صمت المسؤولون في "ووهان"، المدينة التي نشأ فيها فيروس كورونا الجديد، وقد عاقبوا الأطباء الذين أطلقوا أول صيحات الإنذار عن تفشي المرض.

ولا يحب البيروقراطيون عرض الأخبار السيئة على الرؤساء، ولكن من المرجح أن يفعل المسؤولون في الديمقراطيات ذلك؛ لأنهم يعرفون أنهم إذا لم يفعلوا ذلك، فإن السلطة التشريعية، والمجتمع المدني، ومراكز الفكر، ووسائل الإعلام، لن ترحمهم.

وكان هذا المنطق العام هو الذي دفع الاقتصادي "أمارتيا سين"، الحائز على جائزة نوبل، إلى القول بأنه لم تحدث مجاعة في أي وقت من الأوقات في دولة ديمقراطية.

ودعا هذا الادعاء إلى التشكيك والنقد، لكن وجهة نظر "سين" تقول إن جمع البيانات تكون أفضل في الديمقراطيات.

وكانت العديد من مجاعات القرن العشرين، مثل المجاعة الأوكرانية 1932-1933، والمجاعة الصينية 1959-1961، قد تكشفت فقط في الوقت الذي أصبح فيه العالم الخارجي على دراية بالكارثة.

وفي عام 1985، طورت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية علاجا لهذه المشكلة، حيث أنشأت شبكة من أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعات، والتي أبلغت بدقة عن معظم أزمات الغذاء في الأعوام الـ 30 الماضية قبل أن تتحول إلى مجاعات.

وتستخدم تلك الشبكة التنبؤات المناخية ومسوح التغذية وصور الأقمار الصناعية وبيانات حول تجارة الحبوب الأساسية والماشية للتنبؤ بأي خلل في الأمن الغذائي قبل حدوثه.

ثم تنتج خرائط للمناطق التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي، بالإضافة إلى تحليلات مفتوحة المصدر، وهي الموارد التي يسهل وصولها إلى أيدي الآلاف من متخصصي التنمية والإغاثة الإنسانية، الذين يلعبون دورا في جهود التخفيف من حدة المجاعة.

وفي كتابه "المجاعة الجماعية"، يتتبع "أليكس دي وال"، وهو عالم مشهور في المجاعات، الوفيات الناجمة عن المجاعات على مدى 150 عاما. ويظهر تحليله انخفاضا ملحوظا في الوفيات نتيجة المجاعات منذ منتصف الثمانينيات، ويرجع ذلك جزئيا إلى فضل شبكة أنظمة الإنذار المبكر.

ولحل المشكلة المستمرة المتعلقة بالإبلاغ عن الأمراض في الأوتوقراطيات، يمكن لواضعي السياسات في الولايات المتحدة إنشاء نظام إنذار مبكر يتعلق بالأوبئة.

ويمكن أن يعمل نظام الإنذار المبكر الخاص بالأوبئة عبر آلية مشابهة لشبكة أنظمة الإنذار المبكر الخاصة بالمجاعات داخل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

  • جهود متضافرة

ومثل شقيقتها الخاصة بالكشف عن المجاعة، ستعتمد أنظمة الكشف عن الأوبئة على المعلومات التي يتم جمعها عن بعد وعلى الأرض.

وتوجد الآن عدة وسائل للحصول على بيانات الأمراض المعدية، ولكن لم يتم تنظيمها بعد. ويمكن أن يكشف التصوير بالأقمار الصناعية عن الظهور المفاجئ للمقابر الجماعية أو الاستخدام المتزايد لمحارق الجثث.

ويمكن للأقمار الصناعية أيضا تتبع حجم الحشود خارج العيادات الصحية والمستشفيات. وربما لا يكون التدفق المفاجئ للمرضى دليلا على تفشي المرض، ولكنه يشير إلى أزمة صحية شديدة، وقد يبرر إجراء تحقيق على أرض الواقع.

وتصبح البيانات من أنظمة المراقبة عن بُعد أكثر قوة عند تحليلها جنبا إلى جنب مع البيانات عبر الإنترنت.

ووفقا لدراسة جديدة أجراها علماء في جامعة "هارفارد"، اكتشفت الأقمار الصناعية زيادة ملحوظة في حركة المستشفيات في ووهان بدءا من أغسطس/آب 2019، وفي الوقت نفسه، سجلت محركات البحث زيادة في عمليات البحث داخل منطقة ووهان عن المصطلحات المتعلقة بالأعراض الخاصة بـ "كوفيد-19".

وتعتبر الدراسة أن هذين الاتجاهين يشيران إلى أن تفشي الفيروس ربما بدأ في وقت مبكر بكثير مما كان يُعتقد سابقا.

وتقدم المعاملات التجارية المزيد من القرائن حول انتشار الأمراض المعدية. وتراقب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بالفعل حالات تفشي الإنفلونزا الموسمية من خلال مراقبة المبيعات اليومية للأدوية داخل الولايات المتحدة.

وخلال رئاسة "جورج دبليو بوش"، اختبرت وزارة الداخلية الأمريكية جثث الطيور البرية بحثا عن فيروسات الإنفلونزا على طول طرق الهجرة.

ومن خلال التعاون مع مؤسسات الصحة العامة وسلطات الحياة البرية في الدول الحليفة، يمكن للمسؤولين الأمريكيين توسيع هذه الأنظمة لتشمل معلومات حول شراء الأدوية في جميع أنحاء العالم والتفاعلات بين الإنسان والحيوان في مجموعة متنوعة من البيئات.

وفي البلدان التي ترفض التعاون، لا يزال من الممكن جمع البيانات من الدول المجاورة.

وأخيرا، يمكن لواضعي السياسات تتبع الأمراض المعدية في الحيوانات قبل أن تنتقل إلى البشر. ومن عام 2009 إلى عام 2019، أدارت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية برنامج "تنبؤ"، الذي تم تصميمه لتحديد أخطر مسببات الأمراض الحيوانية التي لديها القدرة على الانتقال إلى البشر.

وجدير بالذكر، أن 70% من حالات تفشي الأمراض الجديدة على مدى الأعوام الـ 50 الماضية كانت ذات أصل حيواني.

وقام مديرو مشروع "تنبؤ" في جامعة كاليفورنيا بتتبع جينومات 949 فيروسا جديدا و217 فيروسا معروفا.

ومن خلال تنشيط برنامج "تنبؤ" وإمداده بموارد مالية كبيرة، يمكن ضمان تطوير اللقاحات قبل تفشي الأمراض الأكثر خطورة.

ومن خلال الشراكة مع "جافي"، تحالف اللقاحات، أو التحالف العالمي للقاحات والتحصين سابقا، يمكن تحفيز إنتاج ونشر اللقاحات للأمراض التي يكتشفها برنامج "تنبؤ".

وسوف يمكن جمع البيانات اللازمة لعمل نظام الإنذار المبكر الخاص بالأوبئة، جنبا إلى جنب مع أنظمة الإنذار الخاصة بالمجاعات. ويمكن لمثل هذا النظام أن يزود مسؤولي الصحة العامة وصناع السياسات بالمعلومات في الوقت المناسب.

ومثل أنظمة الإنذار المبكر الخاص بالمجاعات، يمكن توزيع تقارير مفتوح المصدر عن الأوبئة، على المجتمع المدني ووسائل الإعلام الإخبارية والمجالس التشريعية والمنظمات الدولية، حتى تتمكن الدول الأخرى من اتخاذ التدابير المناسبة، والضغط عند الضرورة على جيرانها لاتخاذ إجراء.

  • اليقظة ليست كافية

ولكن لكي يكون هذا فعالا، سيحتاج نظام التنبؤ الجديد بالوباء أيضا إلى آلية استجابة سريعة تبدأ العمل سريعا عندما تفتقر الحكومات الأخرى إلى القدرة على الاستجابة، أو عندما تفشل المنظمات الدولية في الاستجابة.

وتدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بالفعل مثل هذه الآلية لمواجهة الكوارث الأخرى. ويجب أن يشمل ذلك مستودعات ذات موقع استراتيجي للمركبات، ومعدات معالجة المياه (وهي مفيدة في حالة الأمراض المنقولة عبر الماء)، ومواد الإيواء، للأشخاص الذين يشردهم التفشي، وحصص الإعاشة، ومعدات الحماية الشخصية، والإمدادات الطبية، بما في ذلك اللقاحات والمحاقن.

وباستخدام هذه الأدوات، سيكون المستجيبون من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية قادرين على إجراء تقييمات سريعة لتفشي المرض، وتنفيذ حملات التحصين الشامل، وتوزيع الأدوية على مسؤولي الصحة المحليين، وإبلاغ قادة المجتمع والجمهور بكيفية انتشار المرض وكيفية إبطائه عبر التغييرات السلوكية.

ولأكثر من 3 عقود، نشرت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية فرق الاستجابة للمساعدة في حالات الكوارث حول العالم للتحرك بسرعة على الأرض أثناء وقوع كارثة. ويشمل ذلك حالات تفشي الأمراض في السابق، مثل وباء الإيبولا في غرب أفريقيا عام 2014. ويتلقى مكتب المساعدة الإنسانية ميزانية تقديرية كبيرة بقيمة 5.7 مليار دولار، بما في ذلك المساعدات الغذائية.

ومنذ وقت عمل نظام إدارة الكوارث لأول مرة في صيف عام 1989، ضمت الفرق ضباط برنامج اللاجئين من وزارة الخارجية الأمريكية، وعلماء من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.

وعانت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية للأوبئة من تقييدات في الماضي؛ فهي تفتقر إلى تفويض محدد في القانون لتكون مسؤولة عن الكشف عن الجائحة والتصدي لها على نطاق واسع.

ومن الضروري وجود قدر معين من التآزر بين الحكومات الوطنية والمنظمات الدولية في أنظمة الإنذار المبكر للأوبئة والاستجابة لها.

وعلى المستوى الدولي، لدى برنامج الغذاء العالمي نظام إنذار مبكر خاص بالمجاعة يعتمد على نموذج مختلف من المخاطر، تماما مثلما تمتلك منظمة الصحة العالمية شبكة الإنذار والاستجابة العالمية لتفشي الأوبئة، وهو نظام للإنذار المبكر عن انتشار الأمراض، والذي فشل في الاستجابة لكل من تفشي الإيبولا عام 2014 في غرب أفريقيا وتفشي "كوفيد-19" حاليا.

وفي حالة الإيبولا، اعتقد مكتب منظمة الصحة العالمية المحلي، أن الإعلان عن تفشي المرض سيضر بالاقتصاد الإقليمي.

وفي حالة "كوفيد-19"، لا نعرف حتى الآن سبب عدم دعم مكتب منظمة الصحة العالمية المحلي للاستجابة السريعة، ولكن إذا كانت هناك أنظمة تنبؤية أخرى تحذر من تفشي المرض؛ لكانت منظمة الصحة العالمية قد تعرضت لمزيد من الضغط للتحرك بسرعة.

ولا تعد جائحة كورونا كارثة تحدث مرة واحدة في القرن. وستصبح الأمراض المعدية، التي يحتمل أن تتسبب في حدوث جائحة، شائعة بشكل متزايد في الأعوام القادمة.

ومن المرجح ظهور التفشي الرئيسي التالي وانتشاره في البلدان التي تفتقر إلى بنية تحتية قوية للصحة العامة وأنظمة فعّالة لمراقبة الأمراض؛ حيث توجد حكومات استبدادية تعرقل الإبلاغ المبكر الفعال.

وبدون نظام إنذار للتنبؤ المبكر بالأوبئة، يمكن للعالم أن يواجه جائحة قاتلة أخرى في المستقبل غير البعيد.

المصدر | أندرو ناتسيوس/فورين أفيرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

كوفيد-19 التنبؤ بالأمراض جائحة كورونا إنذار مبكر

مسؤول صيني كبير: سلطات ووهان قمعت الكشف عن تفاصيل كورونا

وزراء الصحة بدول الخليج يعتمدون دليل نظام الإنذار الصحي المبكر