مشايخ الديكتاتور.. كيف استغل السيسي المؤسسات الدينية لتحقيق مكاسب سياسية؟

الأربعاء 22 يوليو 2020 08:34 ص

في 20 يونيو/حزيران الماضي، وعد الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" بالتدخل العسكري في ليبيا إذا حاولت القوات الداعمة للحكومة المُعترف بها من قبل الأمم المتحدة استعادة مدينة سرت الاستراتيجية.

رغم أن "السيسي" لم ينفذ تهديده بعد، لكنه سيكون لديه دعم من سلطة أعلى إذا فعل ذلك، فبعد يومين من إعلان "السيسي"، قدمت أكبر المؤسسات الدينية الرسمية في مصر تأييدًا مدويًا.

توريط المؤسسات الدينية

فقد أصدر الأزهر -الذي يعد أحد أكثر المؤسسات الدينية احترامًا في العالم الإسلامي السني- بيانًا يدعم موقف "السيسي" السياسي من ليبيا، وذهبت دار الافتاء -أكبر سلطة إسلامية في مصر- إلى أبعد من ذلك، لتحث المصريين على دعم تهديدات "السيسي" قائلين إن أي معارضة ستعتبر حرامًا.

وفي سلسلة تغريدات على "تويتر"، أخبرت دار الافتاء متابعيها البالغ عددهم 320 ألفًا أن على المصريين واجبًا دينيًا تجاه قيادتهم، وعليهم أن يطيعوها ويدعموها وإلا "لا يستحقون شرف الانتماء للبلاد".

قد يبدو هذا مثل التعليق في غير محله بالنسبة لهيئة معنية أساسًا بالشريعة الإسلامية، ولكن في السنوات الست التي انقضت منذ تولي "السيسي" السلطة، تورطت المؤسسات والشخصيات الدينية الرفيعة في مصر بشكل متزايد في الشؤون العلمانية.

استولى "السيسي" على السلطة بعد انقلاب عسكري في يوليو/تموز 2013 ضد الرئيس "محمد مرسي" -أول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا بشكل حر- والذي كان حزبه الناشئ فرعا من جماعة "الإخوان المسلمون".

قدم "السيسي" نفسه على منصة معادية للإسلاميين، مدعيا أنه لا ينبغي الخلط بين الدين والسياسة، ومع ذلك، فمنذ توليه منصبه، استغل الدين لتعزيز أجندته السياسية وتبرير سياساته القمعية والشعبوية.

يعد الدين عنصرًا رئيسيًا في الحياة اليومية للمصريين، والدولة تسيطر على المجال الديني، حيث يتم تنظيم وإدارة المؤسسات الدينية الثلاث الرئيسية في مصر؛ الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف، من قبل الدولة.

شرعنة سياسات "السيسي"

كرئيس؛ يتمتع "السيسي" بسلطة توظيف كبار الشيوخ والأئمة، وتحديد ميزانيات المؤسسات الدينية، والإشراف على أنشطتها.

ومنذ تأسيس دار الإفتاء في عام 1895، دعمت الأنظمة والقيادات السياسية في مصر باستثناءات قليلة، لكن في عهد "السيسي" فقط تم تحويل المؤسسة إلى أداة دعائية دينية تستخدم بشكل متكرر لشرعنة الأجندة السياسية للرئيس.

فعلى مدى السنوات الست الماضية، أصدرت دار الإفتاء العديد من البيانات والفتاوى التي تدعم أو تضفي الشرعية على سياسات "السيسي" الداخلية والخارجية.

ومع أنه من المفترض أن تغطي الفتاوى المسائل الدينية في المقام الأول، لكن حوالي 81 من أصل 224 بيانًا صدرت هذا العام حتى الآن كانت تتعلق بقضايا سياسية، تتراوح من دعم إجراءات حكومة "السيسي" لمحاربة "كوفيد-19"، إلى الثناء على حملة الجيش المصري ضد المتطرفين في سيناء، ومهاجمة الإسلاميين وتركيا.

كما دعم شيوخ وأئمة دار الإفتاء "السيسي" بطريقة لم يسبق لها مثيل في تاريخ المؤسسة؛ حيث يعتبر المفتي الأكبر السابق لمصر، الشيخ "علي جمعة"، وكذلك المفتي الحالي، الشيخ "شوقي علام"، من المؤيدين الصريحين لسياسات الرئيس؛ ولا سيما حملته ضد "الإخوان المسلمون"، الخصم السياسي الرئيسي لـ"السيسي".

ففي الذكرى السابعة لانقلاب يوليو/تموز 2013، هاجم "علام" الإخوان المسلمين وأثنى على "السيسي" لتخلصه منهم، وقال إنه اعتبر الانقلاب "معجزة نبوية".

كما كان "جمعة" قد انتقد بشدة جماعة "الإخوان المسلمون"، مستخدماً منطقًا دينيًا لتبرير قمعها، ففي مقطع فيديو مسرب من أوائل أغسطس/آب 2013، أخبر "جمعة" جمهورًا من ضباط الجيش والشرطة المصريين (من بينهم "السيسي"، الذي كان في ذلك الوقت وزير الدفاع) أنه يجب أن يكونوا قساة في ردهم على "الإخوان المسلمون".

فقد قال: "أطلقوا عليهم النار جميعًا. طوبى لمن قتلهم وقتلوه، يجب أن نطهر مصر من هؤلاء الأوباش، إنهم عار علينا، أناس نتنة، هكذا خلقهم الله، إنهم منافقون وخوارج".

بعد بضعة أيام من ذلك، في 14 أغسطس/آب 2013، قتل الجيش والشرطة في مصر بوحشية حوالي 800 متظاهر مؤيد لـ"مرسي" ​​في وضح النهار.

هيبة متآكلة

لا شك أن المؤسسات الدينية ورجال الدين الذين يؤيدون الأنظمة الاستبدادية ليسوا حالة فريدة في الشرق الأوسط، فعلى مر التاريخ، استخدم القادة المستبدون الدين لأغراض سياسية.

حتى في الديمقراطيات الراسخة، يعتمد القادة على المشاعر الدينية لتعبئة وشحن جماهيرهم؛ مثل الكيفية التي يهدف بها الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" إلى تحفيز أتباعه المسيحيين الإنجيليين عن طريق حمل الكتاب المقدس خارج كنيسة سانت جون في واشنطن أثناء التحدث عن الحاجة إلى الرد بعنف على المتظاهرين المناهضين للعنصرية.

لكن في مصر، استخدم "السيسي" المؤسسات الدينية لتبرير سياساته القمعية بطريقة لم يسبق لها مثيل في البلاد، لكن هذا لم يمر دون تأذٍ كبير للمؤسسات نفسها.

وإذا استطاع الشيوخ ضمان دعمهم لـ"السيسي" على المدى القصير، فسيشهدون تآكل صورتهم وتأثيرهم ومصداقيتهم في مصر وخارجها لعقود.

المصدر | خليل العناني | فورين بوليسي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

علي جمعة عبدالفتاح السيسي الإنقلاب العسكري في مصر مؤسسة الأزهر