استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

آيا صوفيا .. وصل ما انقطع

الجمعة 24 يوليو 2020 07:26 ص

آيا صوفيا .. وصل ما انقطع

ردود أفعال العالم المسيحي جاءت غاضبة وعالية. وأولها الكنيسة الأرثوذكسية في اليونان.

القرار التركي خطوة تتويج لعدة سياساتٍ، هدفت إلى مناوأة الحالة التركية الحديثة المعلمنة والمعادية للدين.

تخلصت الأمة التركية من "عار" لحقها طويلا جرّاء تحويل جامع آيا صوفيا لمتحف يزوره الزوار ويتعجبون لجمال فنّه لكن بلا عاطفة احترام.

*     *     *

يشهد اليوم الجمعة، 24 يوليو/ تموز 2020، أوّل صلاة جمعة في جامع آيا صوفيا في إسطنبول، بعد انقطاع دام 86 عامًا، وبعد أن ظُنّ أن لا عودة عن قرارات التحديث والعلمنة في تركيا التي فرضها مصطفى كمال أتاتورك بالقوة، بعد أن ألغى السلطنة عام 1922 والخلافة عام 1924، وبعد أن أصدر عدّة قرارت سيادية أخرى، منها تحويل جامع آيا صوفيا متحفا.

وقد تحدّث الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في جمعة العاشر من يوليو/ تموز الحالي، إلى الأمّة التركية، وأعلن حكم محكمة مجلس الدولة (أعلى جهة قضائية مختصة إعادة حالة آيا صوفيا القانونية إلى جامع.

وقال إنّه أخيرًا تخلصت الأمة التركية من "العار" الذي لحقها طوال هذه الأعوام، جرّاء تحويل جامع آيا صوفيا الذي أوقفه محمد الفاتح، إثر فتحه إسطنبول في 1453، إلى متحف يزوره الزوار ويتعجبون لجمال فنّه، ولكن لا تنتابهم إزاءه عاطفة الاحترام.

اتفق أغلب الأتراك على القرار واحتفوا به، ونالت قضية إعادة آيا صوفيا جامعا اتفاقًا بين جمهوري الإسلاميين والقوميين في تركيا، باعتباره معبّرًا عن "روح الأمة التركية". كما بارك القرار مشايخ صوفيون، ومنهم شيخ الطريقة النقشبندية الحقانية والمقيم في قبرص، محمد عادل.

ويبدو أنّ آيا صوفيا سكنت المخيال الصوفي التركي طويلاً، إذ يقول شيخ الطريقة النقشبندية الحقانية السابق، محمد ناظم (1922 – 2014)، والذي شهد لحظة علمنة تركيا، وتحوّل أيا صوفيا متحفا "عسى أن تكونوا من هؤلاء الذين يفتحون آيا صوفيا، تاريخ هذه الأمة لن يستقيم حتى تفتح آيا صوفيا".

ويعجب المرء من اتفاق مراد الصوفية مع مراد الإسلام السياسي في تركيا على شكلٍ لا يوجد في بلادنا العربية.

وخارجيا، احتفت إيران، وجماعات وأحزاب إسلامية كثيرة في إندونيسيا وباكستان والهند، بعودة آيا صوفيا جامعا، وكذلك شخصيات عربية، منهم مفتي القدس الشيخ عكرمة صبري ومفتي سلطنة عُمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي.

ولا عجب من سرور مجموعات وواجهات إسلامية بالقرار، فبحسبها، إعادة أيا صوفيا جامعا يعني عودة حضارية إلى الإسلام، وإحياءً لذكرى النصر والمجد، وعودة إلى العمل طبقًا للقانون الإسلامي/الفقه الإسلامي الذي تمثله الأحكام الفقهية للفتح والوقف.

وقد نصّت وقفية محمد الفاتح التي حرص الرئيس أردوغان على عرض نصّها، في أثناء خطابه، على أنّ "القاضي" في عصره قد راجع نص الوقف فقهيًا/ قانونيًا.

وبخلاف ردود أفعال في العالم الإسلامي جاءت خافتة في أفضل توصيف لها، فإنّ ردود أفعال العالم المسيحي جاءت غاضبة وعالية. وأولها الكنيسة الأرثوذكسية في اليونان. وكانت اليونان قد انتقدت، في يونيو/ حزيران 2017، قراءة القرآن الكريم في آيا صوفيا.

ووصف رئيس اليونان القرار بالخطوة الرجعية، واتهم تركيا بالقطع مع العالم الغربي وقيمه، بل دعا إلى عقوباتٍ تطاول تركيا. وبالغت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في رد فعلها الذي جاء استباقًا للخطوة، فأعلن رأسُها، قبل إعلان القرار بخمسة أيام، أن إعادة آيا صوفيا جامعا تهديدٌ للمسيحية ولروحانيتها وتاريخها.

وكانت الكنيسة الأرثوذكسية تشعر بالراحة حال كونها متحفا بحسب قوله. ولكن الخارجية الروسية اعتبرت القرار شأنا داخليا تركيا.

وفي حين أعرب رأس الكنيسة الكاثوليكية، البابا فرنسيس، عن حزنه، عندما يأخذه البحر إلى آيا صوفيا، أخذ مجلس الكنائس العالمي الذي يمثّل 350 كنيسة الحدث على محمل الجد، فكتب رسالةً إلى أردوغان، قائلاً إن الحالة المتحفية لآيا صوفيا كانت تعبيرًا قويًا لالتزام الجمهورية التركية بالعلمانية والدمج ونبذ صراعات الماضي، وبعودتها جامعا، تحولت أيا صوفيا إلى رمز للنبذ والانقسام.

كما أسفت الدول الغربية للقرار، وأُولاها فرنسا التي رأت أنّه "يقوّض أحد الإجراءات الأكثر تجسيدًا لتركيا الحديثة والعلمانية". كما شاركت معظم الدول الأوروبية هذه الرؤية الفرنسية، وشاركتها منظمة "يونسكو"، فيما اكتفت الولايات المتحدة، في الأول من يوليو/ تموز الحالي، بحثّ تركيا على إبقاء آيا صوفيا متحفًا.

وكانت الحكومة التركية واعيةً لاستياء الدول الغربية الأوروبية، ولغضبة الكنيستين، الأرثوذكسية والكاثوليكية، فقد أكد أردوغان، في كلمته، أنّه يحترم وجهات النظر، ولكنه لا يقبل أيّ تدخّل خارجي في الشأن التركي. وقال إنّ قرار تحويل الجامع متحفا كان خاطئًا، وآن أوان تصحيحه.

ولذا، فإنّ ما فعلته المحكمة التركية هو "إبطال المرسوم الصادر عام 1934 بتحويل أيا صوفيا إلى متحف"، وبالتالي عادت أيا صوفيا إلى وضعها القانوني.

أمّا أصلها الكنسي، فقد أجاب أردوغان بأنّ آيا صوفيا كانت كنيسة شبه مهجورة حين فُتحت إسطنبول، وإنّ محمد الفاتح حين أوقف هذا المبنى جامعًا زاد عليه تعديلاتٍ وإضافاتٍ وأبنية وقبابا. وقال إنّ تركيا من أكثر الدول ضمانًا لحرية ممارسة الشعائر الدينية لمواطنيها، مهما كانت ديانتهم.

استندت الحكومة التركية إلى مبدأ السيادة الذي تقوم عليه الدولة الحديثة، فتقرير وضع جامع آيا صوفيا "حق تركي داخلي"، كما قال الرئيس. ولذا لا يجب أن تشكل وجهات نظر حكومات أخرى أو أي تهديد من كنائس دولٍ أخرى أي ضغطٍ أمام ممارسة مبدأ السيادة.

بالإضافة إلى هذا، اتبعت الحكومة التركية إجراءاتٍ ديمقراطيةً وقانونيةً من خلال "مجلس الدولة"، وهي أعلى محكمة في تركيا، ولم يأت هذا القرار منبثقًا من إرادة الحاكم، بل من حكم القانون والقضاء.

وكما قال أردوغان، ليست المسألة في آيا صوفيا بحد ذاته، بل فيمن يفرض سيادته على الأرض التركية، وبالتالي على الوضعية القانونية لأيّ مبنىً فيها.

ويمكن فهم القرار التركي بأنه خطوة تتويج لعدة سياساتٍ، هدفت إلى مناوأة الحالة التركية الحديثة المعلمنة، والمعادية للدين، والتي فرضها أتاتورك بالقوة في عشرينيات القرن العشرين.

وكان من سياسة أتاتورك إبطال الطرق الصوفية، ومنع الحجاب وإلغاء المدارس الدينية، وإلغاء التقويم الهجري، وإلغاء الأبجدية العربية للغة التركية، وغيرها من إجراءات تضطهد المسلمين المتدينين.

وقد شهدت تركيا منذ صعود "العثمانيين الجدد"، في منتصف التسعينيات، عودة تدريجية عن السياسات العلمانية، فسُمح بعودة الطرق الصوفية، وسمح للدين بالوجود في المجال العام، وسمح للنساء بارتداء الحجاب في الأماكن العامة، واتخذت خطواتٌ لإعادة الانتماء والوصال مع تركيا العثمانية.

وقد أكد أردوغان هذا الانتماء، فقال إنّ وجودنا في هذه الأرض يعود إلى ألف عام. وقد توّجت مساعي إصلاح ما أفسده أتاتورك بإفشال محاولة الانقلاب العسكري في 15 يوليو/ تموز 2016، ثمّ في إعادة آيا صوفيا جامعا واحترام وقفية الفاتح وشرعيتها القانونية في 10 يوليو/ تموز 2020.

* د. خديجة جعفر كاتبة وباحثة مصرية

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية