استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

مؤشرات "القرب من الإسلام": تحدٍّ تحليلي ومضامين ثرية

الأحد 26 يوليو 2020 08:44 م

مؤشرات "القرب من الإسلام": تحدٍّ تحليلي ومضامين ثرية

ادعاء تفوق الدول الغربية على الدول الاسلامية بمؤشرات مؤسسة Islamicity هو استنتاج غير دقيق.

ليس من السهل قياس الإسلام بصورة منظومية موضوعية شاملة لكن ما لا يمكن قياسه بدقة لا يمكن إدارته بفاعلية.

المؤشر اعتمد مؤشرات الإسلامية بمجالات أربعة: الاقتصاد؛ الحوكمة والقانون؛ التنمية البشرية وحقوق الإنسان؛ العلاقات الدولية.

أسئلة بقدر ما هي استراتيجية لتشخيص الأوضاع ورصد التطورات والتوصية بالإصلاحات بقدر ما هي صعبة ومعقدة فالإسلام متعدد الأبعاد وشامل.

*     *     *

من المحاضرات القيّمة التي عقدتها الجمعية الأردنية لاعجاز القرآن والسنة مؤخراً وعن بُعْد، محاضرة عنوانها "مؤشرات القرب من الإسلام".

وقد جذبني العنوان لأول وهلة، وقلت لنفسي هل سيستخدم المحاضر د. محمد زكي خضر، بعقليته الهندسية المنفتحة على العلوم الحديثة، مؤشرات رقمية موضوعية تقيس وتقارن مدى الالتزام بالشريعة الإسلامية؟ وممن؟ من قبل الأفراد أم المرأة أم الأسرة أم البنوك أم الشركات أم المنظمات التطوعية أم الأسواق أم المجتمعات أم الدول أم العالم ككل؟ أم ربما كل ما سبق؟

وما هي المؤشرات الإحصائية والكمية المستخدمة؟ وما منهجية الجمع بينها؟ وما درجة تغطيتها؟ وما هي الأوزان الترجيحية لهذه المؤشرات؟  ومن يحدد هذه الأوزان؟ وما المقصد النهائي من هذه المقارنات الإسلامية المعيارية الدولية في عصر ما بعد الليبرالية الجديدة؟

هذه أسئلة جوهرية. وبقدر ما هي هامة وإستراتيجية لتشخيص الأوضاع ورصد التطورات والتوصية بالإصلاحات بقدر ما هي صعبة ومعقدة.

لأن الإسلام متعدد الأبعاد وشامل لكل جوانب الحياة كما يقول د. النابلسي من فراش الزوجية الى العلاقات الدولية، ويضم المباح والحلال والحرام والمندوب والمكروه والمسكوت عنه، ويضم القطعي والظني والمتشابه.

ويضم القرآن والسنة والإجماع والقياس والمصالح المرسلة، ويضم النصوص الجزئية ومقاصدها العامة، وليس من السهل قياسه بصورة منظومية موضوعية شاملة. لكن وكما يقال، ما لا يمكنك قياسه بدقة، لا يمكنك إدارته بفاعلية.

كبداية، انطلقت المحاضرة أعلاه من مؤشر دولي قائم ومعروف للالتزام بالإسلام يسمى Islamicity Index تصدره وتتابعه "مؤسسة القرب من الإسلام" Islamicity Foundation   وموقعها الالكتروني: Islamicity-index.org.

وبدورها، اعتمدت مؤسسة القرب من الإسلام في إصدار مؤشرها المركّب على دراسة أكاديمية، ريادية وكمية، لكل من رحمن وعسكري (2010) حول مدى أسلمة Islamicity مختلف الدول الإسلامية والغربية. إذ قام الباحثان من جامعة جورج واشنطن الأمريكية بقياس مدى التزام مختلف الدول بـ «تعاليم الإسلام العامة» وفقاً لمؤشرات رقمية.

وقد أفرزت دراستهما على 208 دولة عن نتيجة عامة مفادها: ان الدول الغربية عموماً أكثر تطبيقاً لمبادئ ومقاصد وقيم الاسلام من الدول الاسلامية نفسها. وقياس مؤشر القرب من الإسلام للسنوات اللاحقة لهذه الدراسة حتى عام 2019 لم يغير هذا الاستنتاج الرئيسي.

المؤشر الدولي أعلاه والدراسة الأكاديمية لرحمن وعسكري استندت الى مؤشرات رئيسية في مجالات أربعة: إسلامية الاقتصاد، وإسلامية الحوكمة والقانون، وإسلامية التنمية البشرية وحقوق الإنسان، وإسلامية العلاقات الدولية.

ولم تكتف محاضرة د. محمد زكي بتلخيص نتائج المؤسسة والدراسة الهامة أعلاه، وتفحص منهجيتها وعيوبها، بل انتقدتها بأنها تجاهلت مجالين رئيسيين مهمين على الأقل لمؤشرات القرب من الإسلام هما:

1. تماسك الأسرة والعلاقات الاجتماعية (كمؤشرات الطلاق والزنا والخيانة الزوجية والهجران الزوجي والشذوذ الجنسي ورعاية كبار السن).

2. استهلاك الطعام والشراب الحلال (كإدمان الخمور والإسراف والتبذير في الغذاء)، رغم اعتراف المحاضرة بعدم كفاية الاحصاءات الرقمية العربية والموثقة حول هذين المجالين الغائبين وغيرهما.

وخلصت المحاضرة القيّمة الى ان ادعاء تفوق الدول الغربية على الدول الاسلامية بمؤشرات مؤسسة Islamicity هو استنتاج غير دقيق. فصحيح أن الدول الغربية تبدو متفوقة على الدول الاسلامية بالمؤشرات الرئيسية الأربعة (مثال: تطبيق الشورى وعدالة توزيع الثروة)، لكن أية دراسة موضوعية وذات مصداقية يجب أن تكون أشمل في تغطيتها للمؤشرات المستخدمة (مثال: إدخال مؤشرات الأسرة وحالة السعادة مقاسة بمعدلات الانتحار)، وهذا سيغير -حسب رأي المحاضرة- من ترتيب الدول وتسلسلها عما قدمته الدراسة الغربية، داعية الى اعداد دراسة شرعية "إسلامية" أكثر دقة وموضوعية.

ولاشك في أن نقد المحاضرة للدراسة الغربية هو برأيي نقد سليم، ولا سيما أن بعض المؤشرات المستخدمة هي متحيزة ثقافياً للرؤية الغربية الليبرالية للعالم، مما يفتح المجال واسعاً لإدخال العديد من المؤشرات الرقمية ومجالات القياس الأكثر خصوصية والتصاقاً بنسق القيم الإسلامي.

وذلك بدلاً من مؤشرات الليبرالية الجديدة (مؤشرات دعم بر الوالدين وتجريم عبادة الشيطان والمجاهرة بالشذوذ الجنسي ومؤشر شيوع الكبائر السبعة على المستوى الفردي والمجتمعي كأكل الربا ومال اليتيم).

فلا زال كبار الفقهاء والأصوليون يُعرّفون الشريعة الإسلامية بطرق متباينة، فمنهم من يدمج في التعريف كلًّا من العقيدة (مثال: نشر التوحيد وتحريم عبادة الشيطان) والشريعة الإسلامية، والبعض يقصره على التشريعات والأحكام العملية الأخلاقية والقانونية (أو الشريعة بالمفهوم الشائع والضيق).

وفي جانب الأحكام الشرعية لوحده فهو يضم العديد من الميادين: عبادات وشعائر (تزكية الروح والتصوف) وأخلاق (الصدق والأمانة وإتقان العمل والتعاون أو بالتعبير الحديث: رأس المال الاجتماعي) والأسرة (أحوال شخصية وبر الوالدين) والمعاملات والاقتصاد والمال (نظام اقتصادي ومالي، تمويل واستهلاك وإنتاج وتوزيع) والشورى وحقوق الانسان والحوكمة العامة..

وفي العديد من المجالات الوبائية (وضوء وطهارة) والاجتماع (إماطة الأذى عن الطريق) والسياسية (شورى وطاعة بالمعروف) وقضاء وإنفاذ القانون (الوقاية من الجريمة والإنحراف السلوكي) والبيئة (اقتصاد في استهلاك المياه ولو من نهر جار) والروحانية (ارتياد المساجد لصلاة الصبح) ومعرفة (اقرأ، طلب العلم والتفوق فيه) وعلاقات دولية.  

وفي جانب الشريعة ذاته، هنالك من يركز على النصوص الشرعية الجزئية (كآيات الأحكام القطعية) ومنهم من يركز على مجموع النصوص أو المقاصد الشرعية (كحفظ الدين والنفس والمال والنسل) وهنالك من يؤكد القواعد الشرعية المتفق عليها (الضرورات تبيح المحظورات)، وهنالك من يرى أن الشريعة هي نظام قيمي مفتوح النهايات وغير محدد مسبقاً في منطقة العفو (فراغ تشريعي وما لا نص فيه).

بعض المتخصصين في فقه السنن أضافوا الى العقيدة والشريعة جانب ركّز عليه القرآن الكريم وهو السنن الربانية في المجتمعات والدول. وهي قوانين وجودية قطعية لها صفة الموضوعية والاطراد بشكل يماثل العلوم الطبيعية والكونية (مثال: سنة التغيير الاجتماعي). فهي دستور الكون.

بعد هذه النظرة الاسكشافية العامة لـ"الإسلام" يظهر لنا حجم التنوع والتعقيد والتحدي التحليلي المتجسد في قياس "القرب من الإسلام" و"البعد عن العلمانية". بعض الغربيين من المنتقدين لما يسمى ب"الإسلام السياسي" يركز حصراً على جانب قانوني معين من الإسلام (نظام العقوبات مثلا) لأغراض التشويه والشيطنة.

وبعض الإسلاميين يركز على جانب معين بسبب التخصص أو مجال العمل (كالاقتصاد الإسلامي والعمل الخيري والدعوي)، لكن الإسلام أوسع من كل التخصصات والممارسات وهو كذلك أرحب من المآرب الشخصية والمؤسسية والحزبية في القطاعات الخاصة والعامة كافة، والإسلام -بوعد الله عز وجل- باق الى يوم القيامة.

موضوع المقال بمجمله هو من الأهمية بمكان بحيث أن مؤسسة "راند" البحثية الدولية والرائدة بالولايات المتحدة أيضاً أصدرت دراسة شاملة غير منشورة–حسب مقال هام للدكتور عبد الرزاق بن هاني (2017)– أشرف عليها باحثون غربيون عن "إسلامية الدولة العربية المسلمة المعاصرة"، غطت كل الدول العربية والمسلمة إضافة إلى الدول التي يشكل المسلمون من سكانها نسبة 3% أو أكثر.

وبلغ عدد الأشخاص المدروسين 210 آلاف شخص، واستغرقت الدراسة الفترة من العام 2004 وحتى 2015. وخلصت هذه الدراسة الثانية الى ذات استنتاجات الدراسة الأولى: العالم الغربي عموماً يطبق "الإسلام" أكثر من العالم العربي والإسلامي.

وأخيرا، ومن الأبحاث الأكثر تخصصاً، خلص جمال الحمصي (2019) في كتابه "علم القرآن التنموي" الى ان الدول الغربية تطبق السنن الربانية الرئيسية في المجال التنموي (مثال: التكيف والتغيير والاستجابة حسب ما ينفع الناس) بصورة تفوق العالم العربي والإسلامي.

وكذلك كتاب الإمام فيصل عبد الرؤوف (2015) " تعريف الدولة من منظور إسلامي: قياس وتصنيف الدول الإسلامية المعاصرة" وأخيراً دراسة داود عبد الفتاح بعنوان "مؤشر تصنيف اسلامي جديد للرفاهية في الدول الإسلامية" (2016) وكلاهما بالإنجليزية.

المضامين للمحاضرة قيد العرض وللدراسات الخمسة أعلاه متنوعة واستراتيجية، سواء في مجال تعريف ورحابة الإسلام أو في تطبيقه عالمياً وعربياً أو في تقييم اتجاهات العلمنة في الوطن العربي، ونترك للقارئ العادي والباحث والتنفيذي مجال الاستنباط والتأويل الرحب!

* د. جمال الحمصي كاتب وأكاديمي أردني

المصدر | السبيل الأردنية

  كلمات مفتاحية