ستراتفور: هل يمكن أن تؤدي كارثة بيروت إلى تغيير سياسي في لبنان؟

الثلاثاء 11 أغسطس 2020 01:54 م

قد يؤدي تصاعد موجة الغضب الشعبي بسبب انفجار بيروت، إلى جانب استقالة حكومة رئيس الوزراء "حسان دياب" لاحقا، إلى إصلاحات اقتصادية وسياسية جزئية تعيد إلى الحياة المطالب بإحداث تغيير حقيقي في النظام السياسي الراسخ في لبنان، الذي طالما أفاد أصحاب المصلحة الطائفيون الأثرياء في حين فشل في معالجة تدهور الاقتصاد في البلاد.

من سيء إلى أسوأ

وقبل انفجار بيروت، كان من المتوقع بالفعل أن تتدهور الأزمات الاقتصادية والمالية في لبنان، ما يؤثر بشكل غير متناسب على الطبقات الفقيرة والمتوسطة في البلاد، التي تفتقر إلى النفوذ للضغط على الحكومة من أجل تغيير ملموس.

ويحتفظ اللبنانيون الأثرياء، الذين يدعمون النخب السياسية في جميع أنحاء الحكومة، باحتياطيات نقدية من العملات الأجنبية وحسابات مصرفية خارجية تحميهم من بعض آثار انخفاض قيمة الليرة اللبنانية وما يرتبط بها من خسائر في القوة الشرائية.

ويشهد لبنان شهره الثاني على التوالي من التضخم الجامح للمرة الأولى منذ الحرب الأهلية في البلاد قبل عقود، حيث انخفضت قيمة الليرة اللبنانية في السوق الموازية بنسبة 80% منذ بداية العام.

وبدأت السلع الأساسية والأدوية في النفاد، وتزداد إمدادات الكهرباء في البلاد، التي كانت تشهد انقطاعات متكررة بالفعل منذ أعوام، ضعفا، مع وقوع المدن في جميع أنحاء البلاد في الظلام لساعات يوميا.

وتبلغ نسبة البطالة 35%، ويعيش نصف سكان لبنان الآن تحت خط الفقر.

وسيؤدي انفجار بيروت إلى تدفق قصير للمساعدات الأجنبية والعملات الأجنبية في الأسابيع المقبلة، لكن في حين أن هذا سيعزز الاقتصاد اللبناني مؤقتا، إلا أنه لن يكون كافيا لحل أوجه القصور المالية الهيكلية في البلاد على المدى الطويل.

ولقد قاوم أولئك الذين لديهم القدرة على حل الأزمات المستمرة في لبنان فعل ذلك منذ فترة طويلة خوفا من أن تأتي أي إصلاحات سياسية أو اقتصادية على حساب نفوذهم الحالي ومزاياهم المالية.

وتوقفت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل تشتد الحاجة إليه في الأشهر الأخيرة، حيث رفضت المؤسسات الحكومية المختلفة الاتفاق على مسار الإصلاح المطلوب للتعاون فيما بينها، ويرجع ذلك جزئيا إلى اشتراط تخلي هذه المؤسسات عن بعض ثرواتها.

ويعد توجيه أصابع الاتهام بين المسؤولين الموارنة والشيعة حول المسؤولية عن انفجار بيروت مثالا آخر مماثل على الخلاف بين الفصائل الذي استمر في وقف الإصلاحات اللازمة لمعالجة الأزمات الاقتصادية والسياسية في لبنان.

جوهر الأزمة السياسية في لبنان

وكان النظام السياسي الحالي في لبنان قد تم تصميمه إلى حد كبير لإنهاء الحرب الأهلية الطويلة في البلاد، التي استمرت من 1975 إلى 1990، من خلال ضمان أن يكون للأقليات اللبنانية صوت في الحكومة.

لكن على مر السنين، تحولت الحكومة اللبنانية إلى نظام ثابت وطائفي بشبكات رعاية اقتصادية راسخة بعمق.

وبدأ العديد من اللبنانيين المطالبة بإصلاحات انتخابية واعتقالات لمكافحة الفساد من شأنها إعادة تنظيم النظام نحو معايير أكثر تكنوقراطية وديمقراطية بدلا من المعايير الطائفية.

محفز للتغيير

وفي حين أن الانهيار الشامل للنظام السياسي اللبناني أمر غير مرجح، فإن الضغط الإضافي الناجم عن كارثة بيروت، والغضب العام المتجدد، قد يؤدي في النهاية إلى إحداث تغييرات صغيرة، بما في ذلك التنازلات بين الأحزاب السياسية المتناحرة لجلب المساعدات الخارجية التي تشتد الحاجة إليها، وإجراء التعديلات على قانون الانتخابات في البلاد، والخطط لإجراء انتخابات مبكرة و/أو استقالات إضافية لمسؤولين أقوياء.

وفي 10 أغسطس/آب، استقالت حكومة رئيس الوزراء "دياب" بأكملها وسط دعوات متزايدة لمسؤولين حكوميين للتنحي في أعقاب انفجار الميناء.

لكن مثل هذه الاستقالات لا تضمن تغييرا دائما للبنية الطائفية المتكلسة للنظام السياسي اللبناني، فهي تترك فراغات في المناصب التي يمكن أن تملأها الأحزاب والفصائل نفسها.

لهذا السبب، طالب آلاف المواطنين اللبنانيين، الذين نزلوا إلى الشوارع في بيروت في الأيام الأخيرة، بإجراء انتخابات مبكرة وإصلاحات انتخابية لضمان ألا تتبع الحكومة المقبلة مسار أسلافها في السياسة والفساد.

كما طالب حلفاء لبنان الأجانب، مثل فرنسا وكندا، بإصلاحات سياسية كشرط مسبق لأي مساعدة مالية كبيرة تتجاوز الإغاثة الإنسانية على المدى القريب.

واشترط صندوق النقد الدولي في أي مساعدة جديدة أن تلتزم الحكومة بالإصلاحات أيضا.

ماذا نترقب؟

يمكن للتهديدات الأمنية، التي تدفع البلاد إلى حافة صراع أهلي عنيف آخر، أن يكون لديها القدرة على إطلاق إصلاحات سياسية.

وقد يجبر الغضب من الإهمال الجسيم الناجم عن انفجار ميناء بيروت المزيد من المسؤولين الأقوياء، بما في ذلك القادة البرلمانيون والحزبيون منذ فترة طويلة، على التنحي، عن طريق تحفيز تيار أكثر عنفا واستمرارية من الحركة الاحتجاجية الخاملة المناهضة للحكومة التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2019.

بالرغم من ذلك لن يؤدي هذا إلا إلى فتح فراغات في نفس المناصب الحكومية وليس إحداث تغيير ملموس.

وقد يؤدي الصدام المباشر بين السلطات الطائفية والدينية، والأحزاب السياسية والميليشيات التابعة لكل منهما، إلى فرض تنازلات سياسية من خلال التهديد بإثارة حرب أهلية أخرى، وهو أمر تحذر المؤسسة منه بشدة.

وفي الفترة التي سبقت تفجير بيروت، كان البطريرك الماروني قد كسر بالفعل المحرمات من خلال انتقاد حزب الله المدعوم من إيران.

وربما يكون وقوع صراع آخر واسع النطاق بين (إسرائيل) وحزب الله أمر غير مرجح ولكنه ممكن، ومن المرجح أن يدمر مثل هذا الصراع معظم البلاد، بما في ذلك العاصمة بيروت.

ويمكن أن يؤدي اغتيال شخص أو أكثر من الشخصيات البارزة، وهي سمة مميزة مؤسفة للتاريخ السياسي للبنان، إلى إحداث تغيير سياسي كبير، تماما كما أدى اغتيال رئيس الوزراء السابق "رفيق الحريري" إلى إحداث التحول الزلزالي الأخير في الهيكل السياسي اللبناني في عام 2005.

ويمكن للغضب بسبب انفجار بيروت أن يدفع الجهات المارقة إلى التفكير في مثل هذا الخيار العنيف من أجل إجبار الحكومة على التحرك.

ويمكن لأي شيء يجبر أصحاب المصلحة السياسيين الأثرياء في البلاد على الشعور بنفس الضغوط الاقتصادية مثل بقية لبنان أن يؤدي أيضا إلى إصلاحات، مثل:

تدفق المساعدات المباشرة الخاصة إلى المنظمات غير الحكومية والمنظمات الفردية، ولكن ليس إلى خزائن الحكومة، للمساعدة في الأزمات الإنسانية المتزايدة في لبنان، بما في ذلك كارثة الميناء الأخيرة.

انخفاض قيمة الليرة لفترات طويلة والتضخم المفرط، الأمر الذي من شأنه أن ينتقص في نهاية المطاف من جيوب الأغنياء في البلاد، بالرغم من أن هذا قد يستغرق عدة أشهر أو أعوام، حيث يستمر الفقراء والطبقة الوسطى في الشعور بالعبء الأكبر للوضع المالي المتدهور في لبنان.

المصدر | ستراتفور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

انفجار بيروت الحكومة اللبنانية

الصحة اللبنانية تعلن ارتفاع حصيلة قتلى انفجار بيروت لـ171 شخصا

مرفأ بيروت يستعد لاستئناف العمل جزئيا

من باريس إلى طهران.. هكذا تسخر القوى التوسعية تفجير بيروت لخدمة مصالحها

مأزق لبنان.. ماذا بعد استقالة حكومة دياب؟