انفجار بيروت يواصل طرح التساؤلات حول مستقبل لبنان

الأحد 16 أغسطس 2020 01:44 م

يستمر صدى الانفجار الذي هز بيروت في 4 أغسطس/آب محليا ودوليا حيث يزيد هذا الحدث الكارثي من عمق الأزمة الاقتصادية في البلاد ويسمح بتوسيع التدخل الأجنبي في لبنان. ومهما كان السيناريو المستقبلي للأحداث فسيكون له تأثير عميق على البلاد.

أودى الانفجار بحياة أكثر من 220 شخصًا وفقدان أكثر من 100 شخص، وجرح أكثر من 6000 شخص، وتشريد 300 ألف شخص وتشير جميع الدلائل إلى أن الانفجار كان نتيجة تفجير 2750 طنًا من نترات الأمونيوم المخزنة منذ 6 سنوات في ميناء مدني دون أي تدابير أمنية.

قبل الاستقالة شكّلت الحكومة اللبنانية في 10 أغسطس/آب لجنة تحقيق برئاسة رئيس الوزراء "حسان دياب" وتضمنت وزراء الدفاع والداخلية والعدل وقائد القوات المسلحة العماد "جوزيف عون" والقادة الرئيسيين للأجهزة الأمنية الرئيسية في البلاد. ومع بدء التحقيق الحكومي، تم اعتقال 19 موظفًا عمومًيا، معظمهم من البيروقراطية التي تدير مرفأ بيروت ومصلحة الجمارك.

وقبل ساعات من استقالة الحكومة قدمت اللجنة تقريرها لسكرتير مجلس الوزراء. وكان القصد من هذه الوثيقة هو تسهيل التحقيق الفعلي الذي يقوم به القضاء.

كانت هناك دعوات لإجراء تحقيق دولي، بالنظر إلى سجل لبنان السيئ في أي تحقيق عن إهمال أوفساد حكومي، لكن هذه الدعوات قوبلت بالرفض من قبل الرئيس "ميشال عون" و"حزب الله".

لطالما كانت السلطات اللبنانية متشككة بشأن التحقيقات الدولية، وهو الأمر الذي زاد هذه المرة بسبب درجة الإهمال وشبكة الفساد المتورطة في انفجار بيروت والتي تشمل كل مستويات أجهزة الدولة. ربما لا تريد النخب الحاكمة في لبنان كشف إخفاقاتها في تحقيق دولي. وهذا أمر ليس بالمفاجئ.

يتعرض كل من "حزب الله" والنخب الحاكمة في البلاد لضغوط هائلة، بالرغم أنه لا توجد مؤشرات، على الأقل حتى الآن، على أن أسلحة "حزب الله" كانت مخزنة في موقع الانفجار.

اتخذت فرنسا موقفاً أقوى من موقف الولايات المتحدة. زار الرئيس "إيمانويل ماكرون" بيروت بعد الانفجار ووبخ القادة السياسيين في البلاد، داعياً إلى "نظام سياسي جديد" في لبنان. وأشار "ماكرون" إلى أن إهمال السلطات اللبنانية كان وراء الانفجار ودعا إلى "تحقيق محايد وموثوق ومستقل". وحذر من أن باريس ستتخذ المزيد من الإجراءات الشهر المقبل إذا لم يتم تنفيذ الإصلاحات، مشيرًا إلى أنه لن يعطي "شيكات على بياض لنظام لم يعد يحظى بثقة شعبه".

وأشار "ماكرون" إلى أنه ستكون هناك "حوكمة واضحة وشفافة" لضمان وصول المساعدات الدولية مباشرة إلى المتضررين من الانفجار. وشارك الرئيس الفرنسي مع الأمم المتحدة في 9 أغسطس/آب في تنظيم مؤتمر بالفيديو لتنسيق المساعدة الدولية للبنان، حضره أكثر من 30 من القادة الدوليين والمسؤولين الحكوميين وجمع ما يقرب من 300 مليون دولار.

كان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الذي اتصل بنظيره اللبناني عشية مؤتمر المانحين، الزعيم الأجنبي الوحيد الذي قال إن هجومًا ربما تسبب في انفجار بيروت. ومع ذلك، رفض البنتاجون مزاعم "ترامب". واعتبر وزير الدفاع "مارك إسبر" الانفجار في البداية حادثًا لكنه تراجع لاحقًا عن بيانه، بحجة أن وسائل الإعلام كانت تحاول خلق شقاق بينه وبين الرئيس. علاوة على ذلك، لم تطرح إدارة "ترامب" فكرة إجراء تحقيق دولي.

وقال وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" في بيان: "نتفهم أن الحكومة اللبنانية تواصل التحقيق في قضيتها ونتطلع إلى نتيجة تلك الجهود". وقد ردد الجنرال "كينيث ماكنزي"، قائد القيادة المركزية الأمريكية، هذه الملاحظات، قائلاً: "سوف نمنح الحكومة اللبنانية مساحة لاستكمال تحقيقها والتوصل إلى استنتاجاتها". وسلط البيت الأبيض الضوء على الحاجة إلى "الشفافية والإصلاح والمساءلة"، مضيفًا أن "ترامب" دعا إلى الهدوء في لبنان وأقر بالدعوات المشروعة للمتظاهرين السلميين من أجل الشفافية والإصلاح والمساءلة. ومع ذلك، لم يتضح بعد ما إذا كان هناك تحول لجعل الإصلاح والمساءلة من الأولويات القصوى على أجندة إدارة "ترامب" بعد انفجار بيروت.

وقدم مسؤولون إيرانيون تعازيهم إلى لبنان دون التعليق رسميًا على سبب الانفجار، ووصف المرشد الأعلى الإيراني "علي خامنئي" الحادث بـ"المأساة". وقال قائد الحرس الثوري الإيراني "حسين سلامي"، إن "كل إمكانياتنا ستحشد لمساعدة الشعب اللبناني". وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية "عباس موسوي" في 10 أغسطس/آب أنه "لا ينبغي استخدام الانفجار كذريعة لأهداف سياسية.. يجب التحقيق في سبب الانفجار بعناية"، لكنه لم يوضح من الذي ينبغي أن يجري التحقيق. كما أشار إلى أنه "إذا كانت أمريكا صادقة بشأن عرض مساعدتها للبنان، فعليها رفع العقوبات".

وبينما عرضت دول الخليج المساعدة، لم يعلق معظمها على أسباب الانفجار ولا على طبيعة التحقيق، باستثناء السعودية حيث دعا وزير الخارجية السعودي الأمير "فيصل بن فرحان"، خلال مؤتمر المانحين الدوليين، إلى "تحقيق شفاف ومستقل" وإلى "إصلاح سياسي واقتصادي شامل وعاجل لضمان عدم تكرار هذه الكارثة الرهيبة". علاوة على ذلك، بدا أنه يلقي باللوم على "حزب الله"، قائلا: "استمرار الهيمنة التدميرية لمنظمة حزب الله الإرهابية تقلقنا جميعًا، وكلنا نعرف تاريخ هذا التنظيم في استخدام المواد المتفجرة وتخزينها بين المدنيين في عدة دول عربية وأوروبية وفي شمال وجنوب أمريكا". 

وكما هو متوقع، لم تعلق الحكومات الأجنبية الأخرى مثل روسيا وتركيا والصين على التحقيق ولا الدعوة إلى المساءلة والإصلاح. وقالت الحكومة الإسرائيلية إنها "تواصلت مع لبنان عبر القنوات الدولية والدبلوماسية لتقديم مساعدة إنسانية طبية"، وذلك بحسب وزير الدفاع الإسرائيلي "بيني جانتس".

في 10 أغسطس/آب، استقالت حكومة "حسان دياب" حيث لم يكن أمام النخب الحاكمة و"حزب الله" خيار سوى سحب دعمهما لـ"دياب"، الذي اضطر للتنحي بسبب الاستقالات المتتالية لوزرائه. حاول "دياب" القيام بمناورة أخيرة بالدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة من شأنها تغيير الديناميكيات السياسية في البلاد، لكن هذه المحاولة باءت بالفشل.

بعد انفجار بيروت، عادت السياسة اللبنانية الآن إلى المربع الأول، مع طرح الأسماء نفسها لشغل منصب رئيس الوزراء المقبل: رئيس الوزراء الأسبق "سعد الحريري" والسفير السابق والممثل الدائم للبنان لدى الأمم المتحدة، "نواف سلام"، وهو يعمل الآن قاضيا في محكمة العدل الدولية.

كانت استقالة "دياب" حتمية منذ اليوم الأول للانفجار، لكن السؤال الآن ماذا سيأتي. وقد استقال بعض البرلمانيين بالفعل وهناك دعوات لإجراء انتخابات مبكرة. في النهاية السبيل للخروج من هذه الأزمة الوطنية دون إعادة تشكيل المشهد السياسي بانتخابات برلمانية شفافة ونزيهة.

ويطرح هذا الوضع أسئلة مهمة: أي حكومة ستنظم هذه الانتخابات؟ كيف يمكن أن يتم التصويت العام في عاصمة مدمرة؟ على أي قانون انتخابي ستتم الانتخابات؟ لدى المتظاهرين في الشوارع إرادة للتغيير، لكن لم يتضح بعد كيف سيتمكنون من توجيه هذه الإرادة إلى مجموعات سياسية يمكنها التنافس في الانتخابات مع الأحزاب السياسية التقليدية والقادة الإقطاعيين. بالإضافة إلى ذلك، لا يبدو أن تنظيم انتخابات مبكرة يحظى بدعم دولي، في هذه المرحلة على الأقل.

في حين أن المحتجين اللبنانيين لديهم تحفظات واضحة على "سعد الحريري" الذي اضطر للتنحي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي تحت ضغط شعبي، فإن النخب الحاكمة في البلاد تريد رؤيته في السلطة مرة أخرى. يبدو أن باريس وواشنطن تميلان لتأييد "نواف سلام" لأن سمعته لم تلوث في السياسة اللبنانية، لكنه يواجه فيتو "حزب الله" بسبب الآراء والسياسات التي طرحها عندما عمل كمندوب دائم للبنان لدى الأمم المتحدة.

إذا تم استغلال "الحريري" في نهاية المطاف، فقد تكون شروطه المسبقة تشكيل حكومة تستبعد نفوذ "حزب الله" ووزير الخارجية السابق "جبران باسيل". بغض النظر عن السيناريو الأرجح، فإن الطريق نحو تشكيل الحكومة سيكون إشكاليًا وصعبًا ما لم يظهر إجماع واضح حول مرشح ليصبح رئيس الوزراء المقبل.

لا زال التنافس بين القوى الأجنبية على لبنان قائم منذ فترة طويلة وسيزداد حدة بعد الانفجار. فيما يفتقر لبنان إلى الموارد الأساسية لبدء جهود إعادة الإعمار، خاصةً أنه بالفعل في حالة انهيار مالي. ويمثل دور باريس في لبنان النفوذ الفرنسي الوحيد المتبقي في المنطقة. لهذا كان الرئيس "ماكرون" حريصاً على ألا يؤدي انفجار بيروت إلى فراغ في السلطة.

تعمل هذه المأساة على تغيير المشهد السياسي اللبناني تدريجياً وزيادة التدخل الأجنبي، الأمر الذي قد لا يفيد بالضرورة الشعب اللبناني ما لم يشجع المجتمع الدولي البلاد بقوة على السير في مسار الإصلاحات السياسية والاقتصادية.

المصدر | جو معكرون - المركز العربي دي سي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مرفأ بيروت الحكومة اللبنانية حزب الله اللبناني

مسؤول أمريكي سابق: لا أرى بصيص أمل في لبنان

ستاندرد آند بورز: لبنان لا يزال متوقفا عن سداد التزاماته الأجنبية

أيدها 81 عضوا بالكونجرس.. طليب تتزعم حملة لمنع ترحيل اللبنانيين