البرلمان التونسي يتأرجح في ظل حكم قيس سعيد

الأحد 23 أغسطس 2020 04:04 م

كان واضحا من الأحداث التي أدت إلى تشكيل الحكومة التونسية برئاسة "إلياس الفخفاخ" أنها لن تصمد طويلا. فخوفا من احتمالية مواجهة انتخابات مبكرة، اضطرت الأحزاب للتخلي عن مواقفها المستقطبة والموافقة على حكومة ائتلافية، إلى أن سمحت الظروف بجولة جديدة من الصراع. بعبارة أخرى، كان سقوط حكومة "الفخفاخ" مسألة وقت.

وتعتبر الديناميكيات التي تحكم المفاوضات حول تشكيل حكومة جديدة برئاسة "هشام المشيشي"، مرشح الرئيس "قيس سعيّد"، هي نفسها التي جرت مع حكومة "الفخفاخ" إلى حد كبير. ولا تزال الأحزاب غير مرتاحة بشأن احتمال إجراء انتخابات مبكرة، إذ تشير استطلاعات الرأي الحالية إلى وجود غضب واسع النطاق من جميع الأحزاب، ولا يعتقد حزب "النهضة" ولا "قلب تونس" ولا "التيار الديمقراطي" ولا "تحالف الكرامة" أو أي من الأحزاب الأخرى أن لديهم فرصة حقيقية لتحسين وضعهم الحالي في البرلمان.

ومع ذلك، ظهر ميزان القوى في ظل حكومة "الفخفاخ" أكثر لصالح البرلمان بحكم كونها حكومة ائتلافية، ولكن ميزان القوى تحول هذه المرة بشكل كبير لصالح الرئيس. فقد تشكلت حكومة "الفخفاخ" من خلال حل وسط، في حين فمن المرجح أن تتشكل حكومة "المشيشي" من خلال الإرادة المطلقة لرئيس نجح في توجيه الدعم الشعبي للضغط على البرلمان الذي يتمتع بنفوذ أكبر دستورياً، فيما حشر "سعيد" الأحزاب السياسية بين الخضوع له أو فقد مقاعدهم.

عندما ظهرت أنباء عن فساد محتمل من قبل "الفخفاخ"، تحركت "النهضة" بسرعة لإعادة فرض نفسها على الحكومة. وأشارت التقارير إلى أن "الفخفاخ" عُرض عليه الاختيار بين تسليم الحكومة بحكم الأمر الواقع من خلال دمج حلفاء "النهضة" (قلب تونس) ليُسمح لـ"الفخفاخ" بالبقاء كرئيس للوزراء، أو مواجهة عملية التحقيق الكاملة والغرق في الفساد.

ومع اقتراب لجنة التحقيق البرلمانية من استنتاج وجود أدلة كافية لإحالة الأمر إلى النائب العام، أعلنت "النهضة" أنها ستبدأ مناقشات حول تشكيل حكومة جديدة وستسعى إلى التصويت على سحب الثقة من حكومة "الفخفاخ".

كان الرئيس رافضًا تمامًا لفكرة إجراء مناقشات جديدة حول الحكومة. ولا يخفى على أحد في تونس أن الرئيس غير راضٍ عن زعيم حزب النهضة "راشد الغنوشي"، متهماً إياه ضمنياً بتقويض الرئاسة والسعي لإدارة شؤون الدولة بنفسه.

علاوة على ذلك، شجبت أحزاب أخرى في البرلمان، مثل "التيار الديمقراطي" (الذي يترأس 3 وزارات مهمة بما في ذلك التعليم)، ما اعتبروه محاولة من قبل "النهضة" للسيطرة على الحكومة. وخرج زعيم النقابات العمالية "نور الدين الطبوبي" مؤيدا لرئيس الجمهورية ورئيس وزرائه ومطالبا بالهدوء أو انتخابات مبكرة.

شرعت "النهضة" في تشكيل ائتلاف أحزاب لتأمين 109 أصوات مطلوبة للإطاحة بحكومة "الفخفاخ". ومع ذلك، بعد ظهر اليوم الذي تم فيه تسليم اقتراح سحب الثقة، أعلن "قيس سعيد" أن رئيس الوزراء قدم استقالته في ذلك الصباح.

تسبب إعلان الرئيس بشأن استقالة "الفخفاخ" في أزمة دستورية من شأنها أن تؤدي إلى انتقال السلطة من البرلمان إلى الرئاسة. بموجب الدستور، يكون للبرلمان الأولوية في تشكيل الحكومة إذا أطيح بالحكومة السابقة من خلال تصويت بحجب الثقة. ومع ذلك، إذا استقال رئيس الوزراء، فإن المسؤولية تقع على عاتق الرئيس للاختيار. بعبارة أخرى، فإن توقيت الاستقالة سيحدد من سيكون في مقعد القيادة في تشكيل الحكومة المقبلة.

والسؤال الذي طرحته الأحزاب والمحللون كان: إذا كان "الفخفاخ" قد استقال صباح ذلك اليوم، فلماذا لم يتم الإعلان عن مثل هذا الخبر المهم؟ لماذا حجب الرئيس المعلومات حتى تسليم اقتراح حجب الثقة؟

هناك إيحاء أن "الفخفاخ" لم يستقل فعلاً صباح ذلك اليوم، وأن الرئيس أعلن استقالته من دون استشارته للاحتفاظ بسلطة تكليف رئيس الوزراء الجديد.

هنا، وجدت "النهضة" نفسها في مأزق. بالرغم أن "الفخفاخ" المحاصر كان اختيار الرئيس، إلا أن شعبية الأخير لم تتراجع بل على العكس يبدو أن شعبية "قيس سعيد" (حسب استطلاعات الرأي) قد تحسنت.

لكن شعبية "النهضة" شهدت انخفاضًا بالمقارنة. بمعنى آخر، لن يتمكن حزب "النهضة" من استدعاء التأييد الشعبي للهجوم على الرئيس، حيث يتهمونه بالكذب ويطالبون بإثبات ادعائه باستقالة "الفخفاخ". بدلاً من ذلك، من المرجح أن يتهمهم الجمهور التونسي بالقيام بالاستيلاء على السلطة من أجل مصالحهم الخاصة.

بدت الأحزاب السياسية الأخرى في البرلمان مثل "التيار الديمقراطي" على استعداد للمخاطرة بسمعتها من خلال التسامح مع اتهامات الفساد في مقابل استمرار "الفخفاخ" في السلطة، لمنع "النهضة" من أن تصبح القوة المهيمنة.

قررت "النهضة" عدم تحدي "سعيد"، وبدلاً من ذلك سعت إلى تشكيل تحالف من الأحزاب للالتفاف حول مرشح يوصون به للرئيس. وإذا تم رفضه، فيمكن نظريًا اتهام "قيس سعيد" بالتصرف ضد إرادة الشعب المتمثلة في البرلمان.

وبحسب ما ورد نجح حزب النهضة في تأمين كتلة من 125 نائباً كانت مستعدة لدعم مرشحهم، "فاضل عبدالكافي". في غضون ذلك، أظهر الرئيس ازدرائه للأحزاب السياسية من خلال الإصرار على إرسال الاقتراحات عبر الرسائل، بدلاً من الانخراط في اجتماعات وجهًا لوجه مع قادة الأحزاب كما هو معتاد، مما يعني أنه كان يفكر بالفعل في مرشح.

تجاهل "سعيّد" جميع المرشحين الذين أوصى بهم مجلس النواب واختار رجله "هشام المشيشي".

كانت الرسالة واضحة للجميع: إما أن يتبع البرلمان إرادة الرئيس أو يواجه الشعب في انتخابات مبكرة. تشير استطلاعات الرأي إلى أن شعبية الرئيس "سعيّد" آخذة في الازدياد في الوقت الذي يقاوم فيه ما يعتبره العديد من التونسيين برلمانًا عاجزًا لم يحقق فائدة تذكر منذ 2011.

تجد الأحزاب السياسية نفسها الآن محاصرة. لا أحد يحرص على إجراء انتخابات مبكرة لأن الرأي العام يلومهم على المأزق السياسي الحالي ويتهمهم بالسعي لحماية مصالحهم على حساب الدولة. 

ومثل ما جرى في عام 2014، برزت المشاعر المناهضة "النهضة" مرة أخرى كديناميكية دافعة للرأي العام، حيث أشاد الكثيرون بالرئيس لكونه أول من يقاوم الحزب، واستمرت وسائل الإعلام في نشر رواية استقطابية حيث يتم تقديم خيارين للشعب التونسي: مؤيد أو مناهض لحركة "النهضة".

لكن وسط كل هذا، هناك أسئلة أكثر قتامة يجب طرحها حول العملية الديمقراطية الوليدة في البلاد. هل الحل في برلمان منقسم وغير فعال أم وجود السلطة بيد شخص واحد أو مؤسسة واحدة، كما كان الحال في ظل ديكتاتوريات "بن علي" و"بورقيبة"؟

بالرغم من جميع أخطاء "النهضة"، فقد كان بلا شك الحزب السياسي الأكثر نجاحًا من الناحية الانتخابية في العقد الماضي. ربما يكون نجاحهم الدائم بمثابة لائحة اتهام للمناهضين لـ"النهضة".

وعليه، فإن المأزق البرلماني الحالي هو انعكاس للانقسامات العميقة داخل المجتمع التونسي أكثر من كونه نتيجة لأية مكائد سياسية من جانب الأحزاب نفسها. هل من الديمقراطية أن يُقال للتونسيين أن هناك موقفين سياسيين شرعيين فقط؟

علاوة على ذلك، هل من الصحيح أن أخطاء حزب "النهضة" في السلطة على مدى العقد الماضي يستدعي مراجعة النظام الديمقراطي بأكمله، والترويج للعودة إلى النظام الرئاسي سيئ السمعة؟ هذه أسئلة مهمة.

من المرجح أن تسمح الأحزاب السياسية التونسية لـ"سعيد" بأن يشق طريقه مع الأمل أن تفشل حكومته بطريقة تقوض شعبيته. ومع ذلك، يعد هذا خيارًا محفوفًا بالمخاطر حيث من المرجح أن ينسب الشعب التونسي كل نجاح إلى "سعيد"، وكل فشل إلى البرلمان باتهامه بعرقلة إجراءاته.

ومع ذلك، حتى إذا ذهبت تونس إلى انتخابات مبكرة، فليس هناك ما يضمن أن البرلمان الجديد سيكون مختلفًا عن البرلمان الحالي طالما أنه لا توجد أغلبية عملية.

إن الحقيقة التي لا مفر منها هي أن البرلمان، بالرغم من كل عيوبه، يعكس على وجه التحديد حالة الناخبين التونسيين التي تعد حالة منقسمة بشدة، وغاضبة، ومستقطبة، وتبحث عن شرير تلومه على التدهور الاجتماعي والاقتصادي للبلد الذي لعب فيه الجميع دورا بما فيهم السياسيون والناخبون الذين يواصلون التصويت لهم للعودة إلى السلطة.

المصدر |  سامي حمدي - انسايد أرابيا – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قيس سعيد الحكومة التونسية البرلمان التونسي حزب النهضة

قلب تونس يتوقع حصول حكومة المشيشي على ثقة البرلمان

استقطاب سياسي وأزمة اقتصادية.. هل تعبر حكومة تونس الجديدة الاختبار الصعب؟

تونس.. انتقادات واسعة لمشروع قانون "زجر الاعتداء على القوات المسلحة"