فورين أفيرز: الحرس الثوري يستعد للسيطرة الكاملة على إيران

الثلاثاء 1 سبتمبر 2020 01:42 ص

هناك مقولة جديدة تنتشر في إيران مفادها أن "السلطة أصبحت تُسحب من الرأس إلى أصابع القدم"، أي من الرجال الذين يرتدون العمامات إلى الرجال الذين يرتدون أحذية عسكرية، ويتجلى هذا مؤخرًا في البرلمان الإيراني الجديد.

فرئيس البرلمان هو "محمد باقر قاليباف"، وهو عميد سابق في الحرس الثوري، كما أن ثلثي قيادة البرلمان إما أعضاء سابقون أو لا يزالون ينتمون إلى الحرس الثوري والمنظمات المعاونة له.

لطالما توقع الكثيرون في إيران والولايات المتحدة سيطرة الحرس الثوري على الحكومة الإيرانية، وستكون الخطوة التالية لذلك هي انتخاب مرشح تابع للحرس الثوري رئيسًا في عام 2021.

تنقسم إيران إلى شعبتين، حيث تدير المؤسسات المنتخبة الشؤون اليومية للدولة بضوء أخضر من المرشد الأعلى، والذي ترجع إليه في نهاية المطاف المنظمات الأمنية، بما في ذلك الحرس الثوري.

كافح الإصلاحيون لأكثر من عقدين من الزمن، داخل المؤسسة السياسية الإيرانية لتعزيز قوة المؤسسات المنتخبة ضد سلطة الدولة الموازية.

أما الآن، فهم يتصالحون مع فشل ذلك المشروع، ويستعدون لغزو قادة الدولة الموازية للهيئات المنتخبة وتعزيز السلطة لأنفسهم.

وليس من الحتمي سيطرة حكومة عسكرية على إيران، ولكن يبدو أن هذه النتيجة الأكثر ترجيحًا؛ فالإيرانيون محبطون من التوترات الحزبية والأزمات المتفاقمة، وقد استنزفت العقوبات الأمريكية شريان الحياة الاقتصادي للبلاد.

كما أن هناك شكلًا جديدًا صاعدًا من القومية بفعل شعور الإيرانيين بجرح كبريائهم وانزعاجهم من كونهم لا يستطيعون التمتع بالمكانة الدولية التي يستحقونها.

ويبدو أن الرئيس "حسن روحاني"، الذي عجز عن الوفاء بوعوده في السياسة الداخلية أو الخارجية، قد أُنهك من المحاولات، كما تشير إدارته الأخيرة للوباء.

فقد كان "روحاني" مترددًا في الاعتراف بأن فيروس "كورونا" المستجد يمثل تهديدًا وطنيًا حتى فات الأوان، وأدت رسائله المتناقضة حول هذا الموضوع إلى إرباك الجمهور، بل تعرض لانتقادات من المرشد الأعلى.

أما الحرس الثوري فله يد قوية تزداد قوة، لكن طبيعة مزاياه بحد ذاتها قد تمنعه من أن يصبح الوصي على الدولة.

الخوف والحب

أصبح الحرس الثوري محور الاهتمام الوطني والدولي ابتداء من أواخر التسعينات، عندما تولى الإصلاحيون السياسيون مقاليد الحكومة الإيرانية المنتخبة.

فقد بدأت وسائل إعلام إصلاحية منتشرة بشكل كبير في مراقبة وانتقاد الحرس الثوري، ورداً على ذلك، بدأ الحرس في بناء شركة إعلامية خاصة به سعت في الترويج لصورة مبالغ فيها إلى حد كبير.

يقدم الحرس الثوري نفسه كعلاج للوهن القومي الإيراني، لكنه في الواقع مساهم كبير في المشكلة، فمغامراته الإقليمية تضعف آفاق البلاد في التنمية المستدامة والمطردة.

كما أن الحرس الثوري وسّع الاقتصاد السري في ظل العقوبات الأمريكية، وأكمل ذلك بنخبة فاسدة جديدة من "رواد الأعمال المهربين".

يمنع الحرس الثوري الحكومة من تجنيد الخبراء الذين يعتبرهم غير لائقين سياسياً، كما أنه يخرج السياسات والمشاريع الحكومية عن مسارها كيفما يشاء، مصدّرًا دعاية طوال الوقت تصر على أن السياسيين والبيروقراطيين هم المسؤولون.

وقد اعتاد الحرس الثوري أن يسعى إلى تشويه سمعة خصومه، مثل أعضاء حكومة "روحاني"، الذين وصفهم بانتظام بأنهم "متواطئون" و"غير أكفاء" و"مؤيدون للغرب".

أما الآن، فدعاية الحرس تلقي باللوم على جميع الفصائل السياسية في أزمة البلاد الحالية، وعلى مدى العقد الماضي، استثمر الحرس الثوري في صياغة سردية تاريخية من خلال الأفلام الوثائقية والروائية والمسلسلات التليفزيونية المصممة لجذب الجماهير الشباب الذين لم يحضروا ثورة 1979 وما بعدها.

تتضمن هذه السردية أن الحرس الثوري اهتم بالشعب وحارب من أجل الوطن بينما تقاتلت النخب السياسية فيما بينها وعملت في كثير من الأحيان ضد مصالح الأمة لتحقيق مكاسب شخصية أو حزبية.

كما يقدم الحرس الثوري نفسه حاليًا أيضًا على أنه الحامي الوحيد الموثوق لإيران؛ وأنه القوة التي هزمت تنظيم "الدولة الإسلامية" ومنعت الأجانب و"عملاءهم المخربين" من اختراق البلاد وتخريبها.

كما يفاخر الحرس بخبرته التكنولوجية، فقد حاولت حكومة "روحاني" وفشلت 4 مرات في إطلاق قمر صناعي صغير لتصوير الأرض، بينما أرسل الحرس قمرًا صناعيًا عسكريًا إلى مداره في محاولته الأولى.

حتى في الأعمال الخيرية، يروج الحرس الثوري لدوره كمنقذ للبلاد، وقد زعم أنه خلال الجائحة وزع مساعدات وطرودًا غذائية على 3.5 مليون عائلة إيرانية، وأن "معسكراته الجهادية" انخرطت في أنشطة بناء المجتمع لمساعدة المحرومين.

تشكك منظمات المجتمع المدني المستقلة في عمق وتأثير هذه التدخلات، لكن لا أحد لديه عملية إعلامية فعالة مثل الحرس الثوري.

لكن، لا تلغي هذه الدعاية سمعة الحرس الثوري في القمع العنيف، حيث لا يزال المواطنون الليبراليون المنتمون إلى الطبقة الوسطى في طهران يتذكرون استعراضه للقوة خلال احتجاجات الحركة الخضراء عام 2009، وكان لقمع الحرس الثوري لمظاهرات العام الماضي عواقب وخيمة على الإيرانيين الفقراء والطبقة الدنيا.

ويبدو أن الحرس الثوري يرغب في بث الخوف وكسب الحب في نفس الوقت، كما أنه يستهدف تطبيع تواجده بالنسبة للنخب الاقتصادية والثقافية وجعلهم يشعرون بالارتياح عند اختياره.

ويمكن أن تكون هناك مبالغة في الدور الاقتصادي للحرس الثوري، لكن غموض قطاع الأعمال في البلاد يجعل من الصعب التأكد من الحقائق، وقد وثقت دراسة حديثة أنه حتى عام 2014، لم يكن لدى الحرس الثوري وغيره من المنظمات شبه الحكومية يمتلك أغلبية في أسهم القطاعات الاقتصادية الـ 22 العليا في إيران.

لكن لا توجد علاقة مباشرة بين الملكية والسيطرة في النظام الاقتصادي الإيراني، حيث تقوم الشركات المملوكة للبرجوازية العلمانية الإيرانية أحيانًا بتوظيف أعضاء مجالس إدارات ومديرين تابعين للحرس الثوري من أجل تسهيل مناورات الأعمال التجارية، ويُنشئ الحرس الثوري أحيانًا شركات وكيلة للعمل تحت ستار القطاع الخاص.

وبهذه الوسائل وغيرها، أصبح الحرس الثوري رب عمل لا غنى عنه وأحد أكبر المقاولين في البلاد في مشاريع البناء، لكنه يفتقر إلى الموارد البشرية والخبرة اللازمة لإدارة أعمال بملايين الدولارات في مجالات الاتصالات والبنوك وبناء السفن والصناعات البتروكيماوية.

وهكذا، يعمل قسم كبير من البرجوازيين العلمانيين الإيرانيين إما بشكل مباشر مع المنظمة العسكرية أو كمتعاقدين تابعين لها.

قبل عقد واحد فقط، اعتبرت النخب المثقفة العمل في المشاريع التي يكلف بها الحرس الثوري أو يمولها من المحرمات، ولكن، لم يعد هذا هو الحال الآن، وعلى سبيل المثال، عمل "مسعود كيمياي"، (وهو المخرج الشهير الذي حافظت أفلامه قبل الثورة على شعبية كبيرة)، مؤخرًا مع منتج تابع للحرس الثوري.

كما قام المخرج "محمد حسين ماهداويان" -وهو من أشد المؤيدين لـ"روحاني"- بإنتاج أفلام وثائقية حائزة على جوائز وأفلام روائية مدعومة من الحرس الثوري.

مشكلات إقناع الشعب

يتمتع الحرس الثوري بالعديد من المزايا في التنافس على السلطة في الجمهورية الإسلامية، لكنه لا يرقى لأن يكون حجرًا ضخمًا لا يمكن إيقافه.

فعلى الرغم من الحصة الاقتصادية الكبيرة التي يمتلكها الحرس الثوري الآن، لا يزال الفرع التنفيذي لإيران يحكم الاقتصاد في جميع المجالات الحيوية، حيث تضع الحكومة السياسة المالية والنقدية، وتتحكم في موارد النفط والغاز، وتدير خزينة الدولة.

كما تهيمن الحكومة أيضًا على الرعاية الاجتماعية والمساعدات الإنسانية، التي يعتمد عليها الحرس الثوري بشكل متزايد لبناء شبكات المحسوبية الخاصة به.

علاوة على ذلك، فإن الحرس الثوري داخليًا أكثر انقسامًا وأقل انضباطًا مما يفترضه الكثيرون عنه عادة، فقد كانت التوترات موجودة منذ البداية، عندما نشأت النزاعات بين القادة رفيعي المستوى خلال الحرب الإيرانية العراقية.

وأصبح الضباط المحبطون الذين تركوا الحرس الثوري خلال الثمانينات دعاة بارزين للإصلاح السياسي، كما ترك البعض الفيلق خلال شقاق في أوائل التسعينات، وغادر آخرون في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وقد وثق الباحثون الفجوات الحالية بين الأجيال داخل الحرس الثوري، كما أن الجيل الشاب نفسه منقسم، وتعكس وسائل الإعلام الكثيرة للحرس الثوري هذه الاختلافات.

على سبيل المثال، توقفت مؤخرًا منظمة "أوج للفنون والإعلام" التابعة للحرس عن تصوير الخصوم والمنافسين في أفلامها على أنهم أعداء قبيحون، وبدلاً من ذلك، تحاول عرض الشخصيات من جوانب مختلفة ومعقدة.

في الوقت نفسه، أنتج فرع إعلامي آخر تابع للحرس الثوري برنامجًا تليفزيونيًا يسمى "غاندو"، والذي برر اعتقال مراسل "واشنطن بوست"؛ "جيسون رضائيان" وسرد القصة بأسلوب حازم وحاد (أبيض وأسود).

تصل التوترات بين هاتين المجموعتين الإعلاميتين الشابتين التابعتين للحرس أحيانًا إلى الجمهور، حيث انتقدت المجموعة الثانية في فبراير/شباط طريقة "أوج" في صناعة الأفلام بشدة، متهمة إياها بـ"إهدار أموال النظام وموارده مما يتسبب في الأذى للنظام".

ولكن؛ عندما يتعلق الأمر بإقناع الجمهور، فإن يد المساعدة وكذلك القبضة الوحشية لم تتمكنا بشكل كامل من تحقيق الاحترام الذي يريده الحرس الثوري.

صحيح أن اغتيال الولايات المتحدة للواء "قاسم سليماني" في يناير/كانون الثاني أدى إلى فترة قصيرة من التضامن حيث سوّد الإيرانيون الغاضبون صور بروفايلاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي احتجاجًا وحدادًا، لكن بعد أيام، أسقط الحرس الثوري طائرة ركاب أوكرانية، واحتفظ نفس الأشخاص بصور بروفايلاتهم سوداء للتعبير عن غضب مختلف.

هدد "كيمياي" بسحب فيلمه من المهرجان الأول في البلاد، وقام التليفزيون الوطني بقص خطاب "مهداويان" في حفل ختام المهرجان لأنه تعاطف علنًا مع آباء المتظاهرين الذين قُتلوا خلال اضطرابات 2019.

يواصل الحرس الثوري تهديد وقمع المعارضين، لكن الخوف لا يفوز دائمًا في نهاية المطاف، ففي أبريل/نيسان، ادعى القائد العام للحرس الثوري خلال مؤتمر صحفي بفخر أن المجموعة اخترعت جهازًا يمكنه اكتشاف فيروس "كورونا" المستجد من مسافة 328 قدمًا، ما أدى إلى موجة عفوية من السخرية، ووصفت جمعية الفيزياء في إيران، وهي جمعية علمية ومحافظة للغاية ولم تصدر أي بيان سياسي من قبل، هذا الادعاء بأنه "قصة خيال علمي".

الأيديولوجيا ليست الحوكمة

ربما تكون القوة السياسية الأكبر للحرس الثوري في الوقت الحالي، هي ضعف خصومه، فقد فاز "روحاني" بالانتخابات في عامي 2013 و2017 على وعد بإعادة الأمل للشعب الإيراني، لكنه ينهي الآن فترة ولايته وسط يأس واسع النطاق.

اندلعت احتجاجات على مستوى البلاد في عامي 2018 و2019، وسحقها الحرس الثوري، أما بالنسبة لحكومة "روحاني" المكونة من ائتلاف من المحافظين المعتدلين، والبيروقراطيين الإصلاحيين المتواضعين، والتكنوقراط المؤمنين بمبدأ عدم التدخل الاقتصادي من ذوي الولاءات السياسية، فقد ساعدوا قوات الأمن بفعالية أو اكتفوا بمراقبتها بسلبية.

وهكذا، تفتقر الإدارة الآن إلى المصداقية لحشد قاعدتها الاجتماعية ضد الحرس الثوري في صناديق الاقتراع أو في الشوارع.

ومع ذلك، فالسؤال الأكثر تعقيدًا هو ما إذا كان الحرس الثوري يرغب حقًا في إدارة الحكومة.

أظهرت التجربة أن من يتولى السلطة التنفيذية، بغض النظر عن الانتماء السياسي، من المرجح أن يصبح شوكة في جنب الحرس الثوري، حتى الرئيس السابق "محمود أحمدي نجاد"، الذي جاء بدعم كامل من الحرس، سرعان ما أصبح مارقًا.

وفي المقابل، أثبتت التجربة أيضا أن أولئك الذين يتولون أدوارًا تنفيذية وإدارية ينخرطون المواءمات على حساب الحماس الثوري الذي هي رأس مال الحرس الثوري.

وقد سمح وضع الحرس الثوري كمنظمة شبه حكومية بأن يتمتع بأفضل ما في الوضعين، حيث يحافظ على بعده عن الأعمال اليومية للحكم ويتدخل فقط عندما يرغب في ذلك. ولكن، إذا أدارت المنظمة الشؤون اليومية للبلد، فستضطر إلى إجراء تعديلات وتنازلات مستمرة قد تضر بسمعتها الثورية.

على سبيل المثال، بعد مقتل "سليماني"، دعا بعض مقاتلي الحرس الثوري إلى "انتقام قاسٍ"، لكن هذا الانتقام الموعود لم يأتِ حتى الآن، ولم يتحمل قادة الحرس الثوري العبء الأكبر من غضب المقاتلين لأنهم تمكنوا من إعادة توجيهه نحو "السياسيين الجبناء" بدلًا من ذلك.

فقد مكن الوقوف خارج الحكومة قادة الحرس الثوري، من الاستعراض في العديد من المناسبات؛ فتارة يتعاطفون مع العمال المضربين بسبب تأخر رواتبهم، وتارة أخرى يشاركون في جهود الإنقاذ والإغاثة بعد الفيضانات والزلازل، أو يواسون المتقاعدين الذين يلقون باللوم على الحكومة في تضييع مدخراتهم (رغم أن الحقيقة أن المؤسسات المالية المرتبطة بالحرس الثوري هي التي سرقت أموالهم).

ينظر الناس إلى الخدمات التي تقدمها الحكومة باعتبارها واجبا، في الوقت الذي يقدم فيه الحرس خدماته باعتبارها مجاملة، ما يعني أن تولي السلطة التنفيذية يحول المجاملة العرضية مسؤولية دائمة.

من المتوقع أن تسفر الانتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة عن عودة المتشددين إلى السلطة، بعد أن فقد الإصلاحيون معظم رأس مالهم الاجتماعي ومكانتهم، لكن عام 2021 لن يمثل نهاية السياسة في إيران، بل على العكس من ذلك، سيضيف فقط فصلًا جديدًا إلى كتاب مفتوح النهاية.

ويعتبر الصراع بين النخب السياسية الإيرانية مستمرا منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية وسيستمر في إنتاج فرص للتغيير، وربما بطريقة قد لا تروق للمعارضة ولا للنخب الحاكمة.

وهكذا، قد يتوق الحرس الثوري إلى السيطرة، لكنه قد لا يكون سعيدًا بالنتيجة.

المصدر | علي رضا إشراغي وأمير حسين مهدافي | فورين أفيرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الحرس الثوري الإيراني محمد باقر قاليباف حسن روحاني فيروس كورونا

واشنطن تكشف المشرف على إطلاق القمر الصناعي العسكري الإيراني 

الانتخابات الإيرانية.. المحافظون يتهيأون لاستعادة السيطرة

هكذا دفعت الجغرافيا السياسية إيران لامتلاك برنامج صاروخي وشبكة وكلاء

ترامب يطالب إيران بالتراجع عن إعدام بطل المصارعة نافيد أفكاري

الحرس الثوري: 23 سفينة أجنبية محتجزة لدينا