اليونان ولبنان والعراق.. ساحات مواجهة محتدمة بين ماكرون وأردوغان

الثلاثاء 1 سبتمبر 2020 11:14 م

"الأتراك يحترمون التصريحات عندما تقترن بالأفعال، وفرنسا قامت بعمل مهم هذا الصيف.. سياسة رسم خطوط حمراء".. بهذه الكلمات علق الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" على إرسال بلاده قوة عسكرية إلى شرق المتوسط، في إطار تكثيف باريس جهودها ضد ما تعتبره تمددا في النفوذ الإقليمي لتركيا.

وباتت الأزمات المتتالية أمرا روتينيا في العلاقات الفرنسية التركية على أثر احتدام تضارب المصالح بينهما في 3 ملفات رئيسية؛ أولها ملف العلاقة مع الأكراد، إذ تعتبر أنقرة مسلحي التنظيمات الكردية خطرا على أمنها القومي وشنت عمليات عسكرية ضدهم في شمالي العراق سوريا، وهو ما استنكره "ماكرون" موجها أقسى درجات اللوم إلى تركيا.

الأزمة الليبية هي ثاني ملفات صراع الكواليس بين أنقرة وباريس، خاصة منذ يونيو/حزيران الماضي، عندما تدخلت تركيا وغيرت المعادلة السياسية من وراء فرنسا عبر دعمها العسكري لقوات حكومة "الوفاق" التي تسيطر على غربي ليبيا في مواجهة قوات الجنرال المتقاعد "خليفة حفتر" المدعوم من فرنسا.

وتمثل مناطق النفوذ البحري شرقي البحر المتوسط ثالث ملفات الصراع التركي الفرنسي، والتي سيصعب فيها الاستناد إلى حرفية نصوص القانون الدولي البحري في ترسيم الحدود بين اليونان وتركيا؛ نظرا لوجود العديد من الجزر اليونانية بالقرب من الشواطئ التركية على شكل "طوق" يمنع أنقرة من الاستفادة من الثروات النفطية.

وفي حال تطبيق القانون الدولي بترسيم الحدود من شواطئ الجزر يصبح البحر المتوسط عبارة عن بحيرة يونانية لا يمكن لتركيا أن تستفيد من ثرواته، ولذا ترفض أنقرة ذلك، وتصر على أن يكون ترسيم الحدود من شواطئ الحدود البرية لكل دولة دون الجزر.

لكن ما علاقة فرنسا بالأمر؟ تعود الإجابة إلى تضارب مصالح باريس وأنقرة في الملفين السابقين، وبالتالي فإن توطيد فرنسا علاقتها باليونان يأتي في إطار الرد على تركيا عبر الخصم من رصيد نفوذها الإقليمي من جانب، وتهديدها جيوستراتيجيا من جانب آخر.

ولذا يشير المستشار في المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية والمقيم في إسطنبول، "الناصر دريد"، إلى أن تركيا تدرك مؤشرات على محاولة لتشكيل تحالف إقليمي يضم فرنسا واليونان وقبرص الرومية ومصر، وتطمح إلى أن تستبق هذا التحالف من خلال فرض الأمر الواقع شرقي المتوسط، وفقا لما نقله موقع "يورونيوز".

  • أمر واقع

وجاء توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" ورئيس حكومة "الوفاق الليبية "فائز السراج"، بنهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2019، في إطار الاستباق التركي سالف الذكر؛ ما أثر سلبا على مشروع أنبوب غاز "إيست ميد" الموقع من طرف قبرص الرومية واليونان ودولة الاحتلال الإسرائيلي.

وأكسبت الاتفاقية وعمليات التنقيب المتوالية أنقرة سبق الفعل في ملف شرقي المتوسط، حتى أصدرت الخارجية التركية، الأحد الماضي، بيانا ناريا منددا بتصريحات "ماكرون" حول وضع فرنسا خطوطا حمراء أمام تركيا في المنطقة، مشددة على أنه "لا خطوط حمراء في منطقة شرق المتوسط (..) وإذا كانت هناك خطوط حمراء فهي حقوق تركيا والقبارصة الأتراك النابعة من القانون الدولي".

كما أصدرت البحرية التركية إشعارا، في وقت متأخر من الإثنين الماضي، أكدت فيه على أن سفينتها الاستكشافية "أوروتش رئيس"، التي تجري مسحا في مياه متنازع عليها بين كريت وقبرص، ستواصل عملها في المنطقة حتى 12 سبتمبر/أيلول المقبل، ما أثار رد فعل غاضبا من أثينا.

وعلى المستوى العسكري، أكدت وزارة الدفاع التركية، الخميس الماضي، أنها بصدد القيام بمناورات عسكرية، تشمل تدريبابت بالذخيرة الحية في 1 و2 سبتمبر/أيلول قرب سواحل مدينة "إسكندرون" التركية الواقعة قبال شمال شرق قبرص.

وفي المقابل، اتفقت فرنسا مع اليونان وقبرص الرومية وإيطاليا على تكثيف تواجدها في شرق البحر المتوسط في إطار ما يسمى بـ"المبادرة الرباعية للتعاون"، حسبما صرح وزير الدفاع اليوناني.

وشاركت في تلك المناورات، مساء الجمعة الماضي، 3 طائرات فرنسية من نوع "رافال" ومروحية عسكرية، فضلا عن فرطاقة.

وفي السياق، كشف موقع "جرتشك أرتي" التركي أن اليونان تتفاوض مع فرنسا بشأن صفقة تضم 18 طائرة حربية من طراز "رافال"، بينها 8 طائرات "هدية" من باريس لأثينا، وهي ذات الطائرات التي أجرت مهاما هجوميا، في مطلع يوليو/تموز الماضي، ضد أهداف يستغلها الجيش التركي في قاعدة الوطية، غربي ليبيا.

وكانت تركيا اتهمت فرنسا في 27 أغسطس/آب بتصعيد حدة التوتر في المنطقة وذلك عبر إرسال طائرات حربية إلى قبرص الرومية تضامنا مع اليونان. وقال وزير الدفاع التركي "خلوصي أكار" في هذا الخصوص مخاطبا فرنسا: "زمن العربدة انتهى. لا توجد لديكم أية فرصة للحصول على أي شيء بمثل هذا التصرف".

كما أوردت تقارير غربية توقعات بنقل الطائرات الـ18 على متن حاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديجول" قبل زيارة مقررة لـ"ماكرون" إلى اليونان في العاشر من سبتمبر/أيلول المقبل.

  • تصعيد يوناني

وبدا من سياق الدعم الفرنسي أن سياسة التصعيد اليوناني ليست من قبيل العنتريات، بل تستند إلى ظهير إقليمي، حتى ذهب وزير الدفاع اليوناني "نيكوس باناجيوتوبولوس" مؤخرا إلى حد التحذير من أن القوات المسلحة "تدرس كل السيناريوهات، حتى سيناريو الاشتباك العسكري" في مواجهة "العدوان المتزايد" من أنقرة، على حد تعبيره.

وامتدت مظلة الدعم الفرنسي لليونان إلى مستوى الإسناد الأوروبي، وهو ما كشف عنه تزامن اجتماع وزراء الدفاع الأوروبيين في برلين، الخميس الماضي، مع اجتماع آخر لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، امتد على مدى يومين، وانتهى بتوجيه تحذير شديد اللهجة إلى تركيا على لسان الممثل الأعلى للسياسة الخارجية "جوزيف بوريل"، الذي لوح بسلسلة عقوبات أوروبية ضد أنقرة، مشيرا إلى أن "الاتحاد مصمم على التضامن مع اليونان وقبرص الرومية في مواجهة الأحادية التركية"، حسب تعبيره.

ولذا، يرى المختص في القضايا العسكرية البحرية بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية "هيجو دوسيس" أن الوضع في البحر المتوسط "حرج" وليس بمنأى عن حادث قد يتسبب في تدهور عسكري، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الرهان بالنسبة لتركيا استراتيجي، ويعتمد منذ سنوات أسلوب القوة بشكل متصاعد، وأن "أنقرة قادرة على فرض شروطها"، حسب تقديره.

  • ساحة لبنان

وتمثل لبنان ثاني ساحات المواجهة الفرنسية التركية؛ فبينما حاولت أنقرة استثمار تداعيات انفجار مرفأ بيروت لتعزيز موطئ قدم لها في نطاق دولة تعاني انهيارا اقتصاديا، أجرى "ماكرون" زيارة إلى بيروت، هي الثانية له خلال أقل من شهر، بعد انفجار المرفأ، بدا خلالها في صورة "المندوب السامي" الذي يهدد كامل الطبقة السياسية بالعقوبات في حال لم تنفذ "الإصلاحات" المطلوبة.

وفي مقابلة مع صحيفة "بوليتيكو"، قال "ماكرون"، أثناء سفره إلى بيروت، إنها "الفرصة الأخيرة لهذا النظام"، ما قرأه مراقبون في إطار تعزيز الوصاية السياسية الفرنسية على مجمل خيوط النظام الحاكم في البلد الصغير من جانب، وحسم الفرص الاقتصادية الخاصة بإعادة إعمار مرفأ بيروت المدمر لصالح الشركات الفرنسية من جانب آخر.

وترددت أنباء عن اتجاه لبنان إلى القبول بالعرض الفرنسي لإعادة إعمار المرفأ (بالشراكة مع الإمارات)، وبالتالي رفض العروض الأخرى، وبينها عرض تركي.

ويرى المحلل التركي "علي بكير" أن التحرك الفرنسي في لبنان يحظى، إلى جانب دعم الإمارات من وراء الكواليس، بـ"ضوء أخضر من إيران وحزب الله" في الوقت ذاته، معتبرا أن ذلك من شأنه أن يضع لبنان "في عين التنافس الجيوسياسي الإقليمي وتأكيد الانطباع القائل بأن فرنسا تعمل كمقاول ثانوي لبعض الأنظمة في المنطقة".

  • السيادة العراقية

أما ثالث ساحات الصراع الفرنسي التركي فتتمثل في العراق؛ حيث يزوره "ماكرون"، الأربعاء، في وقت تكثف فيه باريس من ترويجها لدعوى تعزيز "السيادة العراقية"، في إطار استثمار اتجاه رئيس الوزراء العراقي "مصطفى الكاظمي" نحو السير ببغداد على طريق مستقل بعيدا نفوذ القوى الإقليمية المحيطة بالعراق، لاسيما تركيا وإيران.

وفي هذا الإطار، يجري الرئيس الفرنسي محادثات مع سياسيين فاعلين× بينهم مسؤولون بإقليم كردستان العراق، وفقا لما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.

وكانت وزيرة الجيوش الفرنسية "فلورنس بارلي" زارت العراق في 27   أغسطس/آب، والتقت مسؤولين في بغداد وإقليم كردستان.

وبدا واضحا ارتباط التحركات الفرنسية بتوتر الأجواء بين أنقرة وبغداد على خلفية عمليات "مخلب النمر" العسكرية، التي يجريها الجيش التركي داخل عمق الأراضي العراقية، وتحديدا في إقليم كردستان ضد عناصر حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه أنقرة كمنظمة إرهابية.

وأسفرت إحدى هذه العمليات في 11 أغسطس/آب عن مقتل عنصرين من حرس الحدود العراقي؛ ما دفع بغداد إلى إعلان إلغاء زيارة كانت مقررة لوزير الدفاع التركي.

وفي هذا الإطار، يرى المتخصص بالشأن التركي "ديديه بيون" من مركز الدراسات الإستراتيجية IRIS أن تناقضات المصالح ستجعل تصعيد اللهجة والأزمات المتتالية أمرا روتينيا في مستقبل العلاقات الفرنسية التركية وعلى كافة الساحات الإقليمية.

  • دعم إسرائيلي

هذه القراءة تدعمها مؤسسات صناعة القرار الإسرائيلية، وهو ما تكشفه توصية قدمها الخبيران الإسرائيليان بمعهد القدس للاستراتيجية والأمن "إيمانويل نافون" و"عيران ليرمان"، بضرورة استغلال (تل أبيب) للجهود التي يقودها "ماكرون" للتنسيق مع مصر واليونان ضد تركيا فيما يتعلق بمستقبل النفوذ بالبحر المتوسط.

وفي تقدير موقف مشترك نشره المعهد، ذكر الخبيران أن سياسة "ماكرون" تجاه لبنان تمثل تغييرا يخدم المصالح الإسرائيلية، رغم أن فرنسا ليست بعجلة من أمرها لاتخاذ موقف أمامي ضد نفوذ "حزب الله".

وأشارا إلى أن تحقيق مصالح اليونان ومصر و(إسرائيل) معا في شرق البحر المتوسط بمواجهة تركيا، قد يؤدي لتوثيق العلاقات بين (تل أبيب) وباريس، ويؤدي في المحصلة إلى خلق منظور مختلف في باريس حول العلاقات مع (إسرائيل)، بما يؤثر على الموقف من القضية الفلسطينية.

ولذا فإن (إسرائيل) تراقب معارضة "ماكرون" علنا لسياسات "أردوغان" في ليبيا، وتبدي ارتياحا للحوار المستمر بينه وبين رئيس وزراء اليونان "كيرياكوس ميتسوتاكيس"، الذي زار (تل أبيب) مؤخرا، بحسب التقدير.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيمانويل ماكرون رجب طيب أدروغان البحر المتوسط

ماكرون يصل بغداد في زيارة هي الأولى من نوعها

تركيا تهاجم ماكرون مجددا: جن جنونه أمام التطورات بسوريا وليبيا

ماكرون بعد استقباله الكاظمي: سنهزم الشر من جذوره