استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الانتقاص من حقوق الإنسان ـ الهند نموذجا

الثلاثاء 8 سبتمبر 2020 05:14 م

الانتقاص من حقوق الإنسان ـ الهند نموذجا

الحصيلة المؤسفة انزلاق الهند إلى هاوية سلطوية وأصولية تنفذها حكومة منتخبة.

تعطيل ممنهج للإجراءات القانونية والقضائية التي يمكن اتخاذها ضد المتطرفين وصناع الكراهية.

علمانية الهند تراجعت مجتمعيا ولا تقوى على وقف الانزلاق لهاوية السلطوية ومقاومة سلطوية مودي.

التطرف الهندوسي يغزو الفضاء العام بخطاب تمييزي يهدد تعدديته ويهمش غير الهندوس بصياغة مقولات كراهية متتالية باتجاههم.

يستغل اليمين الأصولي ضعف حزب المؤتمر وريث علمانية الهند مواطنة المساواة الكاملة الشرعي  لإطلاق يد الحركات الهندوسية المتطرفة!

اليوم تندرج الهند كبلد كبير في خانة «البعض الآخر» الذي يتنصل من القيم الديمقراطية ويواجه صعود تطرف يشن حربا على المساواة والحرية والعدل.

*     *     *

لسنا بمفردنا في المعاناة من ممارسات قمعية تنفذها الحكومات العربية من خلال أجهزتها الأمنية، وليست وضعية بلادنا بسماتها السلبية المتمثلة في إماتة السياسة وحصار المجتمع المدني المستقل والحرب على الحرية في الفضاء العام بعصية على المقارنة بوضعية بلدان أخرى.

بعضها كروسيا والصين لم تبتعد حكوماته أبدا عن الانتهاك الممنهج للحقوق والحريات وعن الإخضاع السلطوي للشعوب، وبعضها الآخر تنزلق حكوماته حاليا إلى هاوية التنصل من القيم الديمقراطية أو يواجه خطر صعود اليمين المتطرف الذي يشن حربا ضارية على المساواة والحرية والعدل.

واليوم تندرج الهند كبلد كبير في خانة هذا «البعض الآخر» الذي ينزلق إلى التنصل من القيم الديمقراطية.

هذا البلد الكبير أسس منذ الاستقلال الوطني والتخلص من الاستعمار البريطاني لنظام ديمقراطي برلماني، وحافظ على استقراره رغم ظروف داخلية صعبة (معدلات فقر وبطالة وعنف مرتفعة وصراعات طائفية ومذهبية واجتماعية متكررة) وتهديدات إقليمية متواصلة (حروب هندية-باكستانية وعلاقات مرتبكة تاريخيا بين الهند والصين) وأحلاف دولية لم تعجبها سياسات الهند (عدم الانحياز الذي تبنته الهند منذ خمسينيات القرن العشرين).

هذا البلد الكبير، والذي دوما ما فاخرت نخبه الفكرية والسياسية بكونه الديمقراطية الأقدم تاريخيا في آسيا والأكثر كثافة سكانيا عالميا، ينزلق مع حكومة اليمين الأصولي التي يتصدرها رئيس الوزراء ناريندرا مودي والتي جاءت عبر صناديق الانتخابات إلى انقلاب تدريجي على الحقوق والحريات الأساسية.

من جهة، تنزلق الهند إلى هاوية الفعل السياسي السلطوي كتغيير أسماء بعض الميادين العامة والشوارع الرئيسية في المدن الهندية وتعديل بعض المقررات الدراسية في مراحل التعليم المدرسي.

وفي الحالتين إما لتغليب المكون الهندوسي على المكون الإسلامي في التاريخ والثقافة الهندية أو لتشويه تاريخ حركة الاستقلال الوطني بتهميش قياداتها العلمانية كجواهر لال نهرو والادعاء الزائف بالحضور الطاغي للوطنية الهندوسية منذ بدايات النضال ضد الاستعمار البريطاني.

من جهة ثانية، تصعد حكومة مودي اليمينية ممارساتها القمعية ضد قوى اجتماعية وحركات طلابية وشبابية ومنظمات مجتمع مدني ترفض الفكرة الأصولية التي تحملها حكومة مودي والتي ترتب سياسات عامة تحابي الأقلية الغنية على حساب الأغلبية الفقيرة وتهمل العدالة الاجتماعية وتعمق من غياب المساواة!

وترتب أيضا سيلا من التعديلات القانونية ومن التشريعات الجديدة التي تفرض مجموعة من القيم الرجعية بغرض تقييد الحريات الشخصية والمدنية وقمع حرية التعبير عن الرأي والترويج العام للتمييز العنصري بين المواطنين الهندوس كالأغلبية صاحبة الأرض والموارد ومحتكرة الموارد وبين المواطنين المنتمين لأقليات عددية يصنع تشويها للتاريخ وتزييفا للحقائق المجتمعية منها غرباء غير مرغوب بهم كالمسلمين.

ومن بين الممارسات القمعية هذه، تواجه حكومة مودي الحركات الطلابية التقدمية في الجامعات (كجامعة جواهر لال نهرو في دلهي، وبها حاليا إضرابات متتالية للطلاب) بإلغاء المنح الدراسية والتعقب القضائي وتقييد الحريات الأكاديمية من حرية التعبير عن الرأي إلى حرية البحث العلمي.

من جهة ثالثة، يستغل اليمين الأصولي ضعف حزب المؤتمر، الوريث الشرعي لعلمانية الهند ولمواطنة المساواة الكاملة، لإطلاق يد الحركات الهندوسية المتطرفة لغزو الفضاء العام بخطاب تمييزي يهدد تعدديته!

ويهمش غير الهندوس بصياغة مقولات كراهية متتالية باتجاههم ويؤهل اليمين من ثم لأغلبية مستقرة في صناديق الانتخابات. يحدث ذلك، بينما تعطل على نحو ممنهج الإجراءات القانونية والقضائية التي يمكن اتخاذها ضد المتطرفين وصناع الكراهية.

والحصيلة المؤسفة هي انزلاق الهند إلى هاوية سلطوية وأصولية تنفذها حكومة منتخبة. الحصيلة المؤسفة هي أن علمانية الهند التي تراجعت مجتمعيا لم تعد تقوى على الحد من الانزلاق إلى الهاوية السلطوية، ولم يعد يقاوم سلطوية مودي غير حركات تقدمية ومنظمات مدنية تحاصر وتقمع غير أن مقاومتها تستمر.

* د. عمرو حمزاوي باحث بجامعة ستانفورد، أستاذ العلوم السياسية المساعد سابقا.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية