كيف ساهم ملف الطاقة في صفقة التطبيع بين الإمارات وإسرائيل؟

الأربعاء 9 سبتمبر 2020 05:01 م

في أغسطس/آب 2020 أصبحت الإمارات ثالث دولة عربية تطبع العلاقات مع (إسرائيل) بعد مصر (1979) والأردن (1994)، وأول دولة في منطقة الخليج، لكن العلاقات السرية كانت مستمرة في الواقع قبل ذلك بسنوات.

لاقى الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي ترحيباً من قبل بعض قادة المنطقة، فضلاً عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لكن الإعلان لم يرُق لإيران بالطبع، كما أعلنت تركيا معارضتها للتطبيع الإماراتي مع (إسرائيل).

ستؤدي إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات و(إسرائيل) إلى تعاون تجاري وتعاون في مجال الطاقة، حيث تتحكم (إسرائيل) في احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي، لكن مواردها النفطية محدودة، بينما يتزايد الطلب على الطاقة بشكل مطرد سنويًا.

وبدافع من متطلبات الأمن القومي ونقص الطاقة، لجأت (إسرائيل) إلى دبلوماسية الطاقة. ولهذا السبب، حددت (إسرائيل) نشاطها في مجال النفط والغاز في 3 مناطق: الشرق الأوسط (قطر كأكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم)، والبحر الأبيض المتوسط ​​(قبرص واليونان)، وأوراسيا.

الطاقة المتجددة في الإمارات

لا ترفع صفقة التطبيع الإماراتية الإسرائيلية من مستوى العلاقات السياسية بين البلدين فحسب، بل توفر أيضًا أساسًا للشراكة في مشاريع الطاقة المتجددة في المنطقة.

تخطط الإمارات لزيادة حصة الطاقة المتجددة في محفظتها، مما يخلق أكثر من 90 ألف فرصة عمل في قطاع الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، بما يشمل أشهر مشاريعها للطاقة المتجددة في "مدينة مصدر".

وتهدف الإمارات لاستخدام الطاقة المتجددة والاهتمام بالتكنولوجيا والابتكار لإنتاج الطاقة، ويشار إلى أن الشركات الخاصة الإماراتية العاملة في قطاع الطاقة المتجددة تشارك بنشاط في العديد من مشاريع الطاقة المتجددة في المنطقة.

استثمرت أبوظبي بالفعل حوالي 46 مليون دولار في مشاريع الطاقة المتجددة في أفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي كجزء من خطط حكومية لاستثمار 340 مليون دولار في أهداف التنمية المستدامة للبلدان النامية.

وتتقدم "مدينة مصدر"، التي تعد المشروع الأكثر طموحا في الإمارات. ففي الشهر الماضي، تم توقيع مذكرة تفاهم بين الحكومة الأفغانية والشركة الإماراتية "بال فور سولار إنيرجي" لإنشاء محطة للطاقة الشمسية ستولد 3 آلاف ميجاوات من الطاقة لأفغانستان التي تحتاج حاليا لما لا يقل عن ألفين ميجاوات من الكهرباء لدعم قطاعاتها السكنية والاقتصادية.

كما وقعت "مصدر أبوظبي" أيضًا عقداً مع "شركة أمريكا الشمالية للطاقة المتجددة"، وقال الموقع الإلكتروني للشركة: "بموجب الاتفاقية، ستستحوذ مصدر على حصة 50% في 3 مشاريع لمزارع الرياح في نبراسكا وتكساس بطاقة 815 ميجاوات من الطاقة و5 مشاريع شمسية تعمل بالطاقة الشمسية في كاليفورنيا مع نظامين كاملي السعة لتخزين الطاقة. وقد اشترت 689 ميجاوات من الطاقة الشمسية و 75 ميغاوات من تخزين بطاريات الليثيوم الأيونية"

أول مقر رسمي لـ(إسرائيل)

يقع مقر "الوكالة الدولية للطاقة المتجددة" في دولة الإمارات وهي منظمة تابعة للأمم المتحدة. وفي عام 2016، سلمت الإمارات مكتبًا للمنظمة لتطوير الطاقة المتجددة، وهي نفس الذريعة التي جعلتها تمنح (إسرائيل) أيضًا مكتبًا، ليكون أول مقر رسمي يتم منحه لـ(إسرائيل) في دولة عربية.

كان لـ(إسرائيل) سابقًا سفارات فقط في الأردن ومصر وكذلك في العديد من البلدان الأفريقية مثل جنوب السودان وإثيوبيا، وهكذا كان المقر الرئيسي للوكالة الدولية للطاقة المتجددة فرصة لـ(إسرائيل) لم تتوفر مع أي دولة عربية أو إسلامية أخرى.

الطاقة المتجددة الإسرائيلية

في عام 2019، تمكنت (إسرائيل) من توفير 8.7% من احتياجاتها من الطاقة عبر محطات الطاقة الشمسية والألواح الشمسية.

وفي العام الماضي، تمت إضافة 1.1 جيجاوات إلى قدرة توليد الطاقة في محطات الطاقة الشمسية في (إسرائيل). ووفقًا لوزارة الطاقة الإسرائيلية، فإن الدولة تخطط لزيادة حصتها من الطاقة المتجددة من 17% إلى 30% بحلول عام 2030 عبر استثمار قدره 22 مليار دولار.

ولكي تحقق (إسرائيل) هدفها المتمثل في الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، تخطط لاستبدال محطات الطاقة الملوّثة أو التي تعمل بالفحم بمحطات توليد الطاقة بالغاز والطاقة الشمسية وذلك بشكل تدريجي.

وإذا تمكنت (إسرائيل) من تنفيذ هذه الخطة، فمن المتوقع أن تؤدي هذه الجهود إلى خفض بنسبة 93% في تلوث الهواء و 50% في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، مع العلم أن حوالي 85% من المنازل الإسرائيلية تستخدم الآن الطاقة الشمسية.

خط أنابيب شرق المتوسط

في 2 يناير/كانون الثاني 2020، تم التوقيع على اتفاقية في أثينا بين قادة (إسرائيل) واليونان وقبرص لبناء خط أنابيب شرق المتوسط، وتقدر سعة خط الأنابيب بحوالي ملياري متر مكعب. ووفقًا للخطة، فمن المقرر تشغيل الخط في عام 2025. ومن المتوقع أن يلبي الخط 10% من متطلبات الطاقة الأوروبية، وتقدر تكلفة هذا المشروع بنحو 7 مليارات دولار.

وقد أدى تفشي فيروس "كورونا" إلى خفض أسعار النفط والغاز، وواجهت العديد من مشاريع الطاقة صعوبات مالية، وبالتالي؛ فإذا انحسر تأثير فيروس "كورونا" على الاقتصاد العالمي وتم حل المشاكل في البحر الأبيض المتوسط، فيمكن لـ(إسرائيل) استخدام الموارد المالية للإمارات لإكمال المشروع، على الرغم من أنه من غير المحتمل حل المشاكل بين الدول المتوسطية قريبًا.

وبما إن (إسرائيل) أصبحت مُصدِّرة للغاز الطبيعي أيضًا، فيمكن لها زيادة حجم صادرات الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال ولعب دور نشط في أمن الطاقة في الدول المجاورة من خلال زيادة إنتاج الغاز من حقل "ليفياثان" واستكمال مشروع محطة الغاز الطبيعي المسال الإسرائيلية.

كما يمكن لـ(إسرائيل) تصدير الغاز إلى أبوظبي كجزء من تطبيع العلاقات مع الإمارات، وبما أن الإمارات لديها أيضًا المنشآت اللازمة، سيتم تقليص استيراد الإمارات للغاز من دول أخرى مثل قطر.

تطبيع التجارة

لدى دول الخليج الغنية بالنفط طرق أكثر صعوبة إلى أوروبا، لكن خط أنابيب "إيلات عسقلان"، الذي كان ينقل النفط الإيراني من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط​​، قد يستخدم الآن لنقل النفط الإماراتي.

وقد رحب رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" بالاتفاقية التي ستسمح للشركات والأفراد في الإمارات بالدخول في اتفاقيات تجارية مع شركات أو أفراد إسرائيليين.

ونظرًا لأن الإمارات أنهت رسميًا مقاطعتها لـ(إسرائيل)، فمن المتوقع أن يزداد حجم التجارة بين الجانبين ويمكن لإسرائيل أن تساعد في تصدير النفط الإماراتي باستخدام البنية التحتية الحالية.

تستهدف الشركات الإسرائيلية المهتمة بممارسة الأعمال التجارية مع الإمارات أسواق دول الخليج، وتستثمر معظم هذه الشركات في معدات الأمن السيبراني وإدارة المياه ومعدات الدفاع، لأن الإمارات مركز تجاري رئيسي يربط دول الخليج ببقية العالم ولديها القليل من القوانين والقيود.

وتشير التقديرات إلى أن هناك حاليا حوالي 300 شركة إسرائيلية تعمل في الإمارات، يعمل معظمها من خلال فروع دولية، وهكذا سيقلل التطبيع من التكاليف الباهظة على الشركات الإسرائيلية العاملة في الإمارات.

الطاقة كعمود فقري للعلاقة

ومع تطبيع العلاقات بين الجانبين، يمكن لـ(إسرائيل) أن تصبح مستورداً للنفط الإماراتي. وفي مجال الطاقة المتجددة، يمكن للموارد المالية الإماراتية أن تخدم أهداف (إسرائيل) المتمثلة في الحد من آثار تغير المناخ وزيادة حصة الطاقة المتجددة.

كما أن إمكانية استثمار الإمارات في حقول الغاز الإسرائيلية يمكن أن يعزز صادرات الغاز الإسرائيلية من خلال زيادة الطاقة الإنتاجية للغاز.

ويمكن أن يكون استكمال مشروع خط أنابيب شرق البحر الأبيض المتوسط ​​أحد ركائز التعاون الإسرائيلي الإماراتي في المستقبل، إذا توفرت الظروف اللازمة.

وسيتعين علينا الآن انتظار الإفراج عن تفاصيل الاتفاقية الإماراتية الإسرائيلية، لكن من الواضح أن الطاقة يمكن أن تصبح العمود الفقري للعلاقات الاقتصادية والسياسية بين (إسرائيل) والإمارات.

المصدر | أوميد شكري كاليهسار - منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

التطبيع الإماراتي الإسرائيلي قطاع الغاز الإسرائيلي النفط الإماراتي

مصر الخاسر الأكبر.. كيف يهدد التطبيع الإماراتي الإسرائيلي مكانة قناة السويس؟

توني بلير.. السر الخفي للتقارب بين نتنياهو وبن زايد