اعتذار أديب عن الحكومة.. انتكاسة جديدة لماكرون في لبنان

الأحد 27 سبتمبر 2020 12:39 ص

اعتبر مراقبون أن اعتذار رئيس الوزراء اللبناني المكلف "مصطفى أديب"، السبت، عن تشكيل الحكومة الجديدة، وقبول الرئيس "ميشال عون" لهذا الاعتذار، بمثابة "انتكاسة جديدة" للرئيس "إيمانويل ماكرون" في لبنان و"شهادة وفاة" لمبادرته.

تلك المبادرة أطلقها "ماكرون" عقب زيارتين أجراهما للبنان إثر كارثة انفجار مرفأ بيروت في الرابع من الشهر الماضي، بلهجة التهديد وإعطاء التعليمات، وشملت تشكيل حكومة جديدة بنظام سياسي جديد، وإصلاح البنك المركزي والنظام المصرفي، بحلول نهاية أكتوبر/تشرين الأول.

واستقالت حكومة "حسان دياب" بعد 6 أيام على انفجار مرفأ بيروت، وكلف الرئيس "عون"، في 31 أغسطس/آب الماضي، أديب بتشكيل حكومة جديدة، تزامنت مع زيارة ماكرون، الذي تتهمه أطراف لبنانية بالتدخل في شؤون بلادهم الداخلية.

وحرصت الرئاسة الفرنسية على إنقاذ مبادرة رئيسها من خلال اتصالات مطولة مع السياسيين اللبنانيين وسط محاولات عدة لإنعاشها وإعطائها فرص متكررة، لكن الخسارة التي مُنيت بها منذ 100 عام لن يستطيع "ماكرون" استرجاعها لو وضع كل ثقله لإنعاشها، وفق المراقبين.

وفي تصريح صحفي عقب لقائه "عون"، برر أديب اعتذاره عن مهمته قائلا: "التوافق الذي قبلت به لتشكيل الحكومة لم يعد موجودا".

وعلى مدار أسبوعين وأكثر، تمسك الثنائي الشيعي "حركة أمل"، برئاسة "نبيه بري"، وجماعة "حزب الله" حليفة النظام السوري وإيران، بحقيبة المالية، رغم التسهيلات التي قدمها رئيس الحكومة السابق رئيس كتلة 14 آذار، سعد الحريري، حيث وافق على أن تكون الحقيبة لـ"شخصية شيعية مستقلة".

المبادرة طارت

"طوني أبي نجم" الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، رأى أن "المبادرة الفرنسية طارت منذ اللحظة الأولى لأن هناك قرارا إيرانيا برفض الذهاب إلى المفاوضات إلا مع الطرف الأساسي وهي الولايات المتحدة وذلك بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية".

وقال: "إيران لم تأخذ فرنسا على محمل الجد وتعتبر أن باريس لن تقدم أي طروحات جدية، لذلك كان هناك قرارا واضحا منذ اللحظة الأولى بعرقلة تشكيل الحكومة وفق ما يريده الغربيون".

وأكد "أبي نجم" أن "حزب الله ترجم الرغبة الإيرانية على الأرض بإفشال هذه المبادرة عندما شعر الحزب أن بري سيدفع باتجاه تقديم بعض التسهيلات".

وشدد على أن "الإيرانيين يفضلون البقاء على هذا الوضع إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة".

وعن المواقف التي أطلقت عن ضرورة إبقاء المبادرة الفرنسية، أجاب: "الدولة الفرنسية بعد نسف المبادرة تسعى إلى الحفاظ على ماء الوجه خصوصا وأن ماكرون لا يود أن يظهر أن الجهد الذي وضعه في بلد صغير كلبنان غير قادر على الوصول إلى نتيجة".

ولفت إلى أن "فشل مبادرة ماكرون في لبنان سيكون لها ارتدادات في الداخل الفرنسي بشكل كبير لأن ماكرون له أزمات داخلية وحاول الحصول على خرق خارجي ما، لكنه لم يوفق في الموضوع".

وانتقد "أبي نجم"، المواقف التي صدرت من الأطراف الداخلية حول تمسكهم بالمبادرة، قائلا: "أسخف ما يمكن سماعه أن من أفشلوا المبادرة متمسكين بها".

نكسة

من جانبه، رأى الكاتب والمحلل السياسي، قاسم قصير (مقرب من حزب الله) أن "فرنسا لا تزال مستمرة في جهودها لمعالجة الوضع اللبناني".

واعتبر قصير في حديثه للأناضول أن "ما سقط هو الاتفاق على تكليف الرئيس مصطفى أديب بتشكيل حكومة جديدة"، موضحا أن "هذا الشق هو الذي سقط الآن".

وقال: "هذا الأمر يقتضي الآن متابعة المبادرة أو توضيح ما حصل"، مؤكدا أن "المشكلة في أن المبادرة لم تكن واضحة في التفاصيل لذلك وقع خلاف في الرأي حيثُ عمد البعض إلى إفشالها".

وعن سبب إصرار فرنسا على إنجاح المبادرة مع سقوطها اليوم بعد اعتذار "أديب"، رد قصير: "فرنسا لديها مصالح اليوم مهمة واستراتيجية في لبنان سواء بحماية الوجود المسيحي، أو بسبب خوفها من تطور الدور التركي في المنطقة خصوصا في المتوسط، وبعض المصالح الاقتصادية في لبنان".

وشدد على أن "فرنسا تسعى جاهدة لأن يكون لها دور فاعل في لبنان ولاسيما مع تراجع الدور الأمريكي المباشر".

وعن تقييمه لما حدث اليوم بالنسبة لفرنسا، قال قصير: "لا شك أنها نكسة وما حصل نتيجة خلافات سياسية داخلية لبنانية وبسبب عدم وضوح المبادرة بتفاصيلها، لكن على الجميع البحث على حلول لإخراج البلاد مما هي عليه".

تسهيل المبادرة

بدوره، أوضح الكاتب والمحلل السياسي "جورج حايك"، أن ما حصل اليوم هو نتيجة عوامل خارجية وداخلية.

وقال "حايك": "العامل الخارجي كان طاغيا خصوصا في ظل شد الحبال القائم بين إيران وأمريكا، وسط رهانات إيرانية على فشل دونالد ترامب في الانتخابات المقبلة".

وتابع "حايك": "إيران تسعى لكسب الوقت وتعلي السقف في لبنان وأوعزت لحزب الله أن يتشدد في موضوع الحكومة".

وقال: "رغم مبادرة الحريري بقي حزب الله متمسكا بشروط حقيبة المالية لذلك كان معلوما رفض الحزب تسهيل المبادرة للأسباب المذكورة".

وعن قدرة الاستمرار في انعاش المبادرة الفرنسية، أوضح: "اليوم الأطراف اللبنانية وبالأخص الثنائي الشيعي غير مبالين للأوضاع التي تمر بها البلاد ويراهنون على الوقت".

محاولة إنعاش

من جهته، نعى الكاتب والمحلل السياسي "يوسف دياب" المبادرة الفرنسية، قائلا: "مع اعتذار أديب ماتت المبادرة الفرنسية لأن مقومات تشكيل الحكومة ضمن مهل محددة وقصيرة سبق وأن وضعها ماكرون سقطت".

ومضى شارحا: "أي محاولة لإنعاش مبادرة ماكرون لن يكتب لها النجاح خصوصا وأن أي رئيس حكومة لن يقبل بأي عملية تكليف سيعود إلى نفس المخاض الذي عاناه أديب".

وتصور "دياب" أن "كل الحلول باتت مقفلة حتى لو أعلن الفرنسي أن المبادرة قائمة".

واعتقد "دياب" أن "مقومات المبادرة الفرنسية انتهت وإنجاح أي مبادرة أخرى في الوقت الراهن غير متوفرة".

وقال: "حزب الله ومن خلفه إيران ليس من مصلحتهما تقديم أي تنازلات في موضوع الحكومة قبل تبلور صورة الانتخابات الأمريكية التي يُبنى عليها بالنسبة لهما".

واستطرد: "إذا كان هناك تنازلات سيقدمها الإيراني وحزب الله على طاولة التفاوض ستُقدم للأمريكي وليس للفرنسي".

وشدد "دياب" على أن "ماكرون خسر أوراقه من خلال إجهاض المبادرة وبالتالي هو لن ينعيها وربما سيبحث عن كبش فداء جديد أي رئيس جديد للحكومة".

وختم: "ما حصل مع ماكرون في الداخل اللبناني سيترتب عليه نتائج في فرنسا، وبالتالي سيسعى للحفاظ على ما تبقى له من ماء الوجه".

وواجه تشكيل الحكومة عقبات، إذ تمسك بحقيبة المالية الثنائي الشيعي "حركة أمل"، برئاسة نبيه بري، وجماعة "حزب الله" حليفة النظام السوري وإيران، المحور المعادي لإسرائيل حليفة واشنطن وبعض الأنظمة العربية.

وكان من المقرر أن تكون حكومة "أديب" -لو تشكلت- أن تخلف سابقتها برئاسة "حسان دياب"، التي استقالت في الـ10 من الشهر نفسه، بعد 6 أيام من انفجار كارثي في مرفأ العاصمة بيروت.

وتزامن التكليف مع زيارة تفقدية لبيروت، أجراها "ماكرون"، الذي تتهمه أطراف لبنانية بالتدخل في شؤون بلادهم الداخلية، ومنها عملية تشكيل الحكومة، في محاولة للحفاظ على نفوذ لباريس في لبنان.

المصدر | الأناضول

  كلمات مفتاحية

الحريري يؤكد أنه غير مرشح لتشكيل الحكومة اللبنانية

بن سلمان وماكرون يعيدان طرح الحريري لرئاسة الحكومة اللبنانية