بروس ريدل: السعودية اليوم تهديد خطير للمصالح الأمريكية

الثلاثاء 29 سبتمبر 2020 05:17 م

تعد المملكة العربية السعودية أقدم شريك لأمريكا في الشرق الأوسط. وتعود هذه العلاقة إلى عام 1943، عندما دعا الرئيس الأمريكي آنذاك "فرانكلين ديلانو روزفلت" ملك السعودية لإرسال بعض أبنائه إلى واشنطن لبدء حوار بين الولايات المتحدة والمملكة. وأرسل الملك الأمير "فيصل"، الذي أصبح فيما بعد الملك "فيصل".

وأبرم "فرانكلين روزفلت" الصفقة في اجتماع شهير في عيد الحب عام 1945 في مصر على متن السفينة "يو إس إس كوينسي" مع الملك "بن سعود" مباشرة.

ولطالما كانت الصفقة بسيطة للغاية بين الولايات المتحدة والسعودية؛ بحيث تحصل الولايات المتحدة على إمكانية الوصول إلى موارد الطاقة السعودية مقابل توفير الولايات المتحدة الدعم لأمن السعودية في الداخل والخارج.

ولقد كنت أتابع هذه العلاقة منذ عام 1977 عندما انضممت إلى وكالة الاستخبارات المركزية. ولقد شهدت صعودا وهبوطا. وكانت بعض الارتفاعات عالية للغاية، مثل عام 1991 في حرب الخليج، وكانت بعض الانخفاضات منخفضة بشكل غير عادي، مثل وقت الحظر النفطي عام 1973، وبالطبع، منذ 19 عاما من اليوم، مع هجوم 11 سبتمبر/أيلول.

لكننا في علاقة جديدة ومختلفة جذريا مع المملكة اليوم عن أي شيء آخر خلال الأعوام الـ75 الماضية. وشرعت السعودية اليوم، في عهد الملك "سلمان" ونجله "محمد بن سلمان"، ولي العهد، في سلسلة من السياسات الخارجية المتهورة والخطيرة، والأهم من ذلك أنها معادية لمصالح أمريكا الحيوية في الشرق الأوسط و فى العالم.

ويعد "بن سلمان" القوة الدافعة لهذه السياسات. لكن الملك "سلمان" يمنحها الشرعية ويعمل كغطاء جوي بالنسبة لأنشطة ولي العهد.

ولطالما كانت المملكة، على مدى عقود، دولة حذرة للغاية تتجنب المخاطر، وتفضل صرف الأموال على حل المشاكل وليس الموارد العسكرية، وتفضل التعامل من وراء الكواليس وليس في العلن.

ولقد تغير كل هذا بشكل كبير في الأعوام الـ 5 الماضية في عهد "بن سلمان". وأصبحت المملكة الآن غير متوقعة وغير منتظمة، وكما قلت سابقا، متهورة وخطيرة.

وسأركز بإيجاز على 3 مجالات سياسية بسرعة كبيرة توضح هذه النقطة فقط. وإلى حد بعيد تعد النقطة الأهم هي الحرب في اليمن. وتعتبر الحرب في اليمن اليوم أكبر كارثة إنسانية في العالم بلا شك. ويعاني الآلاف، بل عشرات الآلاف من أطفال اليمن، ولن ينجو الكثير منهم.

وبدلا من أن تصبح عاصفة سريعة وحاسمة، كما وصفها "بن سلمان" في البداية، تحولت إلى مستنقع يكلف المملكة ثروة طائلة يوميا.

وبدلا من طرد الحوثيين الشيعة الزيديين الموالين لإيران من العاصمة صنعاء ومدن أخرى، منحت الحرب إيران قاعدة على البحر الأحمر وعلى باب المندب.

وقد دفعت إيران مبالغ زهيدة مقابل هذه المكاسب. ولا يمكن بهذا أن يكون التناقض بين الإنفاق السعودي والإنفاق الإيراني في اليمن أكثر دراماتيكية.

وبدلا من أن تكون إيران محاصرة في هذه الحرب، فإن المدن السعودية والبنية التحتية النفطية السعودية هي التي تتعرض لهجمات منتظمة من قبل الحوثيين، وفي إحدى المرات من قبل الإيرانيين مباشرة بصواريخ كروز والطائرات بدون طيار. إنه حقا وضع مثير للدهشة أن نرى السعودية في هذا المكان.

واليوم، أعتقد أن المملكة أدركت خطأها أخيرا وبصورة متأخرة، وتريد بشدة إنهاء الحرب. زلقد طالبوا بوقفين لإطلاق النار، لكنهم لم يسحبوا قواتهم من الأراضي اليمنية، ولم يتخلوا عن دعمهم لقوات الرئيس اليمني "عبدربه منصور هادي".

ومن ناحية أخرى، يبدو أن الحوثيين ليسوا في عجلة من أمرهم في الحرب. ومن الواضح بشكل متزايد أن الشيعة الزيديين يعتقدون أنهم ينتصرون في الحرب وأنهم على وشك النصر الكامل.

وتعد هذه الحرب بالكامل من صنع "محمد بن سلمان". فقد اندفع إليها قبل نحو 5 أعوام في حالة من الذعر مع عدم وجود خطة نهائية في الأفق، ومع عدم وجود استراتيجية، وبدون حلفاء مهمين، وأهمهم الباكستانيون والعمانيون، الدول الأكثر نفوذا في كيفية إنهاء هذا الصراع.

وهو الآن يائس للعثور على كبش فداء لخطئه. وهو يعلم أن هناك عناصر مهمة في العائلة المالكة تلومه على هذا المستنقع. وقد أقال للتو قائد القوات السعودية في اليمن بزعم تلقيه رشوة.

وغادر ساحة المعركة الشركاء العرب الآخرون الذين اعتمد عليهم السعوديون في بداية الحرب، وأبرزهم الإماراتيون، ولكن أيضا الأردنيون والبحرينيون وغيرهم.

لقد تخلوا عن الحرب بشكل أساسي، واستمر الإماراتيون في بعض النفوذ المتبقي، لكنهم أقل مشاركة بكثير مما كانوا عليه في السابق.

وفقط الولايات المتحدة الأمريكية، وبدرجة أقل المملكة المتحدة، تواصل تقديم هذا النوع من الدعم الذي يسمح لهذه الحرب بالاستمرار.

ومن الضروري أن نفعل شيئا حيال ذلك. لقد تركتنا الحرب مرتبطين بكارثة إنسانية وبنتائج تلك الكارثة. لقد وضعنا أنفسنا في موقف نكون فيه حليفا للسعودية في حملة قاتلة ضد أفقر دولة في العالم العربي. ويجب على الولايات المتحدة أن تتخذ خطوات فورية لوقف أي دعم للحرب.

وأود أن أوصي بسحب معظم أو كل القوات الأمريكية داخل السعودية اليوم، وتقليص برامج التدريب، وعدم بيع أسلحة جديدة للمملكة، ولكن الأهم من ذلك، تعطيل السلاسل اللوجستية لمبيعات الأسلحة المستمرة.

وتوفر الولايات المتحدة نحو ثلثي الطائرات في سلاح الجو الملكي السعودي، بينما تقدم المملكة المتحدة الثلث الآخر.

حرفيا، إذا قطعنا نحن والمملكة المتحدة الدعم اللوجستي، فسيتم إيقاف سلاح الجو الملكي السعودي. وهذا هو مقدار تأثيرنا. وهذا هو مقدار المسؤولية التي لدينا.

أما المسألة الثانية التي أود أن أذكرها بإيجاز أكثر قليلا، فهي حصار قطر، الذي بدأ عام 2017. وكانت السعودية والإمارات والبحرين قد أعلنت قطع جميع الاتصالات وجميع العلاقات الدبلوماسية مع دولة قطر وإغلاق حدودها المشتركة معها وإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات من وإلى قطر.

ولقد أضر هذا بشكل كبير بمجلس التعاون الخليجي. وكانت الولايات المتحدة اللاعب الرئيسي في إنشاء مجلس التعاون الخليجي في الثمانينيات في عهد الرئيس الأمريكي "رونالد ريجان"، لاحتواء النفوذ الإيراني في الخليج العربي.

ويعد مجلس التعاون الخليجي اليوم منظمة أضعف بكثير. وأصبح المجلس منقسما بشكل أساسي. وتقف قطر وحدها وتدعمها تركيا. وتدخل البحرين والسعودية والإمارات في تحالف واحد يدعمه المصريون. وتقف الكويت بمفردها في محاولة للتظاهر بأنها لا علاقة لها ببقية دول المجلس، وقد أعلنت عُمان حيادها كما فعلت لأعوام عديدة.

وأمضت الولايات المتحدة أعواما عديدة في محاولة لبناء هذه المنظمة ومحاولة دمج الجيوش والأجهزة الأمنية في دولها الأعضاء.

ومن الصعب معرفة مدى الضرر الشديد الذي لحق بهذه العلاقات، ولكن لا شك في أن الضرر كبير. فمن هو المستفيد من هذا؟ مرة أخرى، إنهم الإيرانيون. ومثلما أفادت حرب اليمن الإيرانيين، فإن تفكك مجلس التعاون الخليجي يفيد الإيرانيين.

وليس هناك نهاية في الأفق لهذا أيضا. ولقد تحدثت إلى مسؤولين في وزارة الخارجية هذا الأسبوع يشاركون باهتمام شديد في محاولة إنهاء الحصار، وهم لا يرون أي مؤشر على أي تقدم.

ولقد حان الوقت لأن تتخذ الولايات المتحدة إجراءات أكثر قوة وتضغط على السعودية والإمارات والبحرين لإنهاء حصار قطر.

وأخيرا، ولن أقول الكثير عن هذا الأمر لأن الدكتورة "أجنيس كالامارد" تحدثت عنه أكثر مما أستطيع، فهي مسألة قتل واعتقال منتقدي ولي العهد. ويعد "جمال خاشقجي" المثال الأساسي هنا، لكن كانت هناك محاولات أخرى ضد نقاد آخرين، وجهود أخرى لخنق المعارضة. ويأتي كل هذا في سياق واحدة من أسوأ فترات القمع الذي شهدناها في تاريخ المملكة في الداخل.

وأود أن أسلط الضوء على اعتقال ولي العهد السابق "محمد بن نايف" في مارس/آذار. لقد قاد "بن نايف" المعركة ضد القاعدة في السعودية. وهو يستحق ثناء هائلا لهزيمة القاعدة داخل المملكة والتعامل معها خارج المملكة أيضا.

لكن أن يكون هذا الرجل اليوم رهن الاعتقال ومتهم بالفساد لهو أمر خطير للغاية. وأخشى على صحته. كما أخشى على حياته.

ولم يكن للسعودية أبدا سجل جيد في مجال حقوق الإنسان، ولم تكن أبدا نموذجا يحتذى به في حقوق الإنسان، ولا سيما المساواة بين الجنسين. لكنها لم تكن في الماضي تقوم بأعمال الاغتيالات المستهدفة في الخارج. هذه عتبة جديدة تماما، ومرة ​​أخرى، كان "محمد بن سلمان" هو الذي يقود هذا الانحراف. ومن جديد فإن الولايات المتحدة متورطة الآن في هذا بشكل كامل.

والآن، أختتم حديثي بالقول إن السعودية اليوم تشكل خطرا على الولايات المتحدة أكثر من كونها حليفا.

المصدر | بروس ريدل - بروكينجز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات السعودية الأمريكية بروس ريدل حرب اليمن

كتاب الدم والنفط يكشف خداع بن سلمان لوالده حول حرب اليمن

نيويورك تايمز: كيف نستطيع فهم ألغاز التحالف الأمريكي السعودي؟

معهد إسرائيلي: هكذا تستطيع السعودية كسب بايدن