ناقلة صافر.. هكذا يستخدم الحوثيون التهديد بكارثة مروعة لتحقيق مكاسب سياسية

الأربعاء 7 أكتوبر 2020 03:20 م

يعتبر تعريف "ألبرت أينشتاين" للجنون على أنه "فعل الشيء نفسه مرارًا وتكرارًا وتوقع نتائج مختلفة"، مطابقا لما عليه العالم العربي الذي يمر بحلقة مفرغة من الكوارث، ما يتسبب في خسائر فادحة للمدنيين، ومع ذلك، فإن هذه المآسي تنطلق من نفس المشكلة: التعامل مع أي موقف بمعادلات صفرية.

يتكرر "الجنون السياسي" الذي أدى إلى تفجير بيروت في أغسطس/آب على نطاق أوسع من قبل الحوثيين في اليمن، حيث يستخدمون التهديد الوشيك بحدوث تسرب نفطي كارثي من "خزان صافر" وهو سفينة نفط مهجورة ومتحللة مع حمولة بحوالي 1.14 مليون برميل من النفط الخام لا تزال على متنها، في البحر الأحمر للابتزاز ودعم نفوذهم السياسي.

أصبح النفط، الذي تقدر قيمته بحوالي 70 مليون دولار أمريكي، نقطة خلاف في المفاوضات بين الحوثيين والحكومة اليمنية، وكلاهما أكد مطالباتهما بالشحنة والسفينة.

في يوليو/تموز الماضي، وصفت الأمم المتحدة التسرب النفطي المحتمل بأنه أكبر بأربع مرات من التسرب النفطي "إكسون فالديز" في 1989 في ألاسكا.

في الشهر التالي، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة "ستيفان دوجاريك" إن "الأمين العام يدعو إلى إزالة أي عقبات أمام الجهود اللازمة للتخفيف من المخاطر التي تشكلها ناقلة صافر دون تأخير".

كانت ناقلة النفط دون مراقبة منذ مارس/آذار 2015، عندما سيطر الحوثيون على الساحل المحيط بمرساها في البحر الأحمر، قبالة شواطئ مدينة الحديدة اليمنية، وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، رفض الحوثيون وصول الأمم المتحدة لتفقد ناقلة النفط المتدهورة.

حتى إن الحوثيين ذهبوا إلى أبعد من ذلك من خلال التهديد باستهداف السفينة إذا تمكن المجتمع الدولي من الوصول إلى "صافر" دون إذنهم، وذلك وفقًا لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية.

تشير مثل هذه الخطوة إلى نية الحوثيين في الحفاظ على الوضع الراهن، على أمل أن تنظر إليهم الدول الأخرى كلاعب رئيسي في المنطقة عندما يتم جلبهم إلى طاولة المفاوضات جنبًا إلى جنب مع القوى المتناحرة.

يمكن أن يؤدي تسييس الحوثيين للقضية، إلى جانب سياسة الاستخفاف التي تتبناها الدول المجاورة والمجتمع الدولي، في النهاية إلى حدوث انفجار و/أو تسرب نفطي على نطاق واسع بما يكفي لتدمير النظم البيئية بأكملها في البحر الأحمر لعقود، ويمكن أن يلحق ذلك الضرر بجميع البلدان التي تشترك في ساحل البحر الأحمر، ناهيك عن التأثير المميت على 28 مليون شخص يعتمدون على هذه النظم البيئية في معيشتهم.

بصرف النظر عن الضرر البيئي الكبير الذي قد يسببه تسرب النفط، فمن المرجح أن تتأثر التجارة العالمية بشدة، في مثل هذا السيناريو، سيؤدي تسرب النفط إلى إغلاق ميناءي الحديدة والصليف، على بعد 50 كيلومترًا فقط من موقع "صافر"، وهذا بدوره سيعرقل حركة التجارة العالمية وكذلك المساعدات الإنسانية التي يتم تسليمها لملايين اليمنيين.

انتهت صلاحية السفينة البالغة من العمر 44 عامًا نظرًا لأن العمر التشغيلي للناقلات البحرية التي تماثلها يبلغ 25 عامًا فقط، والآن، تسربت مياه البحر إلى السفينة بينما من المحتمل أن تكون الغازات المنبعثة شديدة الاشتعال قد تراكمت في غرف الاحتجاز، وبعد حدوث تسرب في نظام التبريد، دخلت المياه غرفة الماكينات، ما دفع مجلس الأمن إلى عقد اجتماع خاص في يوليو/تموز.

ولكن الأسوأ من ذلك، أنه وسط تعقيد الحرب في اليمن، فإن مجرد رصاصة طائشة من تبادل إطلاق النار بين الفصائل المتناحرة يمكن أن تؤدي إلى انفجار مدمر لـ"صافر"، ويمكن مقارنة الانفجار الذي سيحدث بحجم انفجار ميناء بيروت، مع تداعيات أكثر كارثية تتعلق بنطاق تسرب أوسع، في الواقع، يتميز النفط الموجود على ظهر السفينة بخصائصه الخفيفة التي يمكن أن تنتشر وتصل شمالًا إلى قناة السويس في مصر.

يشار إلى أنه تم نقل النفط الخام المنتج في مأرب إلى الناقلة - عبر خط الأنابيب الملحق بها - ليتم تخزينه للتصدير، ومع ذلك، لم تكن هناك صادرات نفطية من الخزان منذ عام 2015، وتم تخزين محتواه منذ ذلك الحين.

كان هناك تقدم في شهر يوليو/تموز الماضي بعد أن توصل مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع إلى اتفاق مع الحوثيين لإرسال فريق من مفتشي الأمم المتحدة لإجراء تقييمات أولية وإصلاحات محتملة للسفينة، كما تطرقت المحادثات إلى التعاقد مع مقاول تجاري لإجراء إصلاحات أكثر شمولاً والاستعداد لاستخراج النفط الخام.

وكان من المقرر أن تخضع العملية لإشراف الحوثيين ومكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع وأن تنطلق في الأسبوع الثالث من شهر أغسطس/آب الماضي، لكن الحوثيين تباطؤوا مرة أخرى ولم يتم اتخاذ أي إجراء بعد.

وينظر الحوثيون إلى إبقاء المجتمع الدولي تحت تهديد مستمر لوقوع كارثة بيئية كاستراتيجية يمكن أن تحقق العديد من المكاسب، حيث تستهدف الميليشيا ممارسة أكبر قدر ممكن من الضغط لتسليط مزيد من الضوء الدولي على اليمن وحركتهم، وستكون هذه ورقة مساومة قيمة خلال محادثات السلام الأوسع نطاقاً مع الأمم المتحدة والجانب السعودي والإماراتي.

وسواء نجحت هذه الاستراتيجية أم لا، فلا يزال بإمكان الحوثيين اللعب بورقة رابحة أخرى، وإذا لم ينجح أسلوب الضغط، فسيتعاون الحوثيون في النهاية مع الأمم المتحدة أو كيان آخر لحل المشكلة.

وفي تلك المرحلة، يأمل الحوثيون في أن يتم تصويرهم على أنهم منقذون وأن يحصلوا على إشادة إقليمية ودولية لمنع وقوع كارثة بشرية وبيئية، ومن المرجح أن يتم مكافأتهم على هذا التعاون.

وفضلا عن ذلك، فإن القلق الدولي بشأن التداعيات البيئية يسمح أيضًا للحوثيين بتأطير المجتمع الدولي على أنه أكثر اهتمامًا بالضرر الذي يلحق بالنظام البيئي أكثر من اهتمامه بالشعب اليمني، وهذا بدوره يغذي هدف الحوثيين لاكتساب المزيد من الشعبية في الداخل كحركة مقاومة.

ويحاول الحوثيون مواجهة محاولات تجفيف مواردهم المالية التي يستخدمونها في الحرب، حيث يمنع كل من التحالف الذي تقوده السعودية والحكومة اليمنية دخول الوقود إلى الحديدة، ولا شك أن هذا يؤثر على الحوثيين ولكن أيضًا على اليمنيين العاديين الذين يدفعون الثمن الأكبر.

كما ينظر الحوثيون إلى الأمم المتحدة على أنها جزء من المشكلة ويعتبرون المنظمة شريكًا غير جدير بالثقة فشل في منع التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات من تدمير اليمن.

وقال "حسين البخيتي"، وهو صحفي مؤيد للحوثيين، لـ"الجزيرة الإنجليزية": "الحصار الذي فرضه التحالف بقيادة السعودية يمنع عمال الصيانة من أداء عملهم على السفينة".

وأضاف "البخيتي" أن "الغاز تراكم والسفينة بأكملها على وشك الانفجار.. لهذا السبب نحن ندعو الأمم المتحدة لإحضار فريق معروف، لأنهم إذا أحضروا أي شخص بدون خبرة، وحدث شيء سيئ هناك، وانفجرت السفينة، فأنا متأكد من أن الأمم المتحدة ستلقي باللوم على الفور على الحوثيين".

إن إلقاء اللوم على كل من السعودية والأمم المتحدة في مأساة محتملة يحمل في طياته طلبًا ضمنيًا من جانب الحوثيين، للسعودية لإنهاء حصارها، وللأمم المتحدة للعمل بشروط الحوثيين ومنح المزيد من الامتيازات للميليشيا.

في الواقع، يمكن أن يؤدي تعاون الحوثيين مع الأمم المتحدة إلى حل وسط مربح للجانبين، لأن تحميل الحوثيين المسؤولية عن مثل هذه الكارثة سيكلفهم الكثير من المصداقية والتعاطف بين مؤيديهم في الداخل والخارج.

لا ترغب السعودية في الدخول في حوار مباشر مع الحوثيين، ومع ذلك، يجب أن تنظر إلى مرحلة ما بعد الحرب لتجنب الدمار الذي قد يهدد أمنها القومي، وليس من مصلحة أي جهة في المنطقة حدوث أي تصعيد في الحرب حيث يمكن أن يخرج هذا التصعيد عن السيطرة.

بالإضافة إلى ذلك، يجب على الأمم المتحدة، بمساعدة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والدول المجاورة، أن تعرض تغطية تكاليف تقييم وتأمين السفينة بالإضافة إلى نفقات استخراج النفط.

بشكل عام، لا جدوى من إصلاح السفينة إذا كانت قيمة النفط والخردة المعدنية أقل من تكلفة أعمال الترميم المطلوبة، ويجب بيع النفط الخام الموجود على ظهر السفينة وتقسيم الإيرادات بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا والحوثيين.

وقال "عبدالغني الإرياني"، وهو باحث أول في مركز صنعاء: "إذا منح الحوثيون الإذن باستخراج النفط، فيمكنهم استخدامه لمحطة توليد الكهرباء في الحديدة".

سيتعين على الحوثيين عاجلاً أم آجلاً، التعاون مع الأمم المتحدة، لأنهم لن يكونوا قادرين على تجنب اللوم على التسبب في كارثة مروعة واسعة النطاق، والتي من المؤكد أنها ستعني نهاية الميليشيا.

وبشكل عام، يحتاج العالم العربي إلى اجتثاث فكرة المواجهات الصفرية الراسخة منذ فترة طويلة، وبدلاً من ذلك، اعتماد حلول وسط مربحة للجانبين لتجنب المزيد من التصعيد الذي يأتي بنتائج عكسية دائمًا بينما يدفع السكان الأبرياء الثمن.

المصدر | محمد منصور | إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

حرب اليمن الحوثيون خزان صافر

6 دول عربية تحذر من كارثة بسبب ناقلة صافر النفطية

الحوثيون: 99% من محطات الوقود متوقفة بسبب التحالف

خزان صافر اليمني ينذر بكارثة في 100 جزيرة بالبحر الأحمر

الحوثيون يوافقون على بعثة أممية لفحص الناقلة صافر