هآرتس: السيسي كلف نجله بقمع الاحتجاجات بطريقة لا تفسد الانتخابات البرلمانية

الاثنين 12 أكتوبر 2020 12:33 م

أنهت 5 رصاصات من مسدس ضابط شرطة حياة "عويس الراوي" من قرية العوامية بمحافظة الأقصر جنوبي مصر، ومع إن والده وجيرانه هرعوا لمساعدته وحملوه في سيارة لنقله إلى المستشفى، إلا أنه توفي في الطريق.

وكان كل ما أراده هو إطلاق سراح شقيقه الأصغر، الذي كانت الشرطة قد اعتقلته.

واحتجزت الشرطة جثة "الراوي" لعدة ساعات، لاستخدامها كورقة مساومة مع القرويين للإفراج عن 3 من أفراد الأمن الذين اختطفوا خلال مظاهرات في القرية في 20 سبتمبر/أيلول.

ولا يُعتقد أن "الراوي" كان من بين الخاطفين، لكن الشرطة اشتبهت في أنه كان على علم بخطة الاختطاف لأنه شجع على مواقع التواصل الاجتماعي متابعيه على الاحتجاج على النظام.

وقال الجيران للصحفيين إن "الراوي" رجل عادي يذهب ببساطة إلى العمل ويعود إلى المنزل وينتظر ولادة طفله الثالث، وكان يعمل في المستشفى الدولي في الأقصر وبالكاد يلبي احتياجاته.

وهناك الملايين من المصريين في وضع مماثل، فوفقًا للبنك الدولي، يعيش أكثر من 60% من سكان البلاد البالغ عددهم 100 مليون نسمة تحت خط الفقر.

وتقول الحكومة إن هذا الرقم مرتفع للغاية، لكنها تحدد خط الفقر كما تشاء.

ولا تهم الإحصائيات الدقيقة الناس الذين يدركون وضعهم جيدًا؛ ففي نهاية المطاف، هم الذين يتحملون تكاليف سياسة الرئيس "عبدالفتاح السيسي"، مثل أسعار الغاز التي ارتفعت بشكل حاد بعد إلغاء دعم الوقود، والتكلفة المتصاعدة لمترو الأنفاق، وتكلفة الأدوية التي قفزت بشكل كبير حتى قبل انتشار الفيروس التاجي (كورونا)، وتكلفة الخدمات الطبية الحيوية نظرًا لضعف خدمات الصحة العامة.

الاحتجاجات تمتد إلى الريف

في 20 سبتمبر/أيلول، اهتزت مصر بالاحتجاجات التي اندلعت في المناطق الريفية، للمرة الأولى.

ويعتبر ذلك تاريخا مهم بالنسبة لمصر، لأنه في 20 سبتمبر/أيلول من العام الماضي، اندلعت احتجاجات حاشدة في أعقاب مقاطع فيديو نشرها رجل الأعمال والممثل "محمد علي" حول فساد الجيش والرئيس وعائلته، وخرجت حشود ضخمة إلى الشوارع مطالبة بتنحي "السيسي" وتطهير الجيش.

قال "محمد علي" إن "السيسي" بنى لنفسه قصورًا فخمة في العاصمة الإدارية الجديدة التي تم بناؤها بجوار القاهرة، وإن القادة العسكريين يتلقون رشاوى ضخمة من مشاريع بملايين الدولارات، وإن الأموال التي من المفترض أن تذهب للخدمات العامة يصرفها مساعدو الرئيس.

لا شيء من هذا كان جديدًا على المصريين، لكن لم يكن هناك وقت آخر حظيت به هذه الظاهرة بمثل هذا الاهتمام.

تم اعتقال أكثر من 4 آلاف شخص آنذاك، من بينهم صحفيون ومحامون وناشطون سياسيون، بتهم انتهاك قانون التظاهر والإضرار بالأمن القومي والانتماء لجماعة إرهابية (أيّ الإخوان المسلمون).

صُدم النظام بنطاق الاحتجاجات، التي كانت الأكبر منذ انتخاب "السيسي" رئيسًا في عام 2014، وحوسب كبار مسؤولي المخابرات على سوء التعامل مع التظاهرات.

ويقول النظام هذه المرة أيضًا إن "الإخوان المسلمون" هم من يقف وراء الاحتجاجات، وبالتالي فإن الحكومة ناقضت نفسها. فمن ناحية، تدعي أنها قمعت "الإخوان المسلمون"، ومن ناحية أخرى تقر بأن الحركة لا تزال قادرة على جلب الحشود إلى الشوارع.

تكلفة عصيّة المنال

بالرغم أن المظاهرات هذه المرة كانت أصغر بكثير إلا أن مشاركة المصريين الريفيين سلطت الضوء على طبيعة التهديد الجديد.

كان سبب الاحتجاجات هذه المرة هو قانون جديد يقضي بدفع غرامات لتجنب هدم المنازل المخالفة للقانون.

وكان هناك قانون أكثر قسوة تم تمريره في عام 2017 ينص على أن جميع أعمال البناء غير القانونية سيتم هدمها تماشياً مع سياسة النظام بعدم التسامح مطلقاً مع البناء غير القانوني وخطته لنقل الناس من الأحياء الفقيرة والمنازل المؤقتة.

ولكن، تحت الضغوط العامة، تم تعديل هذا القانون ليقول إنه يمكن دفع غرامة تتراوح من 125 إلى 5 آلاف جنيه مصري (318 دولارًا) للمتر المربع، لكن هذا المبلغ يصعب الحصول عليه غالبًا بالنسبة للناس.

لا تستهدف هذه القوانين فقط كبار رجال الأعمال والحيتان العقارية، فقد أضرت إلى حد كبير بالأشخاص ذوي الأجور المنخفضة من أصحاب العائلات كبيرة العدد والذين انتقلوا إلى المدن منذ عقود ثم قاموا بتوسيع منازلهم دون تصريح.

امتصاص الأموال

ويعتبر هذا القانون استمرارا لقرار الحكومة بتجميد بناء المنازل الخاصة الجديدة لمدة 6 أشهر، حيث يجب خلالها على المالكين تقديم خطط عمل تتوافق مع قانون البناء الجديد والحصول على الموافقة.

ظاهريًا؛ يبدو أن هذا قرار ثوري يهدف إلى تنظيم صناعة البناء واستعادة بعض الأراضي التي فقدتها الدولة بسبب البناء غير القانوني.

لكن المصريين ينظرون إلى الخطة على أنها مجرد وسيلة أخرى لامتصاص الأموال من الناس وممارسة السيطرة المباشرة على ممتلكاتهم.

ومما زاد من هذا الشعور تقييم البرلمان أن الحكومة يمكن أن تجمع 300 مليار إلى 500 مليار جنيه مصري (32 مليار دولار) من الغرامات ورسوم البناء وحدها، وأن الحكومة ستزيد الإيرادات الضريبية لأنها ستمتلك معلومات محدثة عن أصحاب المنازل وحجم ممتلكاتهم.

ليست المصادرة القسرية للممتلكات بالأمر الجديد على المصريين، حيث حدث ذلك في عهد "جمال عبدالناصر"، الذي أخرج أيضًا آلاف المصريين من منطقة سد أسوان، ووعدهم زورًا بأنهم يستطيعون العودة عند اكتمال بناء السد.

كما أن عهد "السيسي"، شهد "لأسباب أمنية"، إجبار آلاف الأشخاص بالقرب من حدود غزة على مغادرة منازلهم -التي هُدمت بعد ذلك- وطُلب منهم الانتقال إلى العريش ومدن سيناء الأخرى، وحصلوا على تعويضات ضئيلة للغاية.

مثل هذه التحركات أضرت بثقة الجمهور في الحكومة، وأصبح الشعب لا يصدق وعود الرئيس الآن.

"السيسي" يوجه التهديدات

في مقال على موقع "مدى مصر"، يوجز الباحث والصحفي المصري "علي الرجّال" الاختلافات بين عهدي "مبارك" و"السيسي" في هذا الصدد.

ويقول إن انتهاكات البناء والطريقة التي تم تجاهلها بها في عهد الرئيس "حسني مبارك" كانت جزءًا من العقد الاجتماعي الذي نشأ بين حكومة غير قادرة على حل مشكلة نقص المساكن والجمهور الذي لم يكن أمامه خيار سوى البناء المؤقت.

صحيح أنه في عهد "مبارك" أيضًا، ازدهر الفساد واستفاد كبار المقاولين من الافتقار إلى التنظيم، لكن برنامج "السيسي" الذي يتم تنفيذه بعنف لا يقدم حلولًا.

فلا أحد يعرف إلى أين سيذهب ملايين الأشخاص الذين دمرت منازلهم وكيف سيكسبون عيشهم، وفي نهاية المطاف، توجد غالبية هذه المباني في المدن الكبرى، وإذا أُجبر هؤلاء الأشخاص على المغادرة إلى الريف، فلن يكون لديهم وسيلة لإعالة أنفسهم.

تظهر الأرقام الحكومية أن 100 ألف فقط من أصحاب المنازل تقدموا بطلبات للحصول على الموافقة حتى الآن، وهو رقم أقل بكثير من توقعات الحكومة.

أثار ذلك غضب "السيسي"، وألقى في 27 سبتمبر/أيلول خطابًا غاضبًا حذر فيه من أن الحكومة ستستخدم جميع الوسائل لتنفيذ البرنامج.

كما هدد المسؤولين الذين يتعين عليهم تنفيذ القانون بأن "أي شخص لا يحترم الإرشادات سوف يرحل".

تلا ذلك ردود فعل عاصفة، لذلك أطلقت الحكومة في اليوم التالي سراح 68 طفلاً تم اعتقالهم للاشتباه في مشاركتهم في المظاهرات، لكن كثيرين آخرين ظلوا رهن الاحتجاز.

ندد "السيسي" في وقت لاحق بالاحتجاجات واستغل الأزهر لدعم الخطة. وتشهد علاقات الرئيس مع الأزهر توترات بسبب محاولات "السيسي" لتقويض التوازن الهش بين الدين والدولة.

ومع ذلك قال الأزهر في بيان إنه "يتابع الحركات الهدامة التي تستهدف زعزعة النظام العام والنيل من أمن مصر الحبيبة ونشر الفوضى وتعطيل مناخ التنمية والاستثمار"، وقد أدلى بتصريحات مماثلة عن متظاهري الربيع العربي في عام 2011.

لكن "الأناركيين" ليسوا اختراعًا إسرائيليًا، وحجم التظاهرات لا يعكس بالضرورة نطاق ضيق الناس وإحباطهم وغضبهم.

تم تكليف نجل الرئيس، العميد "محمود السيسي"، بقمع الاحتجاجات، لكن يجب أن يفعل ذلك بطريقة لا تفسد الانتخابات البرلمانية التي من المقرر أن تبدأ هذا الشهر وتستمر أسبوعًا في نوفمبر/تشرين الثاني.

أشادت البنوك الأجنبية بـ"السيسي"، وزادت احتياطيات مصر من العملات الأجنبية في العام الماضي واستقر الجنيه إلى حد ما. لكن مصر لا تزال بحاجة إلى قروض من صندوق النقد الدولي، حيث تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 5 مليارات دولار، ولا تزال السياحة مجمدة، كما أن إنتاج الغاز الطبيعي من حقل "زهر" الضخم لم يضخ الأموال بعد إلى خزائن الدولة.

لن تشكل المظاهرات التي أحرقت فيها صور "السيسي" ودعته إلى الاستقالة تهديدا لنظامه، لكنها تثير قلق المستثمرين المحليين والأجانب.

وفي المجال السياسي، يمكن لـ"السيسي" الاعتماد على الانتخابات لمنحه برلمانًا مطيعًا لا يختلف عن البرلمان الأخير، لكن شرعية المجلس التشريعي تعتمد على إقبال الناخبين.

وإذا كان إقبال الناخبين في انتخابات عام 2015 ضئيلًا ومخزيًا، حيث وصل إلى 10% في مناطق معينة، فإن الاحتجاجات هذه المرة يمكن أن تقوض شرعية البرلمان أكثر.

يحاول "السيسي"، الذي تعرض لانتقادات في الخارج بسبب قمع خصومه، تهدئة الأمور. فقد عرض تعويضات على العائلات التي أخرجت من منازلها، وأمر بالطوب الفخاري لمشاريع الدولة على الرغم من كونها أقل من الطوب الإسمنتي.

ويقوم "السيسي" بذلك لأن معظم الإنتاج يتم في المنطقة الصناعية بالجيزة، حيث اندلعت مظاهرات عاصفة، ووفقًا لبعض المعلقين المصريين، فإن "السيسي" قد يؤجل تطبيق قانون البناء الذي يؤجج الشوارع.

لكن هذا لن يكون سوى فترة راحة في حملة الحكومة للسيطرة على مصر ثانية.

المصدر | زفي بار إل - هآارتس - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

عويس الراوي مصر عبدالفتاح السيسي مظاهرات غرامات مخالفات البناء محمد علي مبارك

"الثورة بدأت".. مظاهرات مستمرة بمصر للمطالبة برحيل السيسي

التايمز: كورونا وتكنولوجيا المراقبة ساعدا الطغاة على قمع الاحتجاجات