رغم دعمها لسد النهضة.. الصين تواصل توسيع استثماراتها الضخمة في مصر

الأربعاء 14 أكتوبر 2020 08:41 م

كانت مصر والصين مهد حضارتين عظيمتين. وكانت مصر أول دولة عربية أفريقية تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين في 30 مايو/أيار 1956.

ومنذ ذلك الحين حافظت الدولتان على علاقات ودية مع بعضهما البعض. وتسبب الربيع العربي عام 2011، والإطاحة بالديكتاتور "حسني مبارك"، في أزمة سياسية واقتصادية في القاهرة. وتواصل الحاكم الجديد للبلاد آنذاك "محمد مرسي"، مع الصين لإقامة علاقات أوثق لمواجهة النفوذ الأمريكي في البلاد.

وتوطدت العلاقة بعد قدوم "عبد الفتاح السيسي". وفي عام 2014، تم الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى شراكة استراتيجية شاملة في زيارة "السيسي" لبكين.

كما أدت الزيارة إلى زيادة العلاقات في مختلف الشؤون الدولية والإقليمية، مع التركيز على مشاريع البنية التحتية والتجارة.

ثم واصلت الصين جهودها لتصبح أكبر شريك لمصر مع توتر علاقات إدارة "أوباما" مع القاهرة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.

وكانت مصر أحد الأعضاء المؤسسين للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية. وزار رئيس مجلس الدولة الصيني مصر عام 2016 وتوصل إلى برنامج تنفيذي مدته 5 أعوام بشأن تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة، ووقع مذكرة تفاهم بشأن مشروع "الحزام والطريق".

وفي اجتماع بين "السيسي" ووزير الخارجية الصيني "وانج يي"، في يناير/كانون الثاني 2020، دعا كلاهما إلى الارتقاء بالشراكة الاستراتيجية إلى مستوى أعلى.

مجالات التعاون البارزة

وكانت العلاقات بين مصر والصين اقتصادية في المقام الأول، مع استثمارات صينية واسعة النطاق في البنية التحتية بمصر.

ووصلت التجارة الثنائية بين البلدين إلى 5.2 مليار دولار في الأشهر الـ7 الأولى من عام 2020 وسط التباطؤ الاقتصادي الناجم عن الوباء.

وتصدر الصين بشكل رئيسي المنتجات الكهربائية والصلب إلى مصر، بينما تصدر مصر المنتجات الزراعية بشكل رئيسي إلى الصين.

وينمو التعاون التجاري والاقتصادي الثنائي بسرعة كما أن هناك توافقا كبيرا بين "رؤية مصر 2030" ومبادرة "الحزام والطريق" الصينية. 

استثمارات صينية في مصر

ونفذت الصين بعض مشروعات البنية التحتية الكبرى التي تلعب دورا حيويا في خطط الإنعاش الاقتصادي في مصر.

ومن أهم المشاريع إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة على بعد 45 كم شرق القاهرة. ومن المفترض أن يوفر هذا المشروع مساكن لنحو 5 ملايين شخص وآلاف الوظائف للسكان.

وقدمت الصين المساعدة منذ البداية في عام 2015 من خلال توقيع مذكرة تفاهم من قبل هيئة التعاون الهندسي الحكومية الصينية، خاصة بشأن بناء المباني الوزارية.

وفي عام 2016، وافقت شركة "تنمية الأراضي الصينية" على استثمار 20 مليار دولار أمريكي في مصر على مدى 10 أعوام.

ويتضمن استثمار الشركة في منطقة الأعمال المركزية بناء 20 برجا، من المفترض أن يبلغ ارتفاع أطول برج فيها 385 مترا، وسيكون هذا البرج الأطول في أفريقيا. 

ويعد تطوير المنطقة الاقتصادية لقناة السويس في مصر مشروعا ضخما آخر. وتقع منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر بالقرب من قناة السويس، على بعد نحو 120 كم شرق القاهرة.

وتم إطلاق المشروع عام 2008، وجرى توسيعه في عام 2016. وتعد هذه القاعدة الصناعية الدولية جزءا حيويا من مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، وستوفر عددا لا بأس به من الوظائف.

وتشمل المرحلة الأولى عند اكتمالها 84 شركة، وهي الآن في مرحلتها الثانية، حيث سيتم جذب 150 شركة أخرى حسب تخطيط المشروع.

وكانت البنية التحتية للموانئ في مصر عامل جذب رئيسي للمستثمرين الصينيين، بدءا من الاستحواذ على حصة 50% من ميناء الأسكندرية بواسطة موانئ "هوتشيسون" عام 2005.

وكان الهدف من الصفقة تشغيل وإدارة محطتي حاويات في مينائي الأسكندرية والدخيلة. واستحوذت شركة "كوسكو باسيفيك" المملوكة للدولة الصينية على حصة 20% لتشغيل محطة حاويات قناة السويس في ميناء شرق بورسعيد عام 2008.

ووفقا لوكالة "شينخوا" الصينية، ففي عام 2018، بدأت شركة "تشاينا هاربور" في إنشاء المرحلة الرئيسية لحوض جديد في ميناء العين السخنة.

وفي أغسطس/آب 2019، وقعت مصر مذكرة تفاهم مع موانئ "هاتشيسون" لإنشاء محطة حاويات متوسطة في أبو قير.

ومن المتوقع أن تتحمل هذه المحطة ما يصل إلى مليون حاوية سنويا وتوفر فرص لأكثر من 1500 مصري بمجرد تغطية جميع المراحل. 

بالإضافة إلى ذلك، مولت الصين أيضا مشاريع نقل مختلفة، تشمل قطارات عالية السرعة. وكان آخرها القطار الكهربائي بين مدينة السلام والعاصمة الإدارية الجديدة.

وأعلن تعاون السكك الحديدية الصينية و"تشاينا إكزيم" أنهما سيمولان نظام عبور بالسكك الحديدية الخفيف يزيد من الاتصال بالعاصمة الجديدة.

وفي الآونة الأخيرة، فاز "كونسورتيوم صيني" بمناقصة بقيمة 9 مليارات دولار أمريكي لبناء سكة حديدية عالية السرعة تغطي 543 كيلومترا تربط العلمين بالعين السخنة، والتي بمجرد اكتمالها ستكون أطول خط في الشرق الأوسط.

العلاقات بين الشعبين

ولطالما كانت الروابط الثقافية قائمة بين بكين والقاهرة كونهما حضارتان قديمتان. ويعد قطاع السياحة عنصرا حيويا في الاقتصاد المصري، حيث أن الصين من أكبر مصدري السياحة.

وتعد أرض الفراعنة وجهة جذابة ذات موارد سياحية وافرة. وقد ساعدت الاستثمارات الاقتصادية الصينية بالفعل في إحياء التدفق السياحي البطيء في القاهرة.

ويتزايد عدد السياح الصينيين في مصر عاما بعد عام. كما أن عدد رحلات الطيران بين البلدين آخذ في الازدياد. وكان كلا البلدين يتعاونان خلال "كوفيد-19" ويرسلان المساعدة الطبية لمساعدة بعضهما البعض في التعامل مع الوباء.

وتزدهر العلاقات الأكاديمية أيضا بين القاهرة وبكين. وفي عام 1995، تم توقيع مذكرة تفاهم بين البلدين بشأن التعاون التعليمي.

ويوجد أكثر من 2000 طالب مصري في الجامعات الصينية. وتأسست الجامعة المصرية الصينية في القاهرة بهدف نشر الثقافة الصينية في مصر.

وهناك نوعان من معاهد "كونفوشيوس" و3 فصول دراسية لـ "كونفوشيوس" في مصر. ومؤخرا، في سبتمبر/أيلول 2020، تم توقيع بروتوكول تعاون لتدريس اللغة الصينية في المدارس الثانوية كلغة أجنبية اختيارية ثانية.

خاتمة

لطالما كانت العلاقات بين مصر والصين يربطها الاحترام والتعاون المتبادل. وكانت مصر داعما قويا لمبادرة "الحزام والطريق" منذ إعلانها عام 2013، وقد دعمت دائما بكين في الهيئات الدولية مؤخرا في تنفيذها لقوانين الأمن القومي في هونغ كونغ.

وأظهرت مصر دعمها الكامل لسياسات الحكومة الصينية بشأن إقليم "شينجيانج". وفي عام 2017، واصلت الشرطة المصرية القبض على "الإيغور" الصينيين وترحيلهم، بعد أشهر فقط من توقيع بكين والقاهرة مذكرة بشأن "مكافحة الإرهاب".

ويتمثل التحدي الرئيسي في علاقة الصين الدائمة مع أثيوبيا، والتي لا تشعر مصر بالرضا حيالها. ويُمثل بناء سد النهضة الأثيوبي تحديا لأمن الطاقة والمياه في مصر.

وتقدم الشركات الصينية دعما ماليا كبيرا لهذا البناء، ولا تزال بكين صامتة بشأن هذه القضية. ومن غير المرجح أن تنجح سياسة الصين المتمثلة في عدم التدخل في التعامل مع مثل هذا التوتر الكبير بين وجهاتها الاستثمارية المختلفة.

وتتجه الصين للتركيز أكثر على إشراك العمالة الماهرة من مصر وتدريب الشباب المصري على التكنولوجيا، وهو ما يمكن أن يكون مفيدا للقاهرة في المستقبل.

وتكتسب بكين أهمية في القاهرة يوما بعد يوم في عهد "السيسي"، لكن لا تزال هناك مخاطر قائمة بخصوص مستقبل هذه الاستثمارات الضخمة، بما في ذلك فخ الديون.

المصدر | ريفاثي كي جي - أوراسيا ريفيو - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الاستثمارات الصينية في مصر العلاقات المصرية الصينية عبدالفتاح السيسي مبادرة الحزام والطريق مصر الصين

لتصنيع لقاح كورونا.. اتفاق تعاون مصري صيني في سبتمبر

آبي أحمد: بناء سد النهضة يواجه تحديات فنية ومالية هذا العام

لماذا تمول الصين مشاريع قناة السويس والعاصمة الجديدة في مصر؟

15 مليار دولار حجم التبادل التجاري بين مصر والصين