استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

فرنسا… من شفرة السِكّين إلى شفير الهاوية

الأربعاء 28 أكتوبر 2020 05:04 ص

فرنسا… من شفرة السِكّين إلى شفير الهاوية

لو جاء المدرّس برسومات معادية لليهود كالتي كانت دارجة في زمن الفاشية ليشرح لتلاميذه «حرية التعبير». لقامت الدنيا عليه ولم تقعد!

سلوك المؤسسات الفرنسية بدءاً من رأس الدولة من شأنه شحذ مشاعر بغيضة يتغذّى منها أقصى اليمين كما تنمو الجراثيم في المياه الوسخة.

لو استمرت فرنسا هكذا فقد تستفيق قريبًا وقد وصل أقصى يمينها إلى الحكم بما يُدخلها في طور فاشي جديد نعلم من التاريخ أن عواقبه وخيمة على الشعوب.

حرية التعبير ليست حرية استفزاز المشاعر بقصد وبلا قيود كما تقبله قوانين فرنسا فتحظّر تعبيرات معادية لليهود وحتى معادية للسود لكنّها تجيز المعادية للمسلمين!!

*     *     *

من نافلة القول إن الجريمة التي ارتكبها شاب شيشاني في ذبح أحد المدرّسين في فرنسا جريمة بشعة نكراء. بل كدنا لا نحتاج إلى التأكيد على ذلك لما في تلك الجريمة من فظاعة تشمئز لها النفوس في عالمنا بقيمه الحضارية المعاصرة.

كدنا لا نحتاج لاستنكار تلك الجريمة، إذاً، لولا أن في منطقتنا الكثيرين ممن لا يزالون يتبعون معايير كانت سائدة في زمن غابر. أما أصل البلاء فهو جماعة غارقة في الرجعية استولت قبل ما يناهز القرن على منطقة الحجاز بحرميها الشريفين لتشملها في إطار مملكة لا تزال تمارس حتى يومنا هذا قطع الرؤوس في الساحات العامة، وهو التقليد ذاته الذي اتبعته داعش عندما تخيّل للسامرائي الملقّب بالبغدادي أنه يؤسّس خلافة جديدة.

وإذ يستنكر العالم برمّته جرائم إرهابية كالتي ارتكبها الشيشاني، يسكتون عن تلك التي لا تقل إرهاباً والتي يمارسها النظام السعودي. وهذا ينطبق على الحكم الفرنسي عينه الذي يلهث وراء الدولارات النفطية وتتوقف عفّته الأخلاقية عند الحدود التي تبدأ من بعدها مصلحته التجارية.

هذا وقد تكون أخطر تبعات جريمة الشيشاني أنها جاءت تصبّ الزيت على نار رهاب الإسلام («الإسلاموفوبيا») التي كانت متقّدة في فرنسا والتي أجّجها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل أيام بخطبته ضد ما أسماه «النزعة الانفصالية الإسلاموية».

وهي تسمية تساهم في شيطنة المسلمين وجعلهم جسماً غريباً عن جسم الأمة الفرنسية، تلك التي تدّعي العلمانية بل تغالي فيها. والحال أن الجريمة بعد الخطبة جاءت بمثابة ضوء أخضر لحملة قمعية واسعة النطاق طالت جماعات إسلامية، وجماعات غير إسلامية مناهضة لرهاب الإسلام، لا تمت غالبيتها للإرهاب بصلة.

بل هي حملة انتقل معها الإرهاب من صفّ مرتكبي الجرائم النكراء كالتي توالت على أرض فرنسا في السنوات الستّ الأخيرة إلى صفّ الدولة الفرنسية إزاء سكان البلاد المسلمين.

وهي غاية أعلنها الحكم الفرنسي صراحةً على نغمة «إرهاب الإرهابيين» المعهودة والتي تبرّر لجوء الدولة إلى ممارسات إرهابية تتعدّى دائماً نطاق الإرهابيين المزعومين الذين تتوخّى إرهابهم لتشمل محيطهم الثقافي والاجتماعي بأسره.

أما تبرير ذلك كله بحجة الدفاع عن «حرية التعبير» فتشوبه تناقضات عديدة. إن كاتب هذه السطور من أحرّ المدافعين عن حرية التعبير، بما فيها حرية نقد الدين التي تشكّل محكّ حرية التعبير، كما يشهد عليه تاريخ البشر إذ نمت حرية التعبير في كل مكان في صراع ضد خنقها وكبتها باسم الدين.

غير أن حرية التعبير لا تعني حرية استفزاز المشاعر عن قصد وبلا قيود، كما تعترف به القوانين الفرنسية التي تحظّر التعبيرات العنصرية المعادية لليهود، بل وحتى في أيامنا تلك المعادية للسود، لكنّها تجيز في الممارسة تلك المعادية للمسلمين.

تصوّروا لو جاء المدرّس برسومات كاريكاتورية معادية لليهود كالتي كانت دارجة في زمن الفاشسية ليشرح لتلاميذه «حرية التعبير». لقامت الدنيا عليه ولم تقعد!

ذلك أن فرنسا أدركت بشاعة النزعة اللاسامية، أي المعادية لليهود، التي كانت متفشية فيها حتى نهاية الحرب العالمية الثانية والتي جعلت سلطات فيشي تشارك في الإبادة النازية لليهود، لكنّها، أي فرنسا، لم تفطن بعد لبشاعة النزعة المعادية للإسلام التي جعلتها ترتكب كبرى جرائم تاريخها الاستعماري.

ثم كيف تدّعي فرنسا محاربة «النزعة الانفصالية الإسلاموية» وتزكّي قيام مدرّس بدعوة التلامذة المسلمين الذين تنفّرهم الرسوم التي ارتأى عرضها إلى مغادرة القاعة ريثما ينتهي من العرض؟

أفليس مثل هذا التمييز هو عين الطائفية ونقيض العلمانية التي تصبو إلى صهر أفراد الأمة في بوتقة قومية واحدة تتخطّى الفروقات العرقية والدينية بينهم؟

فكيف لو أخذ المدرّسون الفرنسيون يعرضون رسومات تُشين ديانة بعد أخرى وعرق بعد آخر، داعين التلامذة المنتمين إلى الفئة المستهدفة في كل حين إلى الخروج من القاعة؟

وأخيراً فيا ترى، هل أن حرية التعبير في فرنسا مصانة أكثر منها في بريطانيا التي تُضرب مثالاً على الحريات ودولة القانون؟

والحال أنه لا يعقل أن يقوم مدرّس في مدرسة بريطانية بعرض رسوم كاريكاتورية معادية لأي جماعة من البشر على تلامذته بدون أن يعاقَب، خلافاً للحالة الفرنسية حيث دافعت إدارة المدرسة عن المدرّس بعدما احتجّ بعض أهالي التلاميذ على فعله.

لا نقول ذلك تبريراً لجريمة الشاب الشيشاني التي لا حجة ولا ذريعة تشفع لها، ولا لإلقاء جزء من اللوم على المدرّس الضحية الذي يرجَّح أنه تصرّف بنيّة حسنة، بل لتبيان خطورة الغطرسة الاستعمارية التي لا تزال تسود المؤسسات والإعلام في فرنسا والتي لا يمكن عزلها عن كون فرنسا أكثر الدول الغربية مسرحاً لجرائم فظيعة يرتكبها مهووسون باسم الإسلام، وهو منهم براء.

فقد لقي المدرّس حتفه بأبشع الطرق ضحيةً لجنون شاب شيشاني، لكنه سقط أيضاً ضحية نظام أساء تفسير حرية التعبير وأخفق في تدريسها بربطها بالتسامح واحترام الآخرين، اللذين لا ألفة في المجتمع بدونهما.

والحقيقة أن سلوك المؤسسات الفرنسية بدءاً من رأس الدولة إنما من شأنه شحذ مشاعر بغيضة يتغذّى منها أقصى اليمين كما تنمو الجراثيم في المياه الوسخة.

ولو استمرت فرنسا على هذا المنوال، قد تستفيق في مستقبل قريب وقد وصل أقصى اليمين المتطرف فيها إلى الحكم بما يُدخلها في طور فاشستي جديد نعلم من التاريخ كم أن عواقبه وخيمة على حياة الشعوب.

* جلبير الأشقر كاتب وأكاديمي من لبنان

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

فرنسا، إيمانويل ماكرون، الإسلاموفوبيا، البغدادي، شاب شيشاني، الفاشية، اليهود، اليمين المتطرف،

الشرطة الفرنسية: قتيلان إثر هجوم بسكين قرب كنيسة نوتردام