معهد واشنطن: الاتحاد الأوروبي أخطا في سياسته تجاه تركيا

السبت 31 أكتوبر 2020 06:09 م

اعتبر "معهد واشنطن" في تقرير له أن الاتحاد الأوروبي أخطأ مراراً وتكراراً في سياسته تجاه تركيا وعدم ضمه إليه، حيث ساعد الرئيس "رجب طيب أردوغان" في غالب الأحيان وعن غير قصد في نقاط رئيسية خلال صعوده على سلّم السلطة، فيما أوجد مع أنقرة توترات كان من الممكن تحاشيها.

وفي ظل الأجواء المتوترة التي شهدتها مؤخراً العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي المتمثلة باليونان وفرنسا وقبرص بسبب احتياطيات الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، فإنها لا تزال اليوم بعيدة عن دخول النادي الأوروبي، رغم أن تركيا بدأت محادثات الانضمام مع الاتحاد الأوروبي عام 2005. 

وكانت هناك مخاوف من أن تصبح تركيا، العضو الأكثر اكتظاظاً بالسكان في النادي الأوروبي. لكن في تلك الفترة، لم يكن الاقتصاد التركي بقطاعه الزراعي الكبير وسكانه الريفيين مستعداً للانضمام إلى المشروع الأوروبي على أي حال.

وبدأ الموقف الأوروبي من أنقرة يتّبع مساراً ملتوياً بعد سقوط "الستار الحديدي". فقد أنشأ الطرفان اتحاداً جمركياً عام 1995، وبعد بضع سنوات، في عام 1999، أكّدت بروكسل رسمياً أهلية تركيا لعضوية "الاتحاد الأوروبي". ولكن تم تأجيل بدء مفاوضات الانضمام بشكل متكرر، ولم تبدأ إلا في عام 2005. ومن أسباب ذلك هو الخلاف على قبرص، وسجل تركيا في حقوق الإنسان الذي كان بحاجة إلى تحسين كبير وفقاً للأوروبيين.

وفي غضون ذلك، قام العديد من الدول المستقلة حديثاً في أوروبا الوسطى والشرقية - وبعضها لم يكن يُعتبر آنذاك منارة للديمقراطية - بالانضمام إلى "الاتحاد الأوروبي" عام 2004.

وفي السنوات التالية، انضم عدد إضافي من الدول إلى الاتحاد الأوروبي، بينما كانت تركيا تراقب من الخطوط الجانبية كـ"دولة مرشحة".

وفجأةً اكتشف الأوروبيون أن تركيا دولة ذات غالبية مسلمة، فأخذت المناقشات تدور حول ما إذا كانت المسيحية تشكل قيمة جوهرية من قيم "الاتحاد الأوروبي".

ونظراً لأن موقف "أردوغان" الأولي المؤيد لـ"الاتحاد الأوروبي" كان يواجه ترددات أوروبية، فقد بدأت تركيا تشكّك في صحة "توجّهها الأوروبي".

بعد ذلك، بدأت تبدر مواقف متشددة عن بعض دول "الاتحاد الأوروبي" خلال محادثات الانضمام. فبعد انضمام قبرص إلى "الاتحاد الأوروبي" عام 2004، حاولت مراراً وتكراراً استخدام وضعها الجديد لتجميد المفاوضات من أجل انتزاع تنازلات من أنقرة.

وعلى النحو نفسه، تعامل صانعو السياسات اليونانيون بصرامة مماثلة مع تركيا على أمل إرغامها على الاعتراف بهم كحكومة الجزيرة. كما أن بعض الدول الأعضاء الرئيسية في "الاتحاد الأوروبي"، مثل فرنسا، ضغطت مراراً وتكراراً من أجل تعليق فصول محددة من المفاوضات مع أنقرة، موضحة في أغلب الأحيان أن السبب الرئيسي لذلك هو عدم اعتراف تركيا بقبرص.

تغيير موقف "أردوغان"

ولكن بدلاً من تغيير "أردوغان" موقفه من أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ردّ بالابتعاد تدريجياً عن النادي الأوروبي، سواء في الداخل أو في مجال السياسة الخارجية.

ومن المفارقات، كان من شأن الإصرار الأوروبي على الإصلاحات الداخلية العميقة في تركيا أن أتاح لـ"أردوغان" فسحة مناورة متنامية مع بروكسل. وربما كان طلب "الاتحاد الأوروبي" من تركيا الحد من نفوذ جيشها كشرط لعضويتها في الاتحاد الأوروبي ذا أهمية بالغة.

أما الجيش التركي، الذي كان يَعتبر نفسه الحَكم الأكبر في المجتمع التركي، فغالباً ما كان يتدخّل في السياسة، فأضعف الأحزاب المتجذرة في الإسلام السياسي على غرار الحزب الذي سبق "حزب العدالة والتنمية" برئاسة "أردوغان".

وفي عام 2004، في مستهلّ محادثات الانضمام مع تركيا، أبلغ الأوروبيون أنقرة بضرورة إجراء إصلاحات لإبعاد الجنرالات الأتراك العلمانيين عن السياسة. فأذعن لهم "أردوغان" بكل سرور، وبذلك أبطل سلطة خصمه.

وكانت بروكسل محقة في الإصرار على إخراج الجيش من السياسة من أجل تعزيز الديمقراطية في تركيا. لكنها أخطأت في إسناد هذه المهمة إلى حركة غير ليبرالية دون المطالبة بأي ضمانات ديمقراطية أو غيرها من أشكال الضوابط والتوازنات.

وبدا أن المسؤولين رفيعي المستوى في "الاتحاد الأوروبي" اعتبروا الجيش العقبة الرئيسية أمام الديمقراطية في تركيا. لكن التطورات أثبتت خطأهم الفادح. فحالما قام "أردوغان" بإضعاف الجنرالات، لم يعد يشعر بضرورة إرضاء بروكسل.

واكتسبت أنقرة نفوذاً كبيراً على أوروبا خلال ما يسمى بأزمة اللاجئين التي بلغت ذروتها بين عامَي 2015 و2016. ونظراً إلى عجز "الاتحاد الأوروبي" عن التعامل مع العدد الكبير من اللاجئين الهاربين إلى أوروبا بعد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، وانعدام التضامن بين الدول الأعضاء في "الاتحاد الأوروبي"، فقد أصبحت تركيا فعلياً أشبه بحارس بوابة أوروبا.

وفي الاتفاق المبرم بين "الاتحاد الأوروبي" وتركيا عام 2016، حصلت أنقرة على ستة مليارات يورو للتصدي للّاجئين المتجهين إلى أوروبا وإبقائهم في تركيا.

وأصرّت أنقرة أيضاً على رفع القيود عن تأشيرات السفر وإعادة فتح الفصول المعلّقة في مفاوضات الانضمام، وتمت تلبية طلباتها - من الناحية النظرية.

ولكن بروكسل استمرت في التراجع عن فكرة عضوية تركيا في "الاتحاد الأوروبي" عام 2016.

ومع عدم احتمال حدوث انضمام تركيا إلى "الاتحاد الأوروبي" في أي وقت قريب، فقدْ فقدَ الأوروبيون نفوذهم على أنقرة.

وفي ضوء ملحمة العضوية التركية في "الاتحاد الأوروبي"، لم يعد "أردوغان" يرغب في ملاطفة الأوروبيين، وهو الذي أصبح أقوى من أي وقتٍ مضى.

وتتصاعد التوترات حاليا بين تركيا واليونان وقبرص وفرنسا بشأن احتياطيات الغاز في شرق البحر المتوسط. وإنه لأمر محزن ولكن غير مستغرب، بأن تعاني الآن الدول التي لعبت دوراً رئيسياً في إعاقة احتمالات عضوية تركيا في "الاتحاد الأوروبي"، من تعنّت "أردوغان" وسياساته الخاصة بالقوة الإقليمية.

وغالباً ما يشيد "الاتحاد الأوروبي" بدوره في الترويج للديمقراطية والاستقرار الإقليمي من خلال تسليط الضوء على قوة عملية توسّعه لضم أعضاء جدد في "الجوار"، ولكن في حالة تركيا، ربما ساهمت سياساته غير المدروسة في عكس ذلك.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

تركيا الاتحاد الأوروبي

مباحثات تركية أوروبية حول العلاقات الثنائية وتطورات المتوسط

تمديد العقوبات الأوروبية ضد تركيا لمدة عام

النمسا: أمام تركيا 30 عاما أخرى لتنضم للاتحاد الأوروبي