استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

مقال ترامب الأخير

الاثنين 9 نوفمبر 2020 10:36 ص

مقال ترامب الأخير

ها هو ترامب وبعد أيام من لعب الغولف ونشر تغريدات مضللة ومليئة بالمغالطات يتلاشى تدريجياً.

حصل خصمه بايدن على ما يكفي من أصوات المجمع الانتخابي لإزاحته وإنهاء كابوس العالم وحلمه بفترة رئاسية ثانية.

هيمنة أمريكا على السياسة الدولية ودعم الطغاة والمفسدين والعنصرية المؤسسية بالداخل الأمريكي كانت قبل ترامب وستستمر بعده.

ستمر أيام قبل أن ينهار ترامب تماماً ويعترف بالهزيمة وقد يماطل لأسابيع وقد يرفض الاعتراف بها تماما لكن الحقيقة تفرض نفسها شيئاً فشيئاً.

وصول ترامب للسلطة نتيجة طبيعية لانحدار تدريجي بمجتمعات الغرب نحو التطرف وإرهاص لمرحلة ما بعد السيادة الأمريكية على العالم.

*     *     *

في نوفمبر من عام 2008 اعتلى المنصة سيناتور أمريكي مخضرم وسط تصفيق حار من جمهور حاشد من مؤيديه، وبدأ حديثه مخاطباً إياهم بوجه جاد قائلاً:

"يا أصدقائي وصلنا لنهاية رحلة طويلة، الشعب الأمريكي قال كلمته وقالها بوضوح، قبل لحظات قليلة كان لي شرف الاتصال بالسيناتور أوباما لأهنئه بفوزه بالانتخابات رئيساً للبلاد التي نحبها أنا وهو". وفور ذكره لأوباما صاحت الجماهير بهتاف سلبي، سكت لبرهة، هز رأسه وأكمل:

"في منافسة طويلة وصعبة كمثل هذه الحملة مجرد نجاحه يستلزم احترامي لقدراته وعزيمته، لكنه نجح في مبتغاه عبر إلهام الملايين من الأمريكيين، الذين ظنوا مخطئين أن لهم تأثيراً محدوداً في انتخاب رئيسهم، هذا أمر أبدي إعجابي البالغ به وأحييه على تحقيقه".

استمر الرجل في كيل المديح لخصمه والتأكيد على مناقبه وعلى إنجازه الذي يحسب لكل الأمريكيين، وما هي إلا لحظات وانقلبت الهتافات المنتقصة من أوباما إلى تصفيق حار لذكر اسمه، كان هذا الخطاب هو خطاب الاعتراف بالهزيمة من السياسي الجمهوري الراحل جون مكين، والذي فشل لمرتين في الوصول إلى البيت الأبيض.

لكنه لم يرحل إلا وقد استلهم منه الأمريكيون صورة استثنائية للخصم النبيل، بدأت من أمام تلك المنصة في أريزونا وختمت من أرض مجلس الشيوخ قبل وفاته بإشارة من إبهامه رافضاً دعم ترامب رئيسه الجمهوري في إلغاء أهم إنجاز لخصمه الديموقراطي الذي خسر أمامه قبل قرابة من عقد من الزمان وهو مشروع الرعاية الصحية الشاملة والذي لقبه الكثيرون "أوباما كير".

تناقل الأمريكيون التسجيل المصور لخطاب مكين هذا على أوسع نطاق وهم ينتظرون ردة فعل رئيسهم على الأنباء التي تأخرت كثيراً وطال انتظارها، والتي تفيد بحصول خصمه جو بايدن على ما يكفي من أصوات المجمع الانتخابي لإزاحته وإنهاء حلمه وكابوس العالم بفترة رئاسية ثانية.

دونالد ترامب الرئيس الخامس والأربعون والأكثر إثارة للاستقطاب والجدل في التاريخ الحديث للولايات المتحدة، أمضى الساعات والأيام التي تلت إغلاق مراكز الاقتراع يرفض الاعتراف بالهزيمة بل يعلن الفوز الوهمي الساحق على خصمه.

وظهر أخيراً في مؤتمر صحفي في الخامس من نوفمبر، ليعلن أنه فاز بالأصوات "القانونية" ثم أثار الشبهات المختلفة التي لا أساس لها حول طريقة فرز الأصوات، واتهم الإعلام وشركات التكنولوجيا والشركات الكبرى بالتآمر لتزوير النتائج لصالح خصمه.

أما بادين فقد انتظر حتى اللحظة الحاسمة ليعلن فوزه بالانتخابات بعد أن تأكد فوزه بولاية بنسلفانيا، والتي معها لم يعد هناك مجال للشك أنه حقق انتصاراً حاسماً من حيث عدد الأصوات الشعبية وعدد الولايات، وقدم هو ونائبته خطابين وطنيين جامعين أعادا إلى الذهنية الأمريكية حالة الاستقرار في الخطاب السياسي ولو لبرهة.

ها هو ترامب وبعد أيام من لعب الغولف ونشر التغريدات المضللة والمليئة بالمغالطات يتلاشى تدريجياً، زوجته ميلانيا وصهره المدلل جاريد كوشنر نصحاه بقبول الهزيمة.

وحسب المصادر الإعلامية، قيادات الجمهوريين مثل الرئيس السابق جورج بوش الإبن والسيناتور ميت رومني المرشح الرئاسي السابق وحاكم ميريلاند لاري هوجان كلهم أعلنوها صراحة أن الانتخابات كانت نزيهة وأن على ترامب الاعتراف بالنتيجة.

ستمر أيام بلا شك قبل أن ينهار ترامب تماماً ويعترف بالهزيمة وربما يماطل لأسابيع، وقد يرفض الاعتراف بها تماماً، لكن الحقيقة تفرض نفسها شيئاً فشيئاً.

بل إن بايدن أعلن رسمياً عن فريقه الانتقالي، وينصب اهتمام الإعلام والمحللين على التعيينات الرئيسية في حكومة بايدن الأولى، وتركت بعض المساحة لترامب حين يكتب تغريدة هنا أو يطلق محاميه لعقد مؤتمر صحفي هزيل هناك، كما قال أحد المحللين "أضاع ترامب آخر فرصة لخروج مشرف".

نعيش الآن اللحظات الأخيرة لمرحلة استثنائية ليس في تاريخ الولايات المتحدة فحسب بل ربما العالم أجمع، حين تمكن شخص واحد من هز المنظومة الدولية عن بكرة أبيها، شخص واحد نجح في هز صورة النظام السياسي الراسخ ودولة المؤسسات الأمريكية، تحول بمقعده الذي استقر فيه أربع سنوات طوال من قيادة العالم الحر إلى أضحوكة العالم أجمع.

وبلا شك أنه لم يكن هو المرض بل العرض، فوصول ترامب للسلطة ليس إلا نتيجة طبيعية للانحدار التدريجي في المجتمعات الغربية نحو التطرف، وإرهاص لمرحلة ما بعد السيادة الأمريكية على العالم.

سيذهب ترامب ويختفي تدريجياً من شاشات التلفزة وهواتفنا الذكية، وربما نتذكر نوادره وقصصه ولكنه إلى زوال، أما الظاهرة الترامبية أو التطرف اليميني الشعبوي فهو لن يتزحزح.

المجتمع الغربي بشكل عام والأمريكي بشكل خاص يمر بمرحلة تشكل جديدة يتخلى فيها عن مبادئ الليبرالية التي سادت منذ الحرب العالمية الثانية لصالح تكشف صورة ليست بالضرورة مختلفة ولكنها أكثر صراحة تظهر العنصريات الدفينة والكراهية المغلفة والمادية المتجردة من المبادئ والأنانية الفردانية.

لن يكون بايدن ملاكاً يمشي على الأرض ويحكم بين الناس بالعدل، ولم يكن ترامب شيطاناً رجيماً، فالهيمنة الأمريكية على السياسة الدولية ودعم الطغاة والمفسدين والعنصرية المؤسسية في الداخل الأمريكي كانت قبل ترامب وستستمر بعده.

كل ما في الأمر أن الأمور ستعود لنصابها من حيث استقرار النظام السياسي الأمريكي والدولي، لا شك أن سياسة ما بعد ترامب لن تكون كتلك التي كانت قبله.

ولكن بايدن وإدارته سيقومون بحملة تنظيفات تستهدف كل ثغرات فترة ترامب في محاولة لتأخير الانهيار الأمريكي القادم وتثبيت أركان الإجماع الأمريكي.

ولكن يكفينا أننا بعد هذه الأعوام الأربعة من المصائب المتلاحقة والحماقات المتكررة سننعم بهدوء نسبي أو على الأقل ستعود لنا أمريكا التي نعرف كيف نكرهها، في 2016 وبعد تولي ترامب للرئاسة بفترة كان يمازحني أحد الزملاء في الصحيفة بأن ترامب هو موضوع مقالاتي المفضل!

وكان يجول في خاطري أنني أتمنى أن يأتي قريباً اليوم الذي أكتب فيه آخر مقالاتي عن ترامب، وها هو اليوم قد حل وأسرع مما كنا نتوقع، وأرجو أن لا أكون مخطئاً واضطر للعودة إلى الكتابة عنه قريباً.

* د. ماجد محمد الأنصاري أستاذ الاجتماع السياسي المساعد بجامعة قطر

المصدر | الشرق القطرية

  كلمات مفتاحية

الولايات المتحدة، الانتخابات الأمريكية، دونالد ترامب، 2016، التطرف اليمين، الشعبوية، جو بايدن،