استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

السنن الربانية وفجوة العقلانية البشرية

الثلاثاء 10 نوفمبر 2020 11:06 ص

السنن الربانية وفجوة العقلانية البشرية

الإمهال الرباني في تفعيل سنّة الجزاء يتضمن عنصر رحمة لكنها أيضاً عامل فتنة.

يقع المغرور في فخ أشد من الذنب هو الإمعان في الذنوب وعدم التوبة حتى في الأجل الطويل!

يأتي الجزاء والعقاب وما يعلم جنود ربّك إلا هو ربما على صورة كوارث طبيعية جيولوجية أو فواجع وبائية أو غيرها.

سنن الله الوجودية في خلقه، وفق تعريفها المنضبط، هي سنن ثابتة وعالمية لا تتبدل أو تتحول أو تخضع لتغير الزمان والمكان.

*     *     *

سنن الله الوجودية في خلقه، وفق تعريفها المنضبط، هي سنن ثابتة وعالمية لا تتبدل ولا تتحول ولا تخضع للتغيير تبعاً للزمان والمكان. هذا متفق عليه في فقه السنن الربانية، كما أن هذا ما يميزها عن "العلاقات الارتباطية" و"القوانين الظرفية" في العلوم الاجتماعية المعاصرة.

ومن القضايا السُّننية على مستوى الفرد والمجتمع التي تستحق مزيداً من الدراسة العميقة: إمكانية وجود فترة تأخير بين الفعل البشري وبين الاستجابة السُّننية في بعض السنن الاجتماعية.

فبعض السّنن مثل سنّة العقاب الرباني هي ليست علاقة بسيطة وفورية، كما في القوانين الفيزيائية الكونية مثلاً حيث الترابط بين السبب والنتيجة عادة فوري، بل تتضمن فترات تأخير وسنن متداخلة، أي تتضمن في المحصلة سُنّة "إمهال لا إهمال". والإمهال لا ينفي الحتمية، لكنها حتمية مؤجلة.

فمن السنن الربانية الثابتة مثلاً، سنة الجزاء: {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} (النساء 123). لكن من رحمته بعباده أيضاً: إمهالهم بعد ذنوبهم، بمعنى وجود فترة تأخير، تقصر أو تطول، بين الفعل السيء (السبب) وبين نتائجه أو جزائه (النتيجة):

{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا} (الكهف: 58)

{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} (النحل : 61)

{وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (الرعد: 31)

{وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ، ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} (الحجر: 4-5)،

{وجعلنا لمهلكهم موعداً} (الكهف: 59).

وبدلاً من التعجّل في الاستغفار والتوبة، قد يطغى الغرور والكبر على بعض البشر والأمم والحضارات {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ} (العلق: 6)؛ فيعتقدون– أفراداً وجماعات ومجتمعات وأمم– أنه لا سنن كونية إلهية تحكم الذنوب أو تروّض الظلم والعمل السيء (كسنّة الجزاء وسنّة التدافع)، أو يعتقدون أنهم بطريقة ما معفيون أو مستثنون من هذه القوانين الوجودية والعالمية!

فيقعون في مصيدة أو سُنّة الإستدراج (الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ: الأعراف 182) و(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ: الأنعام 44).

الإمهال الرباني في تفعيل سنّة الجزاء تتضمن عنصر رحمة بلاشك لكنها أيضاً عامل فتنة. فيقع المغرور في فخ أشد من الذنب، هو الإمعان في الذنوب وعدم التوبة حتى في الأجل الطويل: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}(آل عمران: 133).

ثم يأتي الجزاء والعقاب، وما يعلم جنود ربّك إلا هو، ربما على صورة كوارث طبيعية جيولوجية أو فواجع وبائية أو غيرهما.

وهل هنالك محددات لفترة الإمهال أو التأخر؟ يبدو ان هذه الفترة الزمنية تقل في حالة المؤمن -فرداً وجماعة- وتطول في حالة المشرك والجاحد. وكان ابن المبارك يقول: "وأني لأرى شؤم معصيتي في سوء خلق دابتي".

بمعنى تأجيل النتائج السيئة لذنوب الكافر استدراجاً له، وتعجيل النتائج السيئة للمؤمن رحمة به يوم القيامة. كما ان هذه الفترة الزمنية بين الفعل والنتيجة تعتمد أيضاً على دورة حياة الإنسان. فالجزاء يبدو أسرع في فترة الكهولة لكنه بطئ وخدّاع في فترة الشباب والصحة.

وبخصوص تطبيقات "سنّة الإمهال"، يعاني الانسان عموماً من "فقدان الصبر" و"قصر النظر" في تحديد وتوقع النتائج المستقبلية لأفعاله. ويعتقد كثير من الاقتصاديين الغربيين أن هناك نوعاَ من "عدم العقلانية" في الاختيار الفردي والجماعي يتمثل في تفضيل المنفعة الحالية على المنفعة المستقبلية، حتى ولو كان الأخير أمراً مؤكد في المستقبل، وهو ما يُعرف ب"التفضيل الزمني".

وقد عرّف الاقتصادي روزنبرغ التفضيل الزمني (أو فقدان الصبر) بأنه: وضع يتصرف فيه الفرد بشكل يحقق له التفضيلات (أو المصالح) قصيرة الأجل، ولكنه يؤثر سلبياً في تفضيلاته (أو مصالحه) طويلة الأجل، بسبب العناد والممانعة والقصور الذاتي.

إن وجود مثل هذه السمة في القرار الإنساني يؤدي إلى اتخاذ قرارات عبر الزمن ليست في مصلحة الفرد والمجتمع، ناهيك عن مصالح الأجيال القادمة.

ومن هنا فإن للتفضيل الزمني أثراً في جعل اختيارات الفرد متحيزة نحو البدائل التي تدلي بمنفعة حاضرة وإن كانت تؤدي إلى تكاليف مستقبلية عالية، وبعيداً عن البدائل أو الأفعال التي تولد تكلفة حاضرة ولكنها تؤدي إلى منافع مستقبلية عالية.

هذا يقترح نوعاً من "الهندسة الاجتماعية" عالية المستوى وغير المباشرة في إختيارات الفرد، خصوصاً في مرحلة المراهقة وبداية الشباب، كتوفير المعلومات الكاملة (الدين النصيحة) بخصوص نتائج الأعمال وفقاً للسنن الإلهية الثابتة.

ويقترح في هذا المجال، تحقيق الاستغلال الأمثل لوسائل التواصل والإعلام الاجتماعي للإحاطة بنتائج الأفعال في المستقبل، وعقوق الوالدين مثال هام بهذا الخصوص. فهنا الجزاء من جنس العمل وكما تدين تدان. والأمثلة الأخرى لا تُعد ولا تُحصى.

* د. جمال الحمصي أكاديمي باحث في الاقتصاد والاجتماع الإسلامي.

المصدر | السبيل

  كلمات مفتاحية

السنن الربانية، العقلانية، البشرية، الهندسة الاجتماعية، الجزاء، الإمهال، الصبر، علاقات ارتباطية، قوانين ظرفية، العقاب، التدافع، الاستدراج،