استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الفكر المنهجي الغربي

الأحد 6 ديسمبر 2020 12:05 م

الفكر المنهجي الغربي

قام المنهج العقلي في الغرب على نقطة بديهية هي الكوجيتو («أنا أفكر فأنا إذن موجود») واتباع قواعده الأربع.

استطاع المنهج الجدلي فهم كل شيء وتركيب كل تناقض وتحول على يد ماركس إلى جدلي مادي في المادية الجدلية رادًا الروح إلى المادة!

المنهج التحليلي عودة للجزء لا الكل ومتناهي الصغر لا متناهي الكبر كرد فعل على التركيب وطُبّق التحليل في المدركات الحسية فنشأت الوضعية.

قام المنهج التجريبي على الحواس كمصدر معرفي وأن صدق الحكم في مطابقته للواقع من خلالها واستبعاد ما لا يُتحقق من صدقه في العالم المدرَك.

أخيرا عاد الفكر المنهجي الغربي لثنائية العدمية في منهج بنيوي لتركيب الظواهر في بنيات صورية ذهنية أو واقعية مجردة ثم في منهج تفكيكي أراد تفكيك البنية والانتهاء إلى لا شيء.

*     *     *

قام المنهج العقلي في الغرب على نقطة بديهية هي الكوجيتو («أنا أفكر فأنا إذن موجود»). ولكي يكون الفكر صحيحاً عليه اتباع قواعد أربع:

  • الأولى الوضوح والتميز في إدراك الأشياء، أو الشيء الواضح بذاته والمتميز عن غيره.
  • الثانية التحليل، أي تحليل الأشياء لو كانت مركبة من أجل إدراك كل جزء منها على حدة بوضوح وتميز.
  • الثالثة التركيب، أي تركيب الأجزاء في كلها الأول.
  • الرابعة المراجعة للتأكد من صحة القواعد وحسن التطبيق وعدم الخطأ أو النسيان. ويسبق ذلك الشك في كل الموروث من أجل تطهير العقل من التلقين السابق وتقليد القدماء.

قام المنهج التجريبي على نقطة بديهية أخرى، هي أن الحواس مصدر للمعرفة وأن صدق الحكم في مطابقته للواقع من خلال الحواس، وبالتالي تم استبعاد كل ما لا يمكن التحقق من صدقه في الواقع المشاهد والعالم المدرَك.

ويتم ذلك بعد تطهير الذهن من أوهام الجنس وكل ما يتعلق بأوهام الإنسان من حيث هو كذلك، ومن أوهام الكهف وكل ما يتعلق بالمزاج الفردي، ومن أوهام السوق وكل ما يتعلمه الفرد من الناس دون التحقق من صدقه، ومن أوهام المسرح وهو ما تراكم عبر المعارف التاريخية الطويلة من الروايات والمرويات.

ثم جاءت مرحلة ثانية في الفكر المنهجي الغربي عندما تحول العقل إلى جدل، والتجربة إلى تحليل. فقد كان العقل في القرن السابع عشر صورياً رياضياً فارغاً، ثم تحول إلى خطابة ومقال وتنوير للجماهير في القرن الثامن عشر عند فلاسفة التنوير..

فقامت الثورة الفرنسية، ومن ثم برز العقل الجدلي القادر على إدراك المتناقضات في الفكر. وتأسس المنهج الجدلي عند هيجل من أجل الكشف عن المتناقضات في الفكر والواقع، في العقل والتاريخ.

واستطاع المنهج الجدلي فهم كل شيء وتركيب كل تناقض. ثم تحول على يد ماركس إلى جدلي مادي في المادية الجدلية، رادًا الروح إلى المادة بعد أن ردها هيغل إلى الروح. كما تحول على يد أنجلز إلى جدل الطبيعة بعد رد العقل إلى الطبيعة.

ثم حدث رد فعل عليه في المنهج التحليلي من أجل العودة مجدداً إلى الجزء لا الكل وإلى المتناهي في الصغر وليس المتناهي في الكبر. فالتحليل رد فعل على التركيب. وطُبّق التحليل في المدركات الحسية فنشأت الوضعية.

كما طُبق في اللغة فنشأت الوضعية المنطقية. ثم تحول التحليل من مجرد منهج إلى فلسفة هي الفلسفة التحليلية، وقد راجت حتى أصبح العصر كله عصر التحليل، والحضارة الغربية كلها حضارة التحليل.

وفي المرحلة الثالثة بدأ الوعي الأوروبي يتجاوز ثنائيته المنهجية الأولى (المنهج العقلي والمنهج التجريبي)، وثنائيته المنهجية الثانية (المنهج الجدلي والمنهج التحليلي).. إلى وحدة المنهج، أي المنهج الظاهراتي أو المنهج الشعوري الذي يحلل الظواهر باعتبارها تجارب حية في الشعور.

فالظاهرة معنى، يدركه الشعور إدراكاً مباشراً لتحويل هذا المعنى إلى ماهية. ويتكون هذا المنهج من ثلاث خطوات:

- أولا التوقف عن الحكم على الأشياء المادية الموجودة في المكان خارج الشعور قبل أن تتم عملية الإدراك، ووصفها بين قوسين، وإخراجها خارج دائرة الانتباه.

- ثانيا بناء الماهية في الشعور وقلب النظرة من الخارج إلى الداخل، ومن المكان إلى الزمان. فيتحول الخارج إلى الداخل ويصبح الشعور ذاتاً وموضوعاً في نفس الوقت. ثم تأتي التجربة المشتركة من أجل إعطاء اليقين لتحليل الشعور الفردي. فالموضوعية إنسانية وليست تجريبية؛ اتفاق الماهية بين الذوات وتطابق التجربة مع الآخرين.

- ثالثا الإيضاح حتى لا تختلط الماهيات. فالظاهريات أيضاً نظرية في الوضوح (في النهاية وليس في البداية)، بعد عملية الإيضاح.

وفي المرحلة الرابعة والأخيرة عاد الفكر المنهجي الغربي إلى ثنائية العدمية من جديد في المنهج البنيوي الذي أراد التركيب من جديد، تركيب الظواهر في بنيات (بِنَى) صورية مجردة في الذهن، أم في الواقع، ثم في المنهج التفكيكي الذي أراد تفكيك البنية والانتهاء إلى لا شيء.

واتجه المنهج البنيوي إلى اللغة والأساطير والفكر البدائي، كما يتضح ذلك في الأنتروبولوجيا. ثم تحول إلى علم النفس والتحليل النفسي، وتاريخ العيادات النفسية والجنون ودراسة المرضى والمهمشين والخارجين على القانون.

ثم حدث رد الفعل الأخير على البنيوية في المنهج التفكيكي الذي يريد إنهاء العقل وآلة العقل والانتهاء إلى لا شيء. فالفكر كتابة، والكلام صوت، والمعنى حرف، والأشياء كلمات، والوجود عدم.

انتهى التركيب والنظام والنسق إلى غير رجعة، ولم يعد يبقى إلا التحليل والفوضى والعدمية. ينخر التفكيك في كل شيء حتى لا يبقى ما يفككه، فيفك ذاته، وينتهي العالم كما بدأ أول مرة.

* د. حسن حنفي أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة

المصدر | الاتحاد - أبوظبي

  كلمات مفتاحية

الفكر المنهجي، الغرب، البنيوي، المنهج التفكيكي، العقل، التحليل، عدمية، تجريب، الموضوعية، الماهية،