استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

طلاب لبنان يقرعون جدار الأفق

الثلاثاء 8 ديسمبر 2020 09:53 ص

طلاب لبنان يقرعون جدار الأفق

منطق الحرب الأهلية تهديدا وتشبيحا وتخوينا.. منطق سقط ولن يعود.

سلاحهم هو الحقيقة والحق وقد اجتمعا في الحرية وفي النضال ضد الفقر والخراب.

طلاب 17 تشرين واجهوا رصاصا مطاطيا فقأ العيون ورصاصا حيا أسال الدم بالساحات ودراجات نارية وعِصي ولن يخافوا.

*     *     *

انتصار النوادي العلمانية في الانتخابات الطلابية في الجامعة الأمريكية في بيروت وفي جامعة القديس يوسف، وتحقيقها نجاحات ملموسة في الجامعة اللبنانية الأمريكية وجامعة الحريري، ليس حدثاً سياسياً عابراً.

فهو يأتي كإحدى أولى ثمار انتفاضة 17 تشرين، وكتجسيد لشعاراتها الديمقراطية والعلمانية، ودعوتها لإسقاط النظام الأوليغارشي الطائفي، الذي حوّل لبنان إلى حضيض وخراب.

لا يحق لنا أن نضخّم هذا الانتصار الكاسح، فهو لا يعدو أن يكون مدماكاً أول في سياق بناء قدرة المجتمع اللبناني على الإمساك بحياته، ورسم مستقبله، كما لا يحق لأحد تهميش هذا الانتصار، والأستذة عليه، وإسداء النصائح الفوقية له، أو إخضاعه للتهديد والابتزاز.

الطلاب عصب المجتمع ومستقبله، وما يجري في صفوف الحركة الطلابية هو مؤشر كبير على الجميع، وخصوصاً في صفوف قوى انتفاضة 17 تشرين، ومناقشته والتعلم من دروسه.

فالنوادي العلمانية في الجامعات لم تولد من فراغ، بل كانت نتيجة تراكم نضالي منذ اثنتي عشرة سنة، ولقد وجد هذا التراكم في انتفاضة 17 تشرين مداه الحيوي، بحيث كانت الانتفاضة مدرسة للوعي الجديد.

يجب أن نتوقف طويلاً عند الانتفاضة، والإرهاصات النضالية والفكرية التي سبقتها، كي نفهم كيف استطاع جيل جديد من الطلبة أن يرث أجمل تاريخ الحركة الطلابية اللبنانية التي خرّجت أجيالاً من المناضلين والمثقفين الذين صنعوا علامات التغيير في لبنان.

ففي الانتفاضة تأكد شعار «كلن يعني كلن» وصار إسقاط نظام غير قابل للإصلاح ضرورة للبقاء، وبدأ تفكك أطر الضبط الطائفي الذي حوّل لبنان إلى ساحة حرب أهلية دائمة ومستتبعة للخارج.

كي ندرس هذا التحول، علينا أن نحلل الإرث الثقيل الذي ورثه الطلاب، وكانت عملية الانعتاق منه بالغة الصعوبة.

الإرث الأول هو الحرب الأهلية والتهديد الدائم بها، ولقد تأكد هذا الإرث حين تصدت ميليشيات النظام الطائفي للانتفاضة، وشكلت أداة أكثر فاعلية من أدوات القمع التي استخدمتها الأجهزة الأمنية من أجل قمع الانتفاضة وترهيبها، في سياق خطاب «يحذّر» أي يهدد بالحرب الأهلية.

الإرث الثاني هو ضمور اليسار اللبناني، وانجرافه من دون وعي منه ربما، لتغطية اللعبة الطائفية أو السكوت عنها. «اليسار الديمقراطي» من جهة، برر تحالفه والتحاقه بقوى 14 آذار بحجة الوحدة في مواجهة الهيمنة السورية، ليجد نفسه جزءاً من لعبة الطوائف المرتهنة للخارج.

والحزب الشيوعي من جهة ثانية، برر تحالفه ثم التحاقه بقوى 8 آذار بضرورة مواجهة الهيمنة الأمريكية والعدو الإسرائيلي، ليجد نفسه في النهاية في المعسكر الإيراني، قبل أن يبدأ استفاقته البطيئة خلال انتفاضة تشرين.

إرث ثقيل من الأخطاء جعل الكلام عن موقف وطني لا طائفي وغير تابع، يدعم الشعوب العربية المقهورة وعلى رأسها الشعب الفلسطيني، ويدعم ثورات الربيع العربي، ويقاوم العنصرية والخطاب الفاشي المعادي للاجئين.. يبدو وكأنه كلام مثالي ولا مكان له على أرض الواقع.

الإرث الثالث هو نجاح المافيا في تلافي أي محاسبة، عبر الاحتماء بالطوائ، وإطلاق النفير الطائفي كلما شعرت بأنها مهددة.

الإرث الرابع هو في ميوعة خطاب المجتمع المدني، وآخر استنباطات هذه الميوعة هي رفع شعار إسقاط المنظومة الحاكمة؛ أي الإبقاء على النظام الطائفي الرأسمالي المتوحش عبر إحداث عملية تجميل له، والإتيان بوجوه تكون مجرد دمى تختبئ خلفها الطبقة الحاكمة.

الإرث الخامس هو اللجوء إلى التحايل على كلمات العلمانية والعدالة الاجتماعية والحرية الفردية وتحرر المرأة، فيتم استبدال العلمانية بكلمة فضفاضة هي المدنية، التي ليست سوى قناع طائفي للتخويف، واستبدال العدالة الاجتماعية بكلمة العدالة، التي تعني كل شيء، وقد لا تعني شيئاً.

الحرية الفردية تتم مواجهتها بقيم بالية وبخطاب أخلاقي لا علاقة له بالأخلاق التي وضعت من أجل الإنسان. أما تحرر المرأة فدونه أهوال قانون الأحوال الشخصية، والذكورية والعنصرية التي ترفض حق المرأة في إعطاء الجنسية لأولادها.

الإرث السادس يجسده ورثاء نظام القمع الأمني السوري- اللبناني، الذين يشعرون اليوم أنهم قادرون على القمع كما يريدون. لقد حوّلوا وباء كورونا من خطر يجب على الجميع التصدي له، إلى أداة إضافية لإخافة المجتمع. ويتابعون لعبة ترهيب الناشطين بالتوقيفات العشوائية.

الإرث السابع، وهو الأكثر خطورة، والذي وصل إلى ذروته في انفجار 4 آب، الذي كان إكليلاً من الدم وضع على هامة بيروت ولبنان. هذا الإرث اسمه الانهيار، وعنوانه اللامسؤولية، وأداته نهب الناس والسطو على مدخراتهم ومرتباتهم، وأفقه الخراب والمجاعة.

هذه الطبقة الأوليغارشية بمافياتها، التي تقاسمت النهب، وركضت خلف الحصص، وباعت الناس للشيطان، ولا تزال تعمل بعقلية العميل التابع للخارح الإقليمي والدولي، أطاحت الاستقلال وخرّبت الدولة، وسوف تتمسك بالسلطة حتى آخر حجر في لبنان.

هذا الإرث الثقيل بكل عناصره وتشعباته وأشكاله، كان السد الذي واجهته الانتفاضة، وهي تحاول أن تقيم تطهّراً جماعياً من واقع توحشت كل عناصره. هذا السد لا يمكن كسره دفعة واحدة إلا بعد أن يعيد المجتمع بناء مؤسساته ونقاباته وأطره السياسية.

في هذا الإطار يجب أن نقرأ الإنجاز الذي حققته الحركة الطلابية في العملية الانتخابية الأخيرة. وهو إنجاز صغير- كبير، صغير في حجمه وكبير في احتمالاته.

من هذا المنطلق نقول لمن له أذنان للسمع كي يسمع، إن الأستذة على الطلاب لا تجدي. بدل أن يؤستذ، الأساتذة عليهم أن يتواضعوا ويستعيدوا أرواحهم التي أضاعتها سنوات الخيبة والانتظار، ويتعلموا من الطلاب. فالابن هو أيضاً أب أبيه، هذا إذا كان الأب قادراً على الاستيعاب.

كما نقول لمن يهدد ويشبّح ويخوّن باسم العودة إلى منطق الحرب الأهلية، بأن هذا المنطق سقط ولن يعود. طلاب 17 تشرين الذين واجهوا الرصاص المطاطي الذي فقأ العيون، والرصاص الحي الذي أسال الدم في الساحات، والدراجات النارية والعصي، لن يخافوا. سلاحهم هو الحقيقة والحق، وقد اجتمعا في الحرية وفي النضال ضد الفقر والخراب.

* الياس خوري كاتب صحفي وروائي لبناني

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

لبنان، الانتخابات الطلابية، الحرب الأهلية، انتفاضة 17 تشرين، الديمقراطية، العلمانية، النظام الأوليغارشي الطائفي، المافيا،