استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

ترامب "العرض".. وليس "المرض"

الاثنين 14 ديسمبر 2020 09:47 ص

ترامب "العرض".. وليس "المرض"

ترامب يغادر الساحة السياسية بعد 4 سنوات ويترك أميركا أعمق انقساما وأكثر غضبا.

قبل 4 سنوات فاز ترامب ووصل للبيت الأبيض بسبب انقسام أميركا وتزايد الغضب بين ملايين الأميركيين.

شهد 2008 حدثين تاريخيين ساهما في ضخ دماء جديدة فكرية وتنظيمية مما سهل وصول تيار شعبوي نجح ترامب في امتطائه.

مثّل 2008 نقطة تحول هيكلية في تركيبة الحزب الجمهوري فقد خرجت إرهاصات التيار اليميني عمليا وبقوة وتشكلت منذ عام 2008.

يرفض متعصبون بيض بروتستانت الاعتراف بواقع أميركا الجديد ويرون في التغيرات الديمغافية تهديدا وجوديا لهم ولأميركا بمخيلتهم الجمعية.

*     *     *

بعيدا عما يفكر في فعله الرئيس دونالد ترامب بعد مغادرته البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني 2021، لن يختفي تأثيره سريعا، إذ فاز بأصوات 74 مليون أميركي، بزيادة تقدر بـ11 مليون صوت عما حققه في انتخابات 2016.

وذلك رغم تعرضه لتحقيقات حول التدخل الروسي استمرت عامين، وتحقيقات بهدف عزله استمرت لنصف العام، وجائحة غير مسبوقة نتج عنها وفاة 270 ألف أميركي، وإصابة 13 مليون آخرين حتى بداية شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري.

لكن بعيدا عن التأثير الواسع لترامب على الحياة السياسية الأميركية وعلى الحزب الجمهوري تحديدا، حري بنا التذكير أن ترامب لا يمثل مرضا بحد ذاته؛ بل هو العرض لما تعرفه أميركا منذ عقود طويلة.

فقد عرفت الولايات المتحدة تيارات شعبوية منذ تأسيسها في نهايات القرن 18. وبدأت هذه التيارات بالظهور بصور منظمة في صورة حركة يمينية ضد الماسونية في بدايات القرن 19، ثم ظهرت صورة "الحزب الشعبوي" عام 1890، وكان حزبا ذا برنامج يساري اشتراكي.

ومنذ البداية جاء الخطاب الشعبوي الأميركي معتمدا على معارضة النفوذ المتزايد للنخبة السياسية والاقتصادية والثقافية، وشكلت تلك المعارضة بصورة كبيرة خطاب القوى المحافظة وجماعات اليمين المتطرف منذ عشرينيات القرن الـ20.

ومثلت سياسات فرانكلين روزفلت ضد الشركات الكبرى ونخبة رأس المال، التي جاءت في إطار حركة الإصلاح والمراجعة للتعامل مع تبعات أزمة الكساد العظيم إثر أزمة 1929، دافعا قويا كرد فعل على صعود ما اعتبره البعض شعبوية اليسار، التي تمثلت في انتشار الاتحادات العمالية على نطاق واسع.

وعرفت أميركا بزوغ نجوم محافظين متشددين شعبويين يمينيين؛ من أبرزهم جوزيف مكارثي سيناتور ويسكونسن وحاكم ولاية آلاباما جورج والاس خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.

ظهرت خلال انتخابات الكونغرس النصفية عام 2010 جماعة "حزب الشاي"، التي اعتمدت على خطاب شعبوي يميني، وأصبحت بوتقة تجتمع حولها القوى المتشددة والمحافظة من الحزب الجمهوري. وارتبط بجماعة حزب الشاي بعض أعضاء مجلس الشيوخ مثل السيناتور تيد كروز والسيناتور رون بول.

كذلك شكل 33 عضوا بمجلس النواب أنفسهم في "تجمع الحرية" (Freedom Caucus) ليعبر عن سياسات حزب جماعة الشاي اليمينية، وتصف الجماعة نفسها كجماعة يمينية شعبوية.

وعلاقة ترامب بهذه الحركة الشعوبية ليست وليدة انتخابات 2016 أو 2020، ففي مقابلة له مع قناة "فوكس" (FOX) الإخبارية عام 2011 أبدى إعجابه بجماعة حزب الشاي، وقال "أعتقد أن مناصري جماعة حزب الشاي يحبون بلدهم، وأنا أعكس وأؤيد الكثير مما تتبناه الحركة".

يضم الحزب الجمهوري منذ ستينيات القرن الماضي تيارات فكرية متنوعة، تبلورت بوضوح مع إقرار قوانين الحقوق المدنية، التي منحت حقوقا مساوية للسود.

وعلى رأس تلك التيارات يأتي المحافظون الاقتصاديون (فيما يتعلق بالضرائب وقطاع الأعمال)، والمحافظون الاجتماعيون (ممن يؤيدون وبشدة شكل العائلة التقليدي ويعادون الإجهاض)، والمحافظون الجدد (ممن يدفعون لاستخدام القوة والحروب الخارجية)، وضم كذلك المعارضين لدور متضخم للحكومة الفدرالية.

وتاريخيا تبنى الحزب الجمهوري أفكارا وقيما تقليدية محافظة سواء الاجتماعي منها، أو ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية، في الوقت الذي تبنى فيه سياسة خارجية تدعم التدخل في الشؤون العالمية، ولا تمانع من استخدام القوة والسلاح لخدمة المصالح الأميركية.

واحتفظ الجمهوريون الوسطيون المرتبطون بالمؤسسات الحزبية على بوصلة الحزب، التي ترأسها خبراء كثيرون كيمين للوسط منذ ستينيات القرن الماضي، وحتى بدء حكم باراك أوباما في 2008، ونجحوا في احتواء الأصوات اليمينية ودفعها للهامش.

مثّل العام 2008 نقطة تحول هيكلية في تركيبة الحزب الجمهوري، فقد خرجت إرهاصات التيار اليميني عمليا وبقوة وتشكلت منذ عام 2008، الذي شهد حدثين تاريخيين، ساهما في ضخ دماء جديدة فكرية وتنظيمية، وهو ما سهل من وصول التيار الشعبوي، الذي نجح ترامب في امتطاء قيادته.

ففي هذا العام، وقعت الأزمة المالية العالمية التي بدأت بسوق العقارات الأميركية، وأثر ذلك على ملايين المواطنين ممن فقدوا وظائفهم أو بيوتهم، أو الاثنين معا.

وظهرت مرارة كبيرة من سياسات العولمة والتجارة الحرة والميكنة والاقتصاد الرقمي، كما ساهم الصعود الاقتصادي للصين في مضاعفة مخاوف فئة عمال المصانع وعمال المناجم على مستقبلهم الوظيفي.

وارتبط العام 2008 كذلك بوصول أول رئيس أسود، باراك أوباما، إلى البيت الأبيض، ومثل ذلك تذكيرا للأغلبية البيضاء، خصوصا الرجال منهم، أن التهديدات النظرية بفقدان سيطرتهم التاريخية على الحياة السياسية الأميركية قد بدأت بالفعل.

وكان رد الفعل متمثلا في الوقوع في حضن حركة حزب الشاي المحافظة والمتطرفة حتى بمعايير الحزب الجمهوري. وهاجم حزب الشاي أوباما، وتبنى سياسات تؤجج العنصرية والتعصب والإسلاموفوبيا.

ومثل صعود ترامب كذلك غضبا واضحا لما شهدته أميركا من تغيرات اجتماعية وديموغرافية في النصف قرن الأخير تمثل في هجرة الملايين من الكاثوليك من دول أميركا الوسطى والجنوبية، وهجرة ملايين أخرى غير مسيحية من دول آسيوية على رأسها الصين والهند.

ويرفض الكثير من المتعصبين البيض البروتستانت الاعتراف بواقع أميركا الجديد، ويرون في التغيرات تلك تهديدا وجوديا لهم ولأميركا التي في مخيلتهم الجمعية.

ولم تكفِ خطابات ترامب العنصرية والفاشية المتطرفة ضد كل ما هو غير مسيحى أبيض، لكيلا يثني الجمهوريين عن اختياره لتمثيلهم؛ بل يبدو أنها كانت السبب المباشر والأهم في فوزه الكبير، واكتساحه كرمز ممثل للملايين من الغاضبين على اتجاه أميركا السريع نحو مزيد من التنوع العرقي والديني واللغوي.

قبل 4 سنوات فاز ترامب ووصل للبيت الأبيض؛ بسبب انقسام أميركا وتزايد الغضب بين ملايين الأميركيين، وها هو ترامب يغادر الساحة السياسية بعد 4 سنوات، ويترك أميركا أعمق انقساما وأكثر غضبا.

* محمد المنشاوي باحث وكاتب في الشؤون الأميركية من واشنطن.

المصدر | الجزيرة نت

  كلمات مفتاحية

شعبوية، الحزب الجمهوري، ترامب، اليمين، أميركا، العنصرية، الفاشية، باراك أوباما، حزب الشاي،