حصاد 2020.. رحيل قابوس والصباح وآل خليفة وصعود قيادات جديدة

الخميس 31 ديسمبر 2020 11:31 ص

"رحيل قيادة وتسلم أخرى".. هكذا دارت تطورات الأوضاع في أروقة السلطة بـ3 دول خليجية، هي الكويت وعُمان والبحرين، خلال عام 2020، ما أثار تكهنات بشأن مدى تشابه مآلات ذلك مع ما يجرى في السعودية، حيث بات ولي العهد، الأمير الشاب "محمد بن سلمان"، حاكمها الفعلي، رغم عدم توليه الملك رسميا.

البداية كانت في عُمان، عندما أعلنت مسقط بتاريخ 11 يناير/كانون الثاني الماضي، وفاة السلطان "قابوس بن سعيد"، عن عمر ناهز 79 عاما، بعد صراع مع مرض سرطان القولون.

الراحل، الذي وصل إلى السلطة بعد انقلاب على والده عام 1970، عُرف بدوره في الوساطة الدولية، خاصة بين إيران والدول الغربية، وظل في الحكم لنحو نصف قرن، وهي أطول فترة حكم لملك أو رئيس عربي.

اعتمد السلطان "قابوس" سياسة تقارب مع إيران حتى الأيام الأولى من يناير/كانون الثاني الماضي، على النقيض من حكام عرب آخرين، وكان ذلك امتدادا لموقفه المحايد خلال حرب العراق مع إيران بين عامي 1980 و1988؛ ما أتاح له لعب دور الوسيط في الملف النووي، الأمر الذي تمخض عنه اتفاق العام 2015 بين طهران وواشنطن، قبل أن ينسحب منه الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لاحقا.

السلطان "هيثم" والوزير "البوسعيدي"

واصلت عمان، إبان الأيام الأخيرة لحكم السلطان الراحل، رفض الانضمام إلى حصار قطر رغم الضغوط عليها، وحافظت على علاقات قوية مع الدوحة.

وأُعلن "هيثم بن طارق"، سلطانا جديدا لعمان، بعد ساعات من وفاة سلفه، وأدى اليمين القانونية أمام مجلس عمان (المجلس التشريعي الأعلى في السلطنة)، بموجب النظام الأساسي للدولة.

وجاء تعيين "بن طارق" بعد انعقاد مجلس العائلة المالكة، الذي قرر تثبيت من أوصى به السلطان "قابوس" قبل وفاته.

وواجه الزعيم العُماني الجديد الكثير من التحديات الخارجية خلال العام، بدءا من العلاقة المتأرجحة مع السعودية والإمارات.

وكان السلطان "قابوس" يوازن تلك العلاقة باستغلال الوضع المحوري للولايات المتحدة لصد سياسات الرياض وأبوظبي الطامعة ببلاده، مع الاعتماد على مهاراته الشخصية لمنع تأثير جيرانه الخليجيين الأقوياء على ما يجري داخل حدوده، حسبما يرى الباحث "ريان بول" من مركز "ستراتفور".

ويشير "بول" إلى أن "بن طارق" حرص خلال العام الجاري على البقاء بمقربة من الولايات المتحدة، متوقعا أن يعزز عمل سلفه عن طريق الاقتراب من إسرائيل كوسيلة للحصول على الدعم من واشنطن في 2021.

وكان أول لقاء شعبي للسلطان "هيثم" مع شيوخ محافظة ظفار بحضور نجله الأكبر الذي تولى منصب وزير الثقافة والرياضة والشباب "ذي يزن"؛ ما قدم مؤشرا على اتجاه جديد لتسلم دفة القيادة بالسلطنة.

وفي هذا الإطار، أعلن السلطان "هيثم"، بتاريخ 18 أغسطس/آب الماضي، عن تعديلات وزارية غادر على أثرها "يوسف بن علوي" منصبه بعد 23 عاما قضاها وزيرا للشؤون الخارجية؛ ما جعله أقدم نظرائه في العالم.

وأشار نص المراسيم السلطانية، في هذا الصدد، إلى اتجاه لتوسيع صلاحيات حقيبة الخارجية؛ إذ كان "بن علوي" الوزير "المسؤول عن الشؤون الخارجية" منذ عهد السلطان الراحل "قابوس"، وهو مسمى يعني أن الوزير يعمل تحت إشراف السلطان، في حين جاء أمر تعيين "بدر البوسعيدي" تحت مسمى "وزير الخارجية"، بما يؤشر إلى أنه "قد يتمتع بصلاحيات إضافية"، وفقا لما أوردته وكالة "فرانس برس".

و"البوسعيدي" هو أبرز أسماء ما يمكن تسميته بالقيادة الجديدة في عمان، وهو من مواليد العاصمة مسقط، في مايو/أيار 1960، وبدأ دراسته في مدرسة السعيدية، قبل أن ينتقل في العام 1977 إلى المملكة المتحدة ليدرس في ويلز ومن ثم أكمل دراسته في لندن.

 وبعدما أنهى دراسته الثانوية في لندن، انتقل "البوسعيدي" إلى جامعة أوكسفورد ليدرس الفلسفة والسياسة والاقتصاد، وفي عام 1986 حصل على الماجستير، ليعود عام 1988 إلى السلطنة ويبدأ في ممارسة عمله داخلها؛ حيث عمل طوال حياته في وزارة الخارجية.

وفاة "صباح" وتولي "نواف"

وفي الكويت، أعلن الديوان الأميري، بتاريخ 29 سبتمبر/أيلول الماضي، وفاة الأمير "صباح الأحمد الجابر الصباح" عن 91 عاما في مستشفى بالولايات المتحدة، بعد أشهر من مواصلته جهود الوساطة لحل الأزمة الخليجية، لكنه رحل قبل أن يتحقق حلمه بإنهائها.

مجلس الوزراء الكويتي أعلن ولي العهد الشيخ "نواف الأحمد الجابر الصباح" أميرا للبلاد بعد وفاة الشيخ "صباح"، كما أعلن الحداد العام في الكويت لأربعين يوما.

وأدى أمير الكويت الجديد اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة في 30 سبتمبر، كما بايع المجلس الشيخ "مشعل الأحمد الصباح" وليا جديدا للعهد في 8 أكتوبر/تشرين الأول.

وتنص المادة الرابعة في الدستور الكويتي على أن "الكويت إمارة وراثية في ذرية مبارك الصباح، ويُعين ولي العهد خلال سنة على الأكثر من تولية الأمير".

والأمير "نواف" كان وليا للعهد منذ العام 2006، وكان وزيرا للدفاع وقت الغزو العراقي للبلاد عام 1990 ووزيرا للداخلية، وهو مؤسس الحرس الوطني الكويتي.

أما ولي العهد الشيخ "مشعل" فهو الابن السابع للشيخ "أحمد الجابر الصباح"، من زوجته "مريم مريط الحويلة"، وتولى مناصب أمنية عديدة، جعلته أحد أهم الشخصيات الأمنية في البلاد، وظل بعيدا نسبيا عن الظهور الإعلامي.

كما يتمتع الشيخ "مشعل" بنفوذ قوي داخل الحرس الوطني وهو جهاز عسكري مستقل عن قوات الجيش والشرطة، ويهدف إلى مساعدة القوات المسلحة وهيئات الأمن العام والمساهمة في أغراض الدفاع الوطني.

اختيار "مشعل" كان "الأكثر أمانا" لولاية العهد بالكويت، في إشارة إلى أن تسميته تأتي في إطار العرف التاريخي لاختيار ولي العهد، وهو ما يجنب الأسرة الحاكمة بالبلاد سيناريوهات احتدام الصراع على تولي المنصب، وهي السيناريوهات التي رددتها عديد التقارير الغربية نهاية 2020.

وأشارت الزميلة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "سينزيا بيانكو" في هذا الصدد إلى أن اختيار الشيخ "مشعل"يعكس طريقة تفكير الجيل القديم بأسرة "الصباح"، خاصة أنه كان المرافق الوحيد للأمير الراحل "صباح الأحمد الجابر الصباح" في رحلته لتلقي العلاج بالولايات المتحدة، وهي الرحلة التي توفي خلالها.

رحيل العم وقيادة الابن

وفي البحرين، أعلن الديوان الملكي البحريني، بتاريخ 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وفاة أقدم رؤساء الوزراء بالعالم، الشيخ "خليفة بن سلمان آل خليفة"، عم الملك "حمد بن عيسى آل خليفة"، في مستشفى مايو كلينيك بالولايات المتحدة.

رحل عم الملك بعد صراع طويل مع المرض، وقضى السنة الأخيرة من حياته متنقلا بين مستشفيات في البحرين وألمانيا وأخيرا الولايات المتحدة، مخلفا حزنا وكذلك آمالا وتمنيات، في بلد يعيش عدم استقرار سياسي واقتصادي خلال السنوات التسع الأخيرة.

وذكرت الخارجية الأمريكية أن جيش الولايات المتحدة نقل عم الملك إلى مستشفى في ولاية مينيسوتا قبل شهرين من وفاته، بعد أن تبين أنه يعاني من مرض فتاك، وفقا لما أوردته وكالة "أسوشيتد برس".

كان الشيخ "خليفة" المسؤول عن إدارة الشؤون اليومية في البحرين منذ عام 1971، وظل الشخصية المهيمنة في الحكومة وخصما لإيران وصديقا للسعودية ومدافعا عن أسرة "آل خليفة" الحاكمة.

كما تولى "خليفة"، إلى جانب رئاسة الحكومة، رئاسة عدد من المجالس العليا في الدولة، من بينها المجلس الأعلى للدفاع، والمجلس الأعلى للنفط، والمجلس الأعلى للتنمية الاقتصادية، وديوان الخدمة المدنية.

غير أن رئيس الوزراء الراحل لم يكن على توافق تام مع ابن أخيه ملك البحرين في الكثير من القضايا الداخلية والخارجية؛ ما جعل رحيله بداية لإعادة ترتيب البيت الداخلي لحكم العاهل البحريني ودائرته المقربة، حسب عديد المراقبين.

وكان واضحًا أن الراحل كانت لديه تصورات مختلفة عن الرياض وأبوظبي خلال الأشهر الماضية، وكان ميالا لإصلاح العلاقات مع قطر، وفقا لما نقلته صحيفة "القدس العربي" اللندنية عن مصادرها.

وفي مايو/أيار 2019، اتصل الشيخ "خليفة" بأمير قطر "تميم بن حمد آل ثاني" بمناسبة حلول شهر رمضان في اتصال نادر بين الجانبين، وذلك رغم أن الحكومة في المنامة لم تشر إلى أي تغيير في الموقف السياسي.

وبعد ساعات من إعلان خبر وفاته، عيّن الملك "حمد بن عيسى آل خليفة" نجله وولي عهده والنائب الأول لرئيس الوزراء الراحل، الأمير الشاب "سلمان بن حمد" خلفا لعمّه.

وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الجمع بين منصبي ولاية العهد ورئاسة الوزراء في البحرين؛ ما طرح التساؤل عن شكل السلطة بعد "خليفة".

و"سلمان بن حمد" هو الابن الأكبر لعاهل البحرين من زوجته الأميرة "سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة"، وحاصل على بكالوريوس العلوم السياسية من واشنطن.

ويُعرف عن رئيس الوزراء الجديد أنه سعى إلى تأسيس مجلس التنمية الاقتصادية، ووضع رؤية 2030، إضافة إلى سياساته الاقتصادية النيوليبرالية؛ ما دفع عديد المراقبين إلى تشبيهه بحالة "بن سلمان" في السعودية.

فاختيار رئيس الوزراء الجديد يمثل وجها من وجوه صعود جيل جديد لسدة القيادة في البحرين؛ إذ سبقه صدور أمر من العاهل البحريني بتعيين نجله اللواء الشيخ "ناصر بن حمد" مستشارا للأمن الوطني للبلاد.

والشيخ "ناصر" هو الابن الرابع من الذكور للعاهل البحريني، ويشغل منصب قائد الحرس الملكي في المملكة، ورئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، ورئيس اللجنة الأولمبية البحرينية.

وفي هذا الإطار، ركزت بعض التحليلات على صورة رئيس الوزراء البحريني الجديد كـ"وجه إصلاحي"؛ بالنظر إلى مخالفته لعمه الراحل في سياسة قمع المعارضين، عندما حاول فتح حوار مع المحتجين عام 2011، ودعا ممثليهم للانتظام في حوار رسمي، وأعلن في 13 مارس/آذار 2011 ما سماه "المبادئ السبعة" التي سيقوم عليها الحوار الوطني بين السلطة والمعارضة.

منحت تلك الجهود ولي العهد الشاب آنذاك سمعة دولية بصفته شخصية معتدلة، لكن موقع "دياريو 16" الإسباني يشير إلى وجه آخر لرئيس الوزراء البحريني الجديد، يتعلق باتهامه بالفساد وسوء استغلال المال العام بصندوق الاستثمار البحريني "إنفينيتي كابيتال" (Infinity Capital) الذي استحوذ على نادي كرة القدم الإسباني "قرطبة" عام 2019، إضافة إلى ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في البحرين.

وفيما يبدو مبكرا الجزم بانحيازات رئيس الوزراء البحريني الشاب، لكن الشهور الأولى من 2021 ستكون فيصلا في تحديدها، خاصة أن هذه المرحلة لن تخلو من ضغوط أمريكية على المنامة من أجل تحقيق الإصلاح، وفتح أبواب الحوار مع المعارضة، وتحسين أوضاع حقوق الإنسان، تزامنا مع وصول الرئيس الديمقراطي المنتخب "جو بايدن" إلى البيت الأبيض.

ولذا يخلص تقرير الموقع الإسباني إلى أن من يرون في صعود "سلمان بن حمد" إلى سدة السلطة فرصة لتحقيق الحداثة وتجديد النظام الحاكم عليهم توخي الحذر؛ إذ إن "من السهولة بمكان التظاهر بالدفاع عن التجديد والإصلاح عندما يكون المرء خارج السلطة، ولكن الوقت كفيل بالكشف عما إذا كان رئيس الوزراء الجديد القائد النادر الراغب في التجديد، أم أن ما يقوم به مجرد دعاية سياسية".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الكويت البحرين سلطنة عمان نواف الأحمد الجابر الصباح هيثم بن طارق سلمان بن حمد

الهند تمنح جائزة غاندي للسلام لسلطان عمان الراحل

بعد 1000 يوم من رحيله.. العمانيون يستذكرون السلطان قابوس