استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

عالم ينتظر من ينظمه

الخميس 24 ديسمبر 2020 10:46 ص

عالم ينتظر من ينظمه

فوضى راهنة في العلاقات الدولية لم يشهد العالم مثيلاً لها ربما منذ سنوات سبقت الحرب العالمية الأولى.

لن يستطيع بايدن ووزير خارجيته المساس بمكاسب إسرائيل التي حصلت عليها خلال الأسابيع الأخيرة من حكمه.

نجحت إدارة ترامب في تعزيز الشكوك في عداء بكين لأمريكا فالصين حسب أي تعريف سائد هي الآن عدو للولايات المتحدة.

نظام التحالفات الذي التزمته الإدارات الأمريكية منذ أواخر الأربعينات تعرض بالسنوات الأخيرة لتشققات واضحة لأسباب متباينة.

رأي عام أمريكي غير مطمئن إلى كفاءة وأخلاقيات طبقة سياسية قادته من فشل إلى فشل منذ انطلاق مرحلة القطبية الأحادية.

*     *     *

سمعت وقرأت، ما يكاد يلامس مرتبة الشعر، في وصف مزايا وخبرات المستر بلينكن المرشح لتولي منصب وزير خارجية الولايات المتحدة. أتفهم الآن إقبال الكثيرين من هواة ملاحقة تطورات العلاقات بين الدول على تجميع كل المعلومات الممكنة عن هذا الرجل.

فهو الخبير والسياسي المخضرم المكلف بمهمة لعلها بين الأهم والأخطر في كل المهام التي تحمّل مسؤولية تنفيذها وزراء خارجية أمريكيون منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

لا أبالغ إن وضعت نفسي في صف الذين يعتقدون أن من يقبل تولي هذا المنصب في الظرف الراهن، ظرف الانتقال من إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى إدارة جو بايدن، لا شك يدرك أن مكانته في التاريخ ترتبط بأحداث وتوقعات لا تقل أهمية عن أحداث وتوقعات تحولت إلى إنجازات.

ارتبطت بها مكانة كل من جورج مارشال، صاحب مشروع إنعاش أوروبا الغربية، ودين أتشيسون، مهندس الحلف الأطلسي والقوة الدافعة وراء إقامة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

أتساءل مثل كثيرين إن كان المرشح بلنكين واعياً تماماً لأهمية وخطورة المهمة التي كلفه بايدن بأدائها، وهي وبعبارات صاغها بلنكين «... سوف نتدخل.. أحببنا أم كرهنا.. فالعالم ببساطة لا ينظم نفسه بنفسه..»

أتعامل أحياناً مع دبلوماسيين أمريكيين متقاعدين. أستفيد من تحليلاتهم الخالية من انفعالات المصلحة الشخصية وتعقيدات وحساسيات الوظيفة، وإن لم تتخلص تماماً من بعض دواعي الأمن القومي التي كثيراً ما تلاحق آراء ومواقف المتقاعد الدبلوماسي، كما المتقاعد العسكري.

حملت الأغلبية العظمى من الآراء التي سمعتها نبرة إشفاق واضحة على الوزير الجديد. يتوقعون صعوبات جمة، هي الآن في انتظار تسلمه المسؤولية.

الصعوبات الداخلية، وأقصد بالداخلية تلك التي تتعلق مباشرة بظروف عمل الدبلوماسيين العاملين، وهي تعود في الأغلب إلى أسباب خمسة على أقل تقدير.

الأول، سوء المعاملة التي تلقاها الدبلوماسيون في ظل إدارة حاكمة، لا تخفي ازدراءها إياهم.

الثاني، تراجع سمعة ومكانة الخارجية الأمريكية في نظر الإدارات ذات العلاقة بأنشطة وإنجازات العمل الدبلوماسي.

الثالث، أخطاء تراكمت خلال ممارسات وزراء خارجية عيّنهم الرئيس ترامب، مخلفة آثاراً وخيمة على أسلوب العمل في الوزارة.

الرابع، تدهور أحوال البعثات الدبلوماسية في الخارج، إلى حد الشعور بنقص الأمان في مستقبل المهنة والأمن في العمل. النموذج المعبر أكثر من غيره، كان الأثر الناتج عن تخبط البيت الأبيض ووزراء الخارجية في إدارة الرئيس ترامب في الإدلاء بتصريحات متناقضة عن انتشار القوات العسكرية الأمريكية في الخارج، وبخاصة في الشرق الأوسط، وعن الوجود الأمريكي نفسه في هذا الإقليم.

الخامس، الوضع المالي والتقتير المتوالي في الإنفاق على بنود العمل الدبلوماسي، مثل بند المعونات المخصصة لبرامج تنمية في الدول الفقيرة وبعض الدول الحليفة.

هناك صعوبات أخرى تتعلق بظروف الداخل الأمريكي الضاغط بشكل غير مباشر على عمليات السياسة الخارجية، منها على سبيل المثال:

1. مزاج عام سائد في كل طبقات المجتمع غير موات للتدخل في الخارج عسكرياً ومالياً، ورأي مهيمن بين عناصر اتخاذ القرار في الكونغرس وصناع الرأي فاقد الثقة في قدرة الأمم المتحدة وأجهزتها المتخصصة على أداء وظائفها، ومدرك أن الحلفاء لم يسددوا مساهماتهم على النحو المقرر، وبعضهم مارس الابتزاز ضد الولايات المتحدة.

2. رأي عام غير مطمئن إلى كفاءة وأخلاقيات الطبقة السياسية الأمريكية التي قادته من فشل إلى فشل، منذ انطلاق مرحلة القطبية الأحادية، الانطلاق الذي تزامن مع تفجير أبراج نيويورك، والوقوع في براثن حروب، إحداها في أفغانستان لم تتوقف، وأخرى جلبت على أمريكا الاستنكار والخزي، وهي حرب العراق التي لطخت أكثر من غيرها صورة أمريكا ومنظومة قيمها.

أما الصعوبات الخارجية التي تنتظر بايدن ووزير خارجيته ومعاونيهما فلا تخفى أهميتها على قارئ السياسة الدولية، سواء كان في روسيا أو الصين أو في قاعات الدرس في هارفرد وصالات الحوار في مراكز القدح الفكري.

أولها وأهمها حال الفوضى الراهنة في العلاقات الدولية التي لم يشهد العالم مثيلاً لها ربما منذ سنوات سبقت الحرب العالمية الأولى.

 الصعوبة الثانية، وهي أيضاً من أهم التحديات التي تنتظر الإدارة القادمة، هي حال نظام التحالفات الذي التزمته الإدارات السابقة، منذ أواخر الأربعينات والذي تعرض في السنوات الأخيرة لتشققات واضحة ولأسباب متباينة.

 الصعوبة الثالثة التي سوف تقابل حكومة بايدن فور تسلمها السلطة، فقد نجحت إدارة ترامب وعدد لا بأس به من ممارسات حكومة بكين الداخلية والخارجية، على حد سواء، في تعزيز الشكوك في عدائها للولايات المتحدة. الصين، حسب أي تعريف سائد، هي الآن عدو للولايات المتحدة.

التحدي الرابع أو الصعوبة الرابعة، يعرف بايدن وبلنكين الشرق الأوسط حق المعرفة، أحدهما لخبرة طويلة في مجلس الشيوخ ثم نائباً لأوباما في الحكم، والثاني ممارساً عن قرب لبايدن سنوات عديدة، فضلاً عن، وهو الأهم ربما، ولائه المزدوج، وهذا ليس اتهاماً بل واقع عاطفي علمتنا تجارب القرن وصراعات الشرق الأوسط أن نحسب له ألف حساب.

ومع ذلك أظن أنه رغم التعقيدات التي سيخلفها الرئيس ترامب وعائلته في قضية الصراعات العربية - الإسرائيلية والشرق أوسطية بشكل عام، فإن بايدن ووزير خارجيته لن يستطيعا المساس بمكاسب إسرائيل التي حصلت عليها خلال الأسابيع الأخيرة من حكمه.

 كثيرة وصعبة هي التحديات التي تنتظر بايدن وجماعته، وتزداد صعوبتها إذا أضفنا إليها غزوة فيروس كورونا والمشكلات الكونية الأخرى، وأضفنا أيضاً المقاومة الشرسة التي يستعد ترامب لمباشرتها بمساعدة جماعات مصالح بعضها لن يتردد في استخدام العنف لتحقيق حلم استعادة أمريكا الدولة الأعظم.

* جميل مطر دبلوماسي مصري سابق ومفكر مهتم بالعولمة والنظام الدولي والإقليمي.

المصدر | الشروق

  كلمات مفتاحية

النظام العالمي، بايدن، الولايات المتحدة، إسرائيل، بلينكن، كورونا، العلاقات الدولية، الشرق الأوسط،