عام ثقيل.. هل تؤدي أزمات 2020 إلى إصلاحات ديمقراطية في دول الخليج؟

الاثنين 28 ديسمبر 2020 02:09 ص

شهدت دول مجلس التعاون الخليجي العديد من التطورات المفصلية على مدار عام 2020 والتي أثرت أيضًا على بقية المنطقة والعالم، فقد رحل خلال هذا العام اثنان من القادة الخليجيين المشهورين اللذين حكما لفترة طويلة، وهما سلطان عُمان "قابوس بن سعيد" وأمير الكويت "صباح الأحمد الصباح".

كما ظهرت جائحة "كورونا" وضربت دول الخليج بشدة، حيث تسببت في انهيار أسعار النفط بسبب انخفاض الطلب على الصعيدين العالمي والإقليمي.

بالإضافة إلى ذلك، اتخذت دولتان خليجيتان (الإمارات والبحرين) قرارًا تاريخيًا بتطبيع العلاقات مع عدوتهما الإقليمية منذ فترة طويلة وهي إسرائيل.

وقد أثرت التطورات غير المتوقعة في عام 2020، ولا سيما الجائحة العالمية، على الظروف الاجتماعية والاقتصادية، مما تسبب في حالة من عدم اليقين في المنطقة.

وبشكل أكثر تحديدًا، أصبحت أنظمة الصحة والتعليم وسوق العمل وهياكل الحماية الاجتماعية مضغوطة ومثقلة في جميع أنحاء دول الخليج.

ومع ذلك، فقد تؤدي أحداث عام 2020 في الواقع إلى فرص جديدة للعديد من الحكومات الخليجية لبدء أو تسريع الإصلاحات والانفتاح السياسي في سياق التعامل مع التحديات طويلة الأجل، كما حدث في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وبالرغم أن الديمقراطية الليبرالية لم تترسخ في أي من دول الخليج، إلا أن التجربة التاريخية تُظهر أن الأزمات الملحوظة أو التحديات الأمنية في المنطقة قد تلتها في الغالب فترة من الإصلاحات السياسية والتغييرات الاجتماعية.

دوافع الإصلاحات السياسية

هناك نمط يتضح بالنظر إلى منطقة الخليج في الماضي، ففي أعقاب حربي الخليج وتزايد التهديدات الأمنية، بدأت دول مجلس التعاون الخليجي سلسلة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية.

وفي منتصف التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أدى تولي حكام جدد في البحرين والإمارات وقطر إلى زخم كبير حول فكرة التغيير، لا سيما في مجال الإصلاح الدستوري والهيئات المنتخبة. 

وبدأت موجة انتقالية جديدة تهيمن على دول مجلس التعاون الخليجي، في الوقت الذي كان فيه لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 تأثير كبير على المنطقة، حيث أدى الغزو الأمريكي للعراق والانخراط في المنطقة إلى تسريع الإصلاح السياسي وعمليات التحول في الخليج.

وقد تضمن ذلك تحولات مهمة في الحوكمة والتعليم والاقتصاد والتكنولوجيا ودمج المرأة في المجتمع. 

وعندما بدأ الربيع العربي في تونس في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، عادت آمال جديدة في التحول السياسي والمزيد من الإصلاحات في الخليج.

ففي السنوات الأولى من الربيع العربي، تم إدخال المزيد من الإصلاحات من أجل حوكمة أفضل مع إدخال إصلاحات سياسية واقتصادية محدودة في أجندات أنظمة دول مجلس التعاون الخليجي.

ومع ذلك، أصبحت غالبية أنظمة الخليج تنظر بريبة أكبر إلى الانفتاحات والإصلاحات السياسية هذه المرة.

ففي غضون عامين من الثورات العربية، أصبحت بعض أنظمة دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة السعودية والإمارات والبحرين أكثر قمعا وشهدت تراجعاً في سيادة القانون.

وبالرغم أن أجندات رؤاهم الوطنية التي أشارت إلى إصلاحات واسعة، كانت تحدد أهدافًا واعدة، إلا إن تنفيذها ظل ضعيفًا وباهتا، وغالبًا ما كان موجهًا نحو غايات ومشاريع ضخمة مشكوك في جدواها العملية.

تحديات فرضها عام 2020

أدى عام 2020 إلى إرساء واقع جديد، حيث أدى تفشي فيروس "كورونا" المستجد إلى إلحاق الضرر بالاقتصادات والمجتمعات، بغض النظر عن مستوى الدخل، ولم تُستثن دول مجلس التعاون الخليجي من ذلك.

دفعت التحديات التي أحدثها "كورونا" أنظمة الخليج مرة أخرى إلى إطلاق أجندات سياسية جديدة تتضمن إصلاحات للاستجابة لاحتياجات الناس وترسيخ الولاء للحكام أو الأنظمة.

وكانت استجابة دول مجلس التعاون للجائحة منذ بدايتها حازمة وحاسمة، وتمت الإشادة بها في جميع أنحاء المنطقة وأدت إجراءاتها للحد من وفيات "كورونا" إلى واحدة من أدنى معدلات الوفيات في العالم، حيث ركزت العديد من دول الخليج على الاختبار والعلاج الطبي للجميع، والدعم المالي للمواطنين وحملات التوعية بالفيروس وعواقبه.

ولكن، على الرغم من نجاحها في إبقاء الأرقام منخفضة، إلا أن الجائحة أدت إلى تفاقم التحديات طويلة الأجل مثل الركود الاقتصادي، وعدم المساواة الاجتماعية، وعدم كفاية نظام الرعاية الصحية، وعدم الاستقرار السياسي (إذا نظرت الشعوب إلى الأنظمة على أنها غير قادرة على الاستجابة لمخاوفهم الاجتماعية).

والأهم من ذلك، أن التراجع الأخير في أسعار الطاقة أدى إلى تآكل عائدات النفط وتسبب في أزمة سيولة.

ويمكن لهذا الوضع الاقتصادي الجديد أن يخلق العديد من الانتكاسات لحكومات الخليج في سياق سعيها للحفاظ على عقدها الاجتماعي القائم على إنفاق الدولة بسخاء في مقابل الحصول الدعم السياسي.

ويؤكد الوضع الجديد على الحاجة الملحة إلى مجموعة من الإصلاحات السياسية لمنح بديل للعقد الاجتماعي الريعي القائم.

أما التغيير والتحدي المهم الآخر في المنطقة، فهو يواجه الحاكمين الجديدين الكويتي والعُماني، لتوطيد سلطتهما في الداخل والخارج.

ويصبح هذا الأمر أكثر أهمية بالنظر إلى شعبية السلطان "قابوس" والشيخ "صباح الأحمد الصباح" على الصعيدين المحلي والإقليمي.

ويحتاج الخلفان إلى بذل جهود إضافية لإقناع شعبيهما أنهما قادران على حكم البلاد، وبالتالي لن يكون من المستغرب رؤية المزيد من الانفتاحات السياسية والإصلاحات الاجتماعية والسياسية في الكويت وسلطنة عمان في المستقبل القريب لتعظيم شعبية الحكام الجدد وتقليل التحديات الجديدة التي تغذيها جائحة "كورونا".

وفي هذا الصدد، جاءت الإشارة الأولى لمثل ذلك من عُمان، حيث تعهد السلطان "هيثم" في خطابه الأول كحاكم باتباع سياسة عدم التدخل، ووعد بمسيرة كبيرة من الإصلاح.

وأخيرًا، لا ينبغي أن نغفل أن إجراءات السياسة الخارجية الجديدة التي اتخذتها الإمارات والبحرين، تعتبر تحديات محتملة لهذه الدول وأنظمتها.

وفي حين اعتبر بعض المحللين التطبيع فرصة لتعزيز أهداف السياسة الخارجية للإمارات والبحرين، فإن الاتفاقيات الأخيرة مع إسرائيل أثارت غضب عدد كبير من المواطنين عبر العالم العربي والخليج.

وكما هو واضح في أحدث استطلاع للرأي العربي في 2019-2020، فإن الغالبية العظمى (88%) من العرب لا يوافقون على اعتراف بلدانهم بإسرائيل، ويقبل 6% فقط العلاقات الدبلوماسية الرسمية.

ويعد رفض الاعتراف بإسرائيل الأعلى نسبيًا في منطقة الخليج، حيث إن ما يقرب من 90% من المشاركين في قطر والكويت يرفضون اعتراف بلادهم بإسرائيل، و 65% من السعوديين يعارضون ذلك، مقابل 6% وافقوا على الاعتراف، بينما رفض 29% إبداء رأيهم.

وفي حين أن الاستطلاع لم يجر في الإمارات أو البحرين، إلا أنه يوضح أن القرارات التي اتخذتها هاتان الدولتان لم تلق ترحيباً من المواطنين العاديين في جميع أنحاء العالم العربي والخليج.

لهذا السبب، من الممكن أن نشهد قيام الأنظمة في الإمارات والبحرين باتخاذ إجراءات جديدة لإصلاح صورتها من خلال منح حقوق اجتماعية أو سياسية جديدة على الصعيد المحلي والاقتصادي.

علاوة على ذلك، فإن التقارب المحتمل للسعودية مع إسرائيل سيزيد من حدة المعارضة في الرأي العام الخليجي.

عودة الإصلاح للخليج

من هنا نخلُص إلى أن الإصلاحات الديمقراطية ومنح الحقوق السياسية لطالما أظهرت قدرة ملحوظة على زيادة شعبية حكام الخليج محليًا ودوليًا، على الرغم من كونها تجميلية وتنتهج مقاربة من القمة إلى القاعدة.

لهذا يتجه الحكام والأنظمة عادةً إلى الإصلاحات في أوقات الأزمات للحفاظ على معقلهم وشرعيتهم وشعبيتهم.

لذلك فبالرغم أن فترة ما بعد "كورونا" ستشهد على الأرجح نوعًا من الأزمات المتفاقمة، فإن هناك احتمالًا كبيرًا بأن تعود عملية الإصلاح الديمقراطي إلى منطقة الخليج.

وظهرت إحدى الإشارات المبكرة لمثل ذلك من قطر في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، حيث أعلن أمير قطر أن بلاده ستجري انتخابات لمجلس الشورى في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وهذه خطوة مهمة نحو تعزيز التقاليد الاستشارية القطرية وتطوير العملية التشريعية بمشاركة أوسع من المواطنين.

أما عن سؤال ما إذا كانت الإصلاحات ستؤدي إلى الديمقراطية أم ستكون عملية تجميل أخرى لتوطيد السلطة وإطالة أمدها والتمسك بها، فسيتم الإجابة على ذلك من خلال التفاعل السياسي والاجتماعي عبر دول الخليج.

المصدر | سيهات باتالوجلو/ مركز دراسات الخليج - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

صباح الأحمد السلطان قابوس تداعيات كورونا الديمقراطية التطبيع انهيار أسعار النفط إصلاحات سياسية دول الخليج

بلومبرج: ميزانيات دول الخليج المتدهورة قد تسبب ردود فعل اجتماعية