تحديات جيوسياسية أمام دول الخليج مع الانتقال الصعب للسلطة في أمريكا

الجمعة 1 يناير 2021 01:23 ص

لا يزال الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" يكافح للطعن في نتائج الانتخابات حتى الأسابيع الأخيرة من فترة إدارته، حيث يصر على رفض التنازل لمنافسه الرئيس المنتخب "جو بايدن". وبينما تقوم الإدارة بمحاولة تلو الأخرى لتغيير نتائج الانتخابات، تراقب بقية دول العالم التطورات بعناية.

وفي حين جرت العادة أن يتم إعلان الفائز ليلة الانتخابات، شاهد العالم هذه المرة نتائج الانتخابات مع عشرات الدعاوى القضائية التي رفعها الرئيس "ترامب" ومحاموه. بعد ذلك، في 15 ديسمبر/كانون الأول 2020، تم تأكيد فوز الرئيس المنتخب "بايدن" من خلال تصويت المجمع الانتخابي، وهو أحد الخطوات الرسمية الأخيرة قبل التنصيب.

تترك إدارة "ترامب" إرثًا سلبيًا من نواح كثيرة، حيث تنظر شريحة كبيرة إلى "ترامب" على أنه فشل في معالجة أي قضية ملحة في السياسة الأمريكية. وبالرغم من الوعود بموازنة عجز الميزانية فقد تضخم العجز تحت قيادته ولم يتم علاج مشكلة البطالة، كما نما العجز التجاري بشكل كبير خلال الوباء. وتعد العلاقات مع الحلفاء التاريخيين لواشنطن في أوروبا في أسوأ حالاتها منذ نصف قرن.

ومع ذلك، قد يكون الضرر الأكبر الذي أحدثه "ترامب" هو الاستقطاب بين الأمريكيين الليبراليين والمحافظين ذوي المعتقدات المتعارضة. ويخشى بعض المحللين الأمريكيين من أن البلاد قد تواجه حربًا أهلية بسبب ازدراء الرئيس المستمر للديمقراطية.

وقد تعكس هذه الأحداث الأخيرة احتمالات زوال الهيمنة الأمريكية باعتبارها القوة العظمى العالمية الوحيدة. وتاريخيا، عادة ما يبدأ تراجع القوى الكبرى من الداخل وليس من الخارج. وفي حين أن الوقت والمكان والظروف الخارجية مختلفة، فإن ما يحدث في الولايات المتحدة له أوجه تشابه واضحة مع ما حدث للإمبراطورية البريطانية بعد أزمة السويس من قبيل الانقسامات الداخلية، والتدهور الاقتصادي، وفقدان الحس الأخلاقي بالقيم الوطنية. وقد تكون حروب أمريكا المثيرة للجدل في العراق وأفغانستان هي ما سيشير إليه المؤرخون على أنها بداية الأزمة الأخلاقية الأمريكية.

ولعل ما أوصل السياسية الأمريكية إلى وضعها الحالي هو مجموعة من العوامل التي ظهرت في الطريقة التي حكم بها "أوباما" و"ترامب" البلاد. وبالرغم من أن الرئيسين جاءا من أحزاب سياسية مختلفة وكان لديهما فلسفات سياسية مختلفة تمامًا، إلا أن كل منهما كان يفتقر إلى فهم التغييرات داخل الولايات المتحدة وفي العالم. وهذا مشابه للحكم البريطاني لـ"أنتوني إيدن" و"هارولد ماكميلان"، بعد الحرب العالمية الثانية حيث اعتقدا أنه من الممكن "إعادة عقارب الساعة إلى الوراء".

لا يمكن حل القضايا التي سينقلها الرئيس "ترامب" إلى الرئيس "بايدن" في 20 يناير/كانون الثاني إلا من خلال إصلاح سياسي يعالج الاستقطاب داخل المجتمع الأمريكي. وسيتطلب ذلك جهداً هائلاً قد لا يكون ممكناً للإدارة المقبلة متابعته. حتى على مستوى الحزبين، فإن أي عضو بارز يتعاون مع الطرف الآخر "يعتبر خائنًا"، كما أشار الرئيس السابق "باراك أوباما" في كتابه الأخير "أرض الميعاد" حيث روى "أوباما" قصة مسؤول جمهوري احتضنه بسبب نجاحه في معالجة الأزمة الاقتصادية عام 2009 واضطر هذا العضو لترك الحزب بسبب الانتقادات الشديدة التي تلقاها.

يعتبر وضع "بايدن" عام 2021 أسوأ بكثير مما كان عليه الوضع في عام 2009. وبينما يبدو الحزب الجمهوري موحداً بين أعضائه، يواجه "بايدن" عددًا من الحركات الانقسامية داخل حزبه وأقوى هذه العناصر هو الجناح اليساري التقدمي للحزب، الذي وقّع بعضه على خطاب الأسبوع الماضي يطالب بالعودة الفورية للاتفاق النووي مع إيران.

بسبب هذا الخلاف، من المحتمل أن تكون إدارة "بايدن" مترددة في اتخاذ قرارات مهمة على الفور. وبالتالي، من المحتمل أن تتعطل سياسة الولايات المتحدة لبعض الوقت، بسبب الاستقطاب الاجتماعي والمشاكل الاقتصادية. ومع تعثر الاقتصاد الأمريكي، وقعت الصين اتفاقية تجارة حرة مع 14 دولة أخرى من آسيا والمحيط الهادئ من شأنها أن تساعد كل منها على استعادة اقتصاداتها بشكل أسرع من الولايات المتحدة.

ينتقل نموذج التجارة الحرة إلى الشرق، على غرار معظم القيم الغربية، وبينما جاء مفهوم التجارة الحرة من الفكر الليبرالي الغربي - "دعه يعمل، دعه يمر" - فقد تحول إلى مكان آخر بتطبيق حديث. بينما دفع "ترامب" ودائرته الشعار المخادع ، "أمريكا أولاً"، والذي تسبب في العزلة وانعدام الثقة، يضع "بايدن" الآن أمريكا "على رأس الطاولة". ومع ذلك، فإن هذا الشعار مضلل أيضًا. وفي حين أن أمريكا لديها الآن مقعد على طاولة المجتمع الدولي، إلا أنها لم تعد على رأسها.

سيكون الاختبار الأول لسياسة "بايدن" الخارجية هو كيفية التعامل مع إيران. لهذا، هناك عدة سيناريوهات حيث قد يتجه "بايدن" إلى العودة السريعة إلى الاتفاقية دون أي تعديل، كما يطلب منه الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي. ومع ذلك، من خلال القيام بذلك، سيعطي "بايدن" إيران الضوء الأخضر لإحداث المزيد من الفوضى في المنطقة أكثر مما تفعل بالفعل.

أما السيناريو الثاني المحتمل فهو العودة إلى الضغط على إيران - من خلال العقوبات على الأرجح - للتفاوض بشأن برنامج الصواريخ الباليستية وسياساتها الإقليمية. وسيجعل هذا السيناريو الولايات المتحدة تواجه ابتزازًا إيرانيًا مرة أخرى، وستستمر هذه المفاوضات لسنوات، وربما إلى ما بعد فترة "بايدن" البالغة 4 سنوات. وسيكون سقف التقدم هنا منخفض للغاية بسبب انعدام الثقة العميق بين الجانبين. وإذا كانت الإدارة منشغلة بقضايا دولية أخرى، مثل العلاقات مع الصين وروسيا، فلن يتم إحراز تقدم يذكر في المفاوضات مع إيران.

يرى البعض في القضية النووية الإيرانية هاجسًا للغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص. والحقيقة أن الأولوية بالنسبة لجيران إيران ليست برنامجها النووي، ولكن تدخلها في شؤونهم الداخلية. لقد أدى التدخل الإيراني إلى فوضى خطيرة في هذه الدول العربية يصعب إصلاحها. على سبيل المثال، بسبب السياسات الإيرانية في المنطقة، تغيّر معنى "الدولة" ومؤسساتها تغيّرًا كليًا في لبنان وسوريا واليمن والعراق. ومع ذلك، فإن الجائزة الكبرى لإيران ستكون عدم الاستقرار في دول الخليج التي لطالما عارضت طهران. إن إحجام أمريكا المتزايد عن الالتزام بشكل أكبر بالصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط قد يشجع طهران على القيام بذلك.

وستؤدي مواجهة هذا الاحتمال الخطير إلى التفكير في رد واستراتيجية دفاع تتكون من 4 خطوات مترابطة. أولها تشكيل "جدار عربي" يتكون من الدول العربية المستقرة التي تخشى التوسع الإيراني، أما الخطوة الثانية فهي إنهاء الخلاف الخليجي باعتبار أن الخطر القادم من طهران لن يسلم منه أحد. ثالثاً: حضور دبلوماسي وفكري لنفوذ عربي في واشنطن لشرح الموقف العربي وهمومه. أخيرًا، يجب على الدول العربية متابعة الإصلاحات الداخلية والعمل على بناء نموذج جاد وصحي لدولة مدنية حديثة، بما في ذلك جهود التنويع الاقتصادي، وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان.

لطالما انخرط المدافعون عن سجل إيران في مجال حقوق الإنسان بانتقاد حقوق الإنسان في دول مجلس التعاون الخليجي، ولن تكون الجهود الناجحة التي تبذلها الدول العربية لتحسين سجلاتها في مجال حقوق الإنسان هدفاً أخلاقياً في حد ذاتها فحسب، بل ستحسن إلى حد كبير موقف الدول العربية في واشنطن وتحرم النظام الإيراني من سلاح قوي. إن هذه الخطوات الأربع لا غنى عنها للتعمل العربي مع الانسحاب الأمريكي المحتمل من المنطقة واحتمال زيادة التهديد الإيراني.

المصدر | محمد الرميحي/ منتدى الخليج الدولي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الانتخابات الأمريكية العلاقات الخليجية الأمريكية المشروع النووي الإيراني إدارة بايدن

جيوبوليتيكال: فوز بايدن يدفع السعودية نحو إسرائيل.. والتعاون الخليجي ينهار

بي بي سي: فوز بايدن يفرض واقعا جديدا على قادة الخليج وعليهم الاستعداد