استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الثابت والمتحول في اللغة

السبت 9 يناير 2021 09:48 ص

الثابت والمتحول في اللغة

اللغة عالم من المعاني كما الحال في «علم الدلالة» وهي عالم من الإشارات كما هو الحال في «علم الإشارة».

لغة القرآن لاستعمال بيئة ثقافية محددة فالخطاب القرآني له مستويات عدة بين الثبات في العلم الإلهي والتحول في الفهم الإنساني.

ضياع العرب المعاصرين جعلهم يتمسكون بالثبات حرصاً على وجودهم في التاريخ ووقاية لهم من تحولات الزمن.

إذا كانت الثقافة العربية قد غلّبت المتحول على الثابت فقد كان الأولى أن تكون لنا خصوصيتنا وثقافتنا التي تغلّب الثابت على المتحول.

في كل لغة عنصر ثابت وآخر متحول الثابت يضمن البقاء في التاريخ واستمرارية عبر الأجيال والمتحول يضمن تجددا مستمرا وتكيفا مع الواقع المتغير.

*     *     *

الحقيقة أن اللغة ليست مجرد شكل كما يقول المحدثون، بل هي مضمون كما يقول القدماء؛ أي لفظ ومعنى، معنى وشيء يشير إليه اللفظ. وكما قال هوسرد مؤسس الظاهريات في تعريف فعل «فكر» بثلاثة أشياء: يتكلم وهو اللفظ، يفكر وهو المعنى، والشيء موضوع التفكير.

فاللغة عالم من المعاني كما هو الحال في «علم الدلالة». وهو عالم من الإشارات كما هو الحال في «علم الإشارة». وإذا كانت الدلالة معنى، فإن الإشارة توحي بفعل من أجل الإتيان بشيء دون استعمال صيغة الأمر بالضرورة. فاللغة إذن عالم مركب من الأصوات والدلالات والأفعال.

وفي كل لغة عنصر ثابت وعنصر متحول. الثابت يضمن لها البقاء في التاريخ والاستمرارية عبر الأجيال، والمتحول يضمن لها التجدد المستمر والتكيف طبقاً لمعطيات الواقع المتغير. الثابت أشبه بجذع الشجرة والمتحول أشبه بالأوراق والثمار التي تسقط في الفصول والمواسم كي تعود من جديد كل عام.

واختلف فقهاء اللغة حول أي عنصر من عناصر اللغة الثلاث هو الثابت وأيها المتحول؟ وهل يثبت اللفظ فيتغير المعنى أم يثبت المعنى ويتغير اللفظ؟ هل يثبت الشيء؟ الطبيعة لا تتغير، الأرض أرض، والسماء سماء، والماء ماء، والهواء هواء.. وتتغير الألفاظ طبقاً للغات وحياة الكلمات، وتتغير المعاني طبقاً للتصورات والنظريات وتقدم المعارف والعلوم.

وقد تعرض القدماء للثابت والمتحول في نظرية المعاني الثلاثة للفظ. فكل لفظ له معنى اشتقاقي يبين نشأة اللغة من تقليد أصوات الطبيعة: عواء القط ونباح الكلب وزقزقة العصافير.. وله معنى عرفي في الاستعمال اليومي، فالعادة هي التي تعطي المعنى. وتشمل العادة الاتفاق والمواضعة والعرف والتقاليد.

وله المعنى الاصطلاحي، وهو المعنى الجديد الذي يرتبط بالاشتقاق والعرف مع تثبيت أحد جوانب المعنى كمعيار دائم. فالمعنى الاشتقاقي مرتبط بجذر اللفظ في الطبيعة، وهو أقرب إلى الثبات منه إلى التحول. والمعنى الاصطلاحي أيضاً هو المعنى الثابت المعياري الذي لا يتغير. والمعنى العرفي هو المتغير طبقاً للاستعمال من عصر إلى عصر وإن لم يكن من فرد إلى فرد أو من جيل إلى جيل.

ويبدو أن مجامع اللغة العربية أقرب إلى تغليب الثابت على المتحول نظراً لحرصها على تطابق اللفظ مع المعنى المعياري، وتطابق اللفظ مع الشيء أو بالأحرى تطابق الشيء مع اللفظ.

فإذا كان الشيء جديداً، فاللفظ هو الثابت والمعنى هو المتغير في تصور مجامع اللغة العربية الأمينة على بقاء الألفاظ واستمرارها في التاريخ حرصاً على نقاء اللغة وحياة الألفاظ في المعاجم والقواميس.

ويُزاح الاستعمال جانباً لأنه يقلل من ثبات اللفظ خاصة في مجتمع عربي متعدد الأعراف والتقاليد، وفي إطار من الوحدة العربية التي تجسدها اللغة، وبباعث القومية العربية التي أحاطت بها الأخطار حتى توارت عن الأنظار في الخطاب السياسي وفي الواقع العملي.

أما المعنى فإنه أقرب إلى ثبات اللفظ. فهو الوحيد الباقي كطرف للمعنى بعد استبعاد الاستعمال. والحجة في ذلك أن تغليب المتحرك على الثابت فيه ضياع لثبات اللغة التي هي حامل الوحي، لغة الضاد، لغة القرآن الكريم. كما أن بقاء اللغة ثابت في التاريخ، يحمي الأمة من الضياع والاغتراب.

فاللغة هي الهوية الثابتة في الوعي التاريخي، وإن تغيرت الثقافات وتعددت الحضارات. والحقيقة أن هذا افتراض نظري صرف، وحجة إنشائية. فالوحي مقروء ومكتوب ومحفوظ ومفهوم ومُفسر ومؤول.

وأنزل في مكان وزمان معينين لشعب بعينه بلغة محددة وفي ثقافة خاصة هي الثقافة العربية قبل الإسلام. وكانت اللغة العربية، ليست فقط لغة القرآن، بل لغة مستعملة بين الأعراب، تنطق بها القبائل، وتوحي بأعراف وعادات ومعاني يعرفها العرب.

فلغة القرآن أيضاً للاستعمال في بيئة ثقافية محددة. وللخطاب القرآني مستويات عدة بين الثبات في العلم الإلهي والتحول في الفهم الإنساني. لكن ضياع العرب المعاصرين، جعلهم يتمسكون بالثبات حرصاً على وجودهم في التاريخ ووقاية لهم من تحولات الزمن.

وإذا كانت الثقافة العربية قد غلّبت المتحول على الثابت، فقد كان الأولى أن تكون لنا خصوصيتنا وثقافتنا التي تغلّب الثابت على المتحول. «كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام»، و«كل شيء هالك إلا وجهه».

* د. حسن حنفي أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة.

 

المصدر | الاتحاد

  كلمات مفتاحية

اللغة العربية، الثابت، المتحول، الثقافة العربية، القرآن، الهوية، التاريخ، اللفظ، اللغة العربية، الثابت، المتحول، الثقافة العربية، القرآن، الهوية، التاريخ، اللفظ، اللغة العربية، الثابت، المتحول، الثقافة العربية، القرآن، الهوية، التاريخ، اللفظ، اللغة العربية، الثابت، المتحول، الثقافة العربية، القرآن، الهوية، التاريخ، اللفظ،