استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

مجنونٌ أم ممثلٌ لأحد وجوه أمريكا

الثلاثاء 12 يناير 2021 09:21 ص

مجنونٌ أم ممثلٌ لأحد وجوه أمريكا

ولد زعيمٌ سياسي في يوم العصيان هذا، يخطط للمستقبل، بما يتخطّى رئيس جمهورية كان هنا لأربع سنوات.

لماذا السعي لعزل ترامب؟ عقوبة مستحقة؟ أم خوفاً من فعلة أفظع كالإقدام على إشعال حرب مع إيران في أيام ولايته الأخيرة!

ترامب يَعرف أنه لن يتمكن من تغيير النتيجة وبهذا الحدث أراد ترسيخ تمثيله لشرائحَ اجتماعية بعينها ومفاهيمها وسيسعى للرئاسة في الانتخابات القادمة.

*     *     *

كانت مشاهدَ مذهلة! مسليةً و"ممتعة"، مثل فيلم سينمائي يذّكر بأفلام الكاوبوي، على الرغم من تسبب ما جرى بمقتل أربعة أشخاص. الشرطةُ المولجة بحراسة مبنى الكابيتول تفرُّ أمام جموع هائجة.

سجّل الجميع في أنحاء العالم، وكذلك الصحف الأمريكية الكبرى، قلة عدد أفراد الشرطة، "الملفت للنظر" كما يقال بتهذيب موحي بإن هذا الضعف الشديد في الحراسة – وهو غير معتاد حتى في جلسات عادية للكونغرس – كان مقصوداً.

ولم يتحرك "الحرس الوطني" إلا بعد ساعات، مع أنه يرسَل هو والشرطة الفيدرالية إلى مقاطعات أخرى ما إن تحدث فيها مظاهراتٌ حاشدة..

ومع أن ما جرى كان متوقعاً، بل دعا إليه صراحة الرئيس الأمريكي قبل سويعات من وقوعه، في مهرجان حاشد بالقرب من مقر الكونغرس، وقال لهم "اذهبوا لحث أعضاء الكونغرس على احتساب الأصوات بشكل صحيح".

ثم سمّى من اقتحموه بـ"الوطنيين"، وقال لهم "أحبكم"، قبل أن يدعوهم للعودة إلى البيت، مع استمراره على التأكيد على أنه الفائزُ، وأن هناك تزويراً، وقال لهم أيضاً "لا تستسلموا أبداً".. وهو ما كتبه أنصاره على ورقة تُركت على مكتب رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي.

هل المظهرُ "الهمجي" لبعض هؤلاء الأنصار، ملابسهم - وقد ارتدى بعضهم فراء حيوانات فوق صدور عارية، ووضعوا على رؤوسهم قرونها، في تبنٍ للبدائية والوحشية.

الألوان المرسومة على وجوههم وأجسادهم، تلويحهم بأذناب الجواميس المقطوعة، السلاح الذي تباهوا بحيازتهم له داخل أروقة الكونغرس، ارتداء بعضهم لبزات عسكرية (وقد عُرِفّوا بأنهم من جماعة "برايد بويز")، وضع أرجلهم بالأحذية الضخمة فوق المكاتب الخ..

هل ذلك كلُّه مجرد تمثيل؟ هل صفاقةُ ترامب، التي تتجاوز الخيال، صفةٌ شخصية؟ حتى نائبه، مايكل بنس، حتى نتنياهو، صُدموا!

فالمخاطرة التي أقدم عليها الرئيس كبيرةٌ، وها حساباته على تويتر وفيسبوك عُلّقت، وها النقاشات دارت وتدور حول عزله، أو تنحيته بسبب "عدم الأهلية الصحية" (المادة 25 من الدستور الأمريكي، وهي التي يمكن الاعتداد بها)، قبيل بضعة أيام من انتهاء ولايته، وبعد أن صادقَ الكونغرس - الذي عاد لاستئناف انعقاده - على صحة انتخاب بايدن.

لماذا؟ كعقوبة مستحقة؟ أم خوفاً من فعلة أفظع كما يقال همساً، كالإقدام مثلاً على إشعال الحرب مع إيران في الأيام الأخيرة من ولايته، وهذا بحسب صحف أمريكية كبرى.

وهذه اعتبرت السادس من كانون الثاني 2021 "أحد الأيام الأكثر قتامةً في تاريخ الولايات المتحدة (واشنطن بوست)، بينما قالت نيويورك تايمز "هو من حرّض أتباعه ويجب عزله".

المدهشُ كذلك في ما جرى هو ميوعة الطرف المقابل. أوباما وآل كلينتون صامتون لساعات، بايدن يدعو ترامب للظهور على التلفزيون و"ضب" جماعته، وتؤيده في ذلك نائبته، من دون إبداء أي غضب أو تشنج.

والجميع يشدد على ضرورة الحفاظ على الديمقراطية ورموزها، والجميع يتمنى استعادة قاعدة التوازن بين الحزبين الكبيرين، التي تحكم السياسة والسلطة في الولايات المتحدة.

لعل الديمقراطيين خافوا من النتائج المترتبة على الإخلال بهذه القاعدة، والتي يمكن أن تفتح الباب لفوضى وما سُمّيَ "حرباً أهلية"، وتطيح بالتالي بمكانتهم، وتغيّر تماماً قوانين اللعبة.

لعل ذلك يفسر أيضاً ميوعة الإجراءات التي أعقبت الحدث، إذ يقال إنه بعد ظاهرة عدم مقاومة الاقتحام وعدم حماية الكابيتول، فلا توقيفات، ولا محاسبات، وقد كنا أمام فاعلين من الذكور البيض. أي ممن يحوزون شرعية الانتماء إلى أمريكا.

يعني حُلّت عشائرياً!

المؤكدُ أن هذا الذي جرى، بكل تفاصيله، يعبّر عن واقع قائم في البلاد: مصالح كبرى متقاسمة بين الكتل السياسية بغض النظر عن توزعها على الحزبين، وانشطار عنيف بين المدن الكبرى، والتي لديها بالمقابل مشكلاتها العويصة، وعلى رأسها المسألة العنصرية، والتمييز ضد السود واضطهادهم، والأرياف والمناطق الداخلية، التي تعيش إيقاعاً مختلفاً، وتخشى ببلاهة غزوة "اليساريين"!

وهذا كله أحد جوانب الموقف. فعسى ما جرى يحفّز على تفحص أمريكا كما أصبحت، وكما هي الآن.

لقد ولد زعيمٌ سياسي في هذا اليوم، يخطط للمستقبل، بما يتخطّى رئيس جمهورية كان هنا لأربع سنوات. فترامب يَعرف أنه لن يتمكن من تغيير النتيجة على الرغم من كل محاولاته، والأرجح أنه في هذا اليوم، وهذا الحدث أراد ترسيخ تمثيله لشرائحَ اجتماعية بعينها، ولمفاهيمَ تمثّلها، وهو سيسعى من خلالها إلى العودة إلى الرئاسة في الانتخابات القادمة.

* نهلة الشهال كاتبة وناشطة لبنانية، رئيسة تحرير "السفير العربي".

المصدر | السفير العربي

  كلمات مفتاحية

الولايات المتحدة، السياسة الأمريكية، انتخابات، ترامب، ديمقراطية، اقتحام الكونغرس،