فورين أفيرز: بايدن لن يغير سياسات ترامب الناجحة في الشرق الأوسط

الاثنين 18 يناير 2021 01:38 ص

كما هو الحال مع الرؤساء الثمانية السابقين للولايات المتحدة، كان الشرق الأوسط مهيمنا على جزء كبير من السياسة الخارجية للرئيس "دونالد ترامب". وبالرغم من الحديث عن إنهاء "الحروب الأبدية" والتحول إلى آسيا، فقد أعادت المصالح الوطنية الأساسية الولايات المتحدة مرارًا وتكرارًا إلى المنطقة.

اختلفت أولويات "ترامب" في الشرق الأوسط من نواحٍ عديدة عن أولويات أسلافه والتي تمثلت في القضاء على أسلحة الدمار الشامل، ودعم شركاء الولايات المتحدة، ومحاربة الإرهاب، وتسهيل تصدير منتجات النفط. لكن من نواحٍ أخرى، حققت إدارة "ترامب" التي عملت فيها كمبعوث لكل من سوريا والتحالف لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" تحولًا ملحوظًا في نهج الولايات المتحدة تجاه المنطقة.

تابع كل من الرئيسين الأمريكيين "جورج دبليو بوش" و"باراك أوباما" حملاتهما في الشرق الأوسط بناءً على الاعتقاد الخاطئ بأنه من خلال اختراق دول المنطقة سياسياً وعسكرياً، يمكن للولايات المتحدة معالجة الأسباب الكامنة وراء الإرهاب وعدم الاستقرار الإقليمي الدائم.

وبالرغم من صعوبة التنبؤ بسياسة "ترامب"، إلا أن إدارته اتخذت مسارًا مختلفًا وكانت العديد من النتائج لديها واضحة. فقد تجنب "ترامب" المزالق التي واجهها أسلافه من خلال تجنب الاستجابة المباشرة للتهديدات الإقليمية الوشيكة، والعمل بشكل أساسي من خلال شركاء على الأرض.

وبالرغم من كل "الحقد الحزبي" في النقاشات حول السياسة الخارجية اليوم، يجب على هذا النموذج الجديد في السياسة الأمريكية أن يستمر ومن المرجح أن يحدث ذلك، لأنه يوفر الخيار الأفضل لاحتواء التحديات في الشرق الأوسط وإعطاء الأولوية للتحديات الجيوسياسية في أماكن أخرى.

استراتيجية جديدة

تصدر معظم الإدارات الجديدة استراتيجية للأمن القومي ثم تقوم بسرعة بتعليق العمل بها. لكن وثيقة عام 2017 التي صاغها البيت الأبيض قدمت مخططًا جديدًا لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وقد نفذته إدارة "ترامب" بشكل عام. وقد دعت الاستراتيجية إلى تحويل التركيز من ما يسمى بـ"الحروب التي لا نهاية لها" إلى منافسة القوى العظمى، وفي المقام الأول مع الصين وروسيا. وبالنسبة للشرق الأوسط، كان هذا المبدأ الأول يعني تجنب التورط في القضايا المحلية مع الاستمرار في التصدي للمخاطر الإقليمية بما في ذلك احتواء إيران وروسيا وسحق التهديدات الإرهابية الخطيرة.

سعى "ترامب" إلى إنهاء المشاركة المركزية للولايات المتحدة في حملة مكافحة "الدولة الإسلامية" بعد سقوط الرقة، عاصمة التنظيم في سوريا، في عام 2017 وخفض مستويات القوات الأمريكية في أفغانستان، وسلم المهمتين إلى حلفاء محليين. أراد مستشاروه العسكريون أن تظل الولايات المتحدة ملتزمة، بينما سعى القادة المدنيون الآخرون إلى دمج القوات الأمريكية في سوريا والعراق في جهود "ترامب" الأوسع لاحتواء إيران. وكان جزء كبير من الصراع الداخلي للإدارة نتاجًا لهذه الأهداف المتنافسة: الانسحاب وإعطاء الأولوية لمكافحة "الإرهاب" أو التركيز على كل من "الإرهابيين" وإيران.

في النهاية، استقرت الأمور على حل وسط معقول؛ وهو انسحاب كبير للقوات، مع تكريس القوات المتبقية فقط لمكافحة الإرهاب والمهام التي تركز على إيران. وأوضح "ترامب" أنه سيدعم الأعمال العسكرية الإسرائيلية والتركية ضد إيران وروسيا في سوريا، وسيعتمد بشكل أساسي على دول الخليج والأردن والعراق وإسرائيل للوقوف في وجه طهران. وبدورها ستكمل الولايات المتحدة هذه الجهود عسكريًا عند الضرورة، من خلال بيع الأسلحة واستهداف الإرهابيين أو معاقبة رئيس النظام السوري "بشار الأسد" على استخدام الأسلحة الكيماوية.

ومع ذلك، كانت الإدارة حذرة بشكل عام من استخدام القوة العسكرية، خاصة عندما لا تُزهق أرواح أمريكية. لكن عندما قررت التدخل، استهدفت القوات الأمريكية "الأسد" والجماعات الإرهابية والمرتزقة الروس والميليشيات المدعومة من إيران.

في مقابل تحمل هذا العبء الإضافي، تجاهلت إدارة "ترامب" إلى حد كبير السلوك المحلي لشركاء مهمين، بما في ذلك مصر وتركيا وحتى السعودية، بالرغم من مقتل الصحفي "جمال خاشقجي". كما أوضحت الإدارة أنها ستدعم إسرائيل علنًا عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، وستبطل السياسات الأمريكية والدولية القديمة بشأن عمليات نقل الأسلحة ومرتفعات الجولان والقدس والصحراء الغربية. أنتجت هذه السياسات اتفاقيات "إبراهام" بين إسرائيل والعديد من الدول العربية  في إشارة إلى أن المنطقة كانت تتحرك إلى مرحلة ما بعد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

التحدي الإيراني

وضعت مهمة احتواء إيران النموذج الجديد لإدارة "ترامب" على المحك. كان "ترامب" يعتقد أن الاتفاق النووي الإيراني صفقة سيئة؛ حيث كانت مدته محدودة، واشتكى الحلفاء الإقليميون من فشله في معالجة سلوك إيران المزعزع للاستقرار. في النهاية، بعد السعي للحصول على شروط أكثر صرامة من إيران لمدة 18 شهرًا، انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاقية. بالرغم أن طهران ردت بزيادة نشاط التخصيب بشكل سريع، إلا أنها لم تترك الاتفاقية بالكامل.

لم تكن السياسة اللاحقة للإدارة مبنية على تغيير النظام الإيراني، بالرغم أن بعض صانعي السياسة كانوا يتطلعون إلى هذا الاحتمال. بدلاً من ذلك، تم تصميم حملة "أقصى ضغط" التي أطلقها "ترامب" لإجبار إيران على التفاوض بشأن صفقة أوسع تشمل أنشطتها النووية وبرنامجها الصاروخي وسلوكها الإقليمي. وكان للسياسة الأمريكية تأثير حقيقي على كل من الاقتصاد الإيراني والمغامرات الإقليمية.

وبالرغم من استمرار طهران في تهريب النفط والغاز إلى خارج البلاد بأسعار مخفّضة، إلا أن العقوبات حدت من المساعدة المالية التي يمكن أن تقدمها لحلفائها في العراق ولبنان وسوريا. ولم تكن الصين ولا روسيا على استعداد لإنقاذ إيران، ولم يكن بمقدور الأوروبيين فعل الكثير للرد، بالرغم من معارضتهم.

وبالرغم أن معارضي إدارة "ترامب" جادلوا بأن إيران لن تقدم تنازلات موسعة أبدًا، إلا أن مطالب "ترامب" اختلفت قليلاً عن مطالب إدارة "أوباما" المبكرة. في كلتا الحالتين، كانت المواقف التفاوضية الأولية متطرفة. أراد "ترامب"، مثل "أوباما"، التفاوض على صفقة، ولكن مع اختلاف جوهري. فقد كانت أولوية "ترامب" المركزية هي ردع المغامرات الإقليمية لإيران والحد من قدراتها النووية قدر الإمكان، بغض النظر عن القيود الدبلوماسية أو التوصل لاتفاق كما كان يريد "أوباما".

رأى "ترامب" في إيران تهديدًا شاملاً وأخضع جميع السياسات، بما في ذلك الملف النووي، لهذا الواقع. وبالتالي، فقد قلب المنظور، إما لفرض شروط مواتية أو إذا لم يصل لاتفاق، فإنه يضعف إيران بشكل خطير. ولا يمكن الحكم بعد على ما إذا كانت هذه السياسة ناجحة. وسيقرر الوقت وعملية صنع القرار في إدارة "بايدن" ما إذا كان "الضغط الأقصى" سيفتح الباب أمام تسوية مستقبلية أو يدفع إيران إلى الاقتراب من الاختراق النووي بعيدًا عن أي تسوية تفاوضية.

سوريا والعراق

حاول "ترامب" استغلال حملة العقوبات لمواجهة توسع إيران الإقليمي خاصة في سوريا والعراق. في السابق، ورثت إدارة "ترامب" سياسة مشوشة من "أوباما"، وهي سياسة انتقدها حتى مستشارو الرئيس السابق لاحقًا فقد كانت متضاربة فجزء منها يشمل الإطاحة بـ"الأسد" عبر معارضة مسلحة، وجزء يسعى إلى تسوية سياسية بوساطة الأمم المتحدة، وجزء آخر يواجه "الدولة الإسلامية".

بحلول أواخر عام 2017، كانت إدارة "ترامب" قد طورت سياستها الخاصة تجاه سوريا على أساس مبادئ مواجهة التهديدات الإقليمية من خلال العمل مع الحلفاء والشركاء. وتضمنت هذه السياسة إخراج إيران، وهزيمة "الدولة الإسلامية" بشكل كامل، وحل الصراع في البلاد. وبالرغم أن الجيش الأمريكي قاوم الابتعاد عن مهمته في مكافحة "الدولة الإسلامية"، فقد قام في النهاية بتركيز قواته في الشمال الشرقي والجنوب؛ مما حرم "الأسد" وحلفاءه من التضاريس والموارد.

وبحلول عام 2020، كانت الولايات المتحدة قد بنت تحالفًا مرنًا في الوقت الذي سعت فيه لتقليل التزامها المباشر. فقد عملت تركيا وعناصر المعارضة المسلحة في سوريا مع الولايات المتحدة لحرمان "الأسد" من نصر عسكري حاسم، كما أدت الضربات الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة على أهداف إيرانية في البلاد إلى الحد من الخيارات العسكرية للنظام.

في غضون ذلك، قادت الولايات المتحدة تحالفًا دبلوماسيًا دوليًا كبيرًا لدعم الجهود السياسية للأمم المتحدة لحل الصراع، وعزل دمشق دبلوماسيًا، وسحق اقتصاد البلاد من خلال العقوبات.

ولكن، نتيجة تطبيق هذه السياسة الأوسع تجاه إيران هي طريق مسدود. ففي غياب حل تفاوضي، من المرجح أن تستمر حرب الاستنزاف الفوضوية، ولكن هذا الخيار نجح ضد السوفييت في أفغانستان. ومع ذلك، سيتعين على الإدارة المقبلة أن تزن هذه المزايا مقابل المخاطر الأخرى، بما في ذلك التكلفة على المدنيين.

ومما لا يثير الدهشة، أن السياسة الأمريكية وضعت واشنطن على خلاف مع موسكو، التي رأت أن سوريا هي المكان الرئيسي لإعادة الانخراط دبلوماسيًا وعسكريًا في الشرق الأوسط. وتماشيًا مع هدفها المتمثل في مواجهة تهديدات روسيا الإقليمية، ردت الولايات المتحدة مرارًا وتكرارًا على النشاط العسكري الروسي والمرتزقة في شمال شرق سوريا، وساعدت تركيا على صد التوغلات السورية الروسية المشتركة في شمال غرب البلاد.

لكن معارضة تركيا لشريك الولايات المتحدة الكردي السوري المحلي في الشمال الشرقي ("قوات سوريا الديمقراطية" المرتبطة بحزب العمال الكردستاني) أدت إلى تعقيد تلك العلاقة. وأدى هذا التوتر إلى وقوع صدام عسكري ودبلوماسي في أكتوبر/تشرين الأول 2019. وبالرغم أن واشنطن وأنقرة تمكنتا من حل الأزمة، إلا أنها أوضحت صعوبة العمل من خلال الشركاء سواء كانوا من "قوات سوريا الديمقراطية" أو الأتراك والذين قد تتجاوز أجنداتهم ما يمكن أن تدعمه واشنطن.

في العراق، حاولت الولايات المتحدة عزل جهودها العسكرية ضد "الدولة الإسلامية" عن الصراع الأكبر ضد إيران. ومع ذلك، بدأت الميليشيات المحلية الموالية لطهران في تصعيد حملتها ضد القوات الأمريكية. ورد "ترامب" في النهاية، وقتل "قاسم سليماني"، قائد فيلق القدس الإيراني، الذي لا يمكن تعويضه. وردت إيران بشن هجوم صاروخي باليستي على قاعدة أمريكية، لكنها فشلت في إلحاق خسائر جسيمة. وكانت النتيجة انتصارًا واضحًا، وإن لم يكن نهائيًا، للولايات المتحدة. لا تزال القوات الأمريكية في العراق، لكن الميليشيات مثل "كتائب حزب الله" لا تزال تشكل تهديدًا. ولا يزال العراق يمثل الجبهة الأكثر اضطرابا بين واشنطن وطهران.

نموذج للمستقبل

على مدى السنوات الأربع الماضية، حققت إدارة "ترامب" نجاحين رئيسيين في الشرق الأوسط؛ هما اتفاقيات "إبراهام" وتدمير تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا. كما تمكنت من مواجهة التوسع الروسي في سوريا وأماكن أخرى، مع فهم تهديد إيران للاستقرار الإقليمي، وحشد تحالف لمواجهة سلوك طهران.

وبالرغم أن "ترامب" لم يحل التحدي النووي الإيراني، وهو الأمر الذي لم يفعله "أوباما" أيضًا، كانت حدود الاتفاقية النووية الأصلية بشأن تخصيب إيران غير المقيد ستتلاشى بسرعة خلال ما يزيد قليلاً عن 5 سنوات.

ووفقًا لمعايير الشرق الأوسط الأخيرة، كان كل هذا معًا نتيجة سياسية محكمة، حيث تمكن "ترامب" من تقليل الالتزامات والنفقات الأمريكية المباشرة، وكل ذلك أثناء العمل بشكل وثيق مع الحلفاء الإقليميين.

ومع ذلك، قد يكون من الصعب على الإدارة المقبلة الحفاظ على هذا النهج مع إعادة التركيز على الاتفاق النووي الإيراني. ففي الوقت الحالي، يريد العديد من الحلفاء الإقليميين استمرار الضغط الأمريكي على اقتصاد إيران ومغامراتها الإقليمية أكثر من تحقيق عودة فورية للاتفاق. وسيحتاج "بايدن" إلى موازنة تلك الأولويات بعناية.

المصدر | جيمس جيفري - فورين أفيرز – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الاتفاق النووي السياسة الأمريكية في عهد ترامب جيمس جيفري السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط إدارة بايدن والشرق الأوسط إدارة ترامب الشرق الأوسط تنظيم الدولة الإسلامية إدارة بايدن

هكذا سيتغير الشرق الأوسط في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن