استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

تفجيرات بغداد

الأحد 24 يناير 2021 04:28 م

تفجيرات بغداد

أليس معيباً أن أول ما فكر به المسؤولون بعد التفجير إغلاق «منطقتهم الخضراء» فيما تباهي وزير الصحة بعلاج الجرحى مجاناً؟

المواطن العراقي أمام سلطة تعنيها امتيازاتها واقتسام ثروات الوطن متحصنة في «منطقة خضراء» لا يعني من في قصورها حجم الدمار والخراب خارجها.

*     *     *

أتينا مرة على ذكر سيرة الشاعر ابن زريق البغدادي الذي عاش في القرن الحادي عشر، ووجد نفسه محمولاً على مغادرة بغداد قاصداً الأندلس، ظاناً أنه سيجد فيها من لين العيش ما يعوض الفقر الذي عاناه في بغداد.

لكن بغداد لم تغادره، ولم يطق بعداً عنها، فآثر العودة، ولكنه لم يبلغها ثانية، حيث عاجلته المنية، وعثر على سرير موته على قصيدة تفيض حنيناً إلى بغداده البعيدة.

بعد ذلك بقرون، في القرن العشرين، يأتي شاعر عراقي كبير، هو محمد مهدي الجواهري، حملته الظروف، كما حملت قبله ابن زريق، للمنافي البعيدة، ومات ودفن بعيداً. وعن بغداد كتب الجواهري عدة قصائد، لا قصيدة واحدة، في إحداها يقول:

«خذي نفس الصبا بغداد إني/ بعثت لك الهوى عرضاً وطولا

يُذكّرني أريج بات يهدي/ إلى لطيفه الريح البليلا

هواءك إذ نهشّ له شمالاً/ وماءك إذ نصّفِقه شمولا

ودجلة حين تصقلها النعام/ كما مسحت خداً صقيلا».

وعلى ذكر دجلة، تحضر القصيدة الأشهر للجواهري عنه، وكلنا يذكر مطلعها الفائض بشعور الغريب البعيد عن وطنه:

«حييت سفحكِ عن بُعدٍ فحييني/ يا دجلة الخير يا أم البساتين»،

قبل أن يقول:

«يا دجلة الخير يا نبعاً أفارقه/ على الكراهةِ بين الحين والحين

إني وردت عيون الماء صافيةً/ نبعاً فنبعاً فما كانت لترويني».

غربة أهل بغداد عن بغدادهم، وأهل كل العراق عن عراقهم، لم تعد غربة خارجية فحسب، كتلك التي خبرها ابن زريق، والجواهري وعشرات، وربما مئات، أو الآلاف مثلهم، إنما هي غربة داخلية أيضاً، أمرّ وأشد قسوة ووجعاً.

فهم يعيشون في بلد لم يعد يشبههم في أمور كثيرة، البلد الذي كان منارة للتنوير والحداثة وحركات التجديد الفكري والثقافي والأدبي بات ساحة مستباحة من أشدّ المجموعات ظلامية وتوحشاً ودموية، مدعومة من قوى ودول لا تريد لهذا البلد العظيم أن ينهض ثانية.

وإلى هذه المجموعات الدموية الآتية من كهوف التخلف والتوحش، يجد المواطن العراقي نفسه أمام سلطة تعنيها امتيازاتها واقتسام ثروات الوطن الغني، تتحصن في ما باتت تسميه «منطقة خضراء» لا يعني من هم في قصورها حجم الدمار والخراب خارجها، والذي أودى قبل يومين بالعشرات من القتلى والجرحى من بسطاء الناس وفقرائهم، الذين يلهثون من أجل تأمين لقمة العيش لأطفالهم وعائلاتهم.

أليس معيباً أن يكون أول ما فكر فيه المسؤولون بعد ما حدث هو إغلاق «منطقتهم الخضراء»، فيما لم يجد وزير الصحة ما يتباهى به سوى الإعلان عن أنه وجّه بعلاج جرحى الانفجار مجاناً؟

* د. حسن مدن كاتب صحفي من البحرين

المصدر | الخليج

  كلمات مفتاحية

تفجيرات بغداد، العراق، منطقة خضراء، داعش،  ابن زريق، الجواهري،