رغم الخلافات.. الإمارات في وضع قوي يؤهلها للعمل بشكل وثيق مع إدارة بايدن

الأربعاء 27 يناير 2021 08:41 ص

لن يهجر الرئيس الأمريكي المنتخب "جو بايدن" دولة الإمارات، ولكن هناك عدد من القضايا التي ستختبر العلاقة بجدية.

لم ترضِ نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية القيادة في أبوظبي، ومثل نظرائهم في السعودية والبحرين وإسرائيل، كان المسؤولون الإماراتيون داعمين لمعظم ركائز أجندة السياسة الخارجية للرئيس "ترامب" في الشرق الأوسط.

وركزت إدارة "ترامب" بشدة على الجهود المبذولة لإضعاف إيران، وحرصت على تجنب انتقاد سجلات حقوق الإنسان للحكومات الصديقة للولايات المتحدة، وعقدت العزم دائما على زيادة مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى الجهات الفاعلة الإقليمية مثل الإمارات، وأقامت علاقات عميقة مع أبوظبي.

وبالرغم من أن الإمارات من المرجح أن تكون في وضع قوي للعمل بشكل وثيق مع إدارة "بايدن"، يثير التغيير في القيادة الأمريكية بعض مخاوف أبوظبي.

ومع ذلك، مع إثباتها للمرونة في سياستها الخارجية، قد تنجح الإمارات في اجتياز التغييرات القادمة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة بسهولة أكبر من الحكومات الأخرى، لا سيما في ضوء تمرير "اتفاقات التطبيع" وسياسة التحوط التي تنتهجها الإمارات تجاه إيران.

ويعتقد الكثيرون في واشنطن أن الإمارات كانت أقوى حليف عربي لأمريكا في "الحرب العالمية على الإرهاب"، ومن المحتمل أن تحاول إدارة "بايدن" البناء على الشراكة الخاصة التي بدأت واشنطن وأبوظبي الاستثمار فيها بقوة في العقد الأول من القرن الـ21، على الأقل في مجالات معينة.

التهديد الإيراني المتصور

وطوال فترة رئاسة "ترامب"، نجحت أجندة "أقصى ضغط" المناهضة لإيران في فعل الكثير لتهدئة المخاوف الإماراتية من عهد "أوباما" من أن الولايات المتحدة كانت تخطط للتخلي عن أصدقائها العرب في الخليج لصالح التحسن الجزئي في العلاقات الأمريكية - الإيرانية.

وعندما سحب الرئيس "ترامب" الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2018، كانت الإمارات واحدة من 4 دول فقط على مستوى العالم أشادت بالخطوة المثيرة للجدل، والتي أدت إلى أعوام من سياسة حافة الهاوية بين واشنطن وطهران والتي استمرت حتى كادت تفتعل حربا في الأيام الأخيرة من رئاسة "ترامب".

وكما هو الحال مع بعض الحلفاء والشركاء الإقليميين الآخرين للولايات المتحدة، فإن لدى الإمارات مخاوف بشأن كيف يمكن لتقليل ضغط واشنطن على طهران في حقبة ما بعد "ترامب" أن يشجع إيران على التمادي في سلوكها الإقليمي، الذي تعتبره أبوظبي مزعزعا للاستقرار.

ويعد نفوذ الجمهورية الإسلامية داخل الدول العربية مصدر قلق رئيسيا لأبوظبي، التي رأت أن خطة العمل الشاملة المشتركة دون المستوى الأمثل، وتعتقد أن الولايات المتحدة ستكون خاطئة في عودتها إلى الاتفاقية، على الأقل في شكلها لعام 2015.

حقوق الإنسان في الوطن العربي

وبالرغم من أن "ترامب" ومن حوله تذرّعوا بشكل ساخر بالنضال من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان عند اتباع سياسات تستهدف خصوما مثل الصين وإيران وسوريا وفنزويلا، فإن الإدارة المنتهية ولايتها لم تفعل شيئا لممارسة ضغط مماثل على الدول الصديقة للولايات المتحدة في الخليج.

ويسلط المدى الذي وصلت إليه إدارة "ترامب" في دفاعها عن ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" بعد مقتل "جمال خاشقجي" الضوء على مدى تراجع حقوق الإنسان والقانون الدولي في أجندة "ترامب" عند تعامله مع السعودية.

ولم يحدث من قبل أن تعاملت إدارة أمريكية بشكل علني مع حلفائها وشركائها في الشرق الأوسط بهذا الشكل.

وقد يكون هناك سبب وجيه لتوقع تصادم إدارة "بايدن" مع أبوظبي فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان المتعلقة بالسياسة الخارجية لدولة الإمارات.

على وجه التحديد، قد يكون دعم أبوظبي للحكومة السورية، والجنرال الليبي "خليفة حفتر"، ومجموعة "فاجنر" الروسية، والمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي في اليمن، قضايا أكثر إثارة للجدل في العلاقات بين الولايات المتحدة والإمارات في عهد "بايدن".

ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كان ذلك سيأخذ شكل خطاب فارغ أو سيشهد عملا أكثر واقعية.

وسيكون التحدي الرئيسي لـ"بايدن" هو كبح جماح أجندات الدول المعادية للحريات في المنطقة مثل الإمارات.

وشعرت هذه الحكومات بالجرأة بسبب سياسة "ترامب" الخارجية فيما يتعلق ببعض مواقفها المتطرفة وسلوكها العدواني.

وبالطبع، لن يكون القيام بذلك سهلا، ومن المرجح أن تفهم إدارة "بايدن" أن الإمارات ليست دولة يمكن لواشنطن بالضرورة التأثير عليها أو التحكم بها بسهولة.

وفي سوريا، ستتمسك إدارة "بايدن" بالتأكيد بالموقف الأمريكي بأن نظام "بشار الأسد" غير شرعي، ودعا "أنتوني بلينكين"، وزير الخارجية المختار من قبل "بايدن"، إلى مساعدة القوات المناهضة لـ "الأسد" في السيطرة على محافظة إدلب.

وبالنسبة إلى الإمارات، التي تصالحت مع دمشق في أواخر عام 2018 ودعمت لاحقا نظام "الأسد" بطرق مختلفة على مدار العامين الماضيين، قد تضيف الأسئلة حول دور سوريا المستقبلي في المنطقة بعض التوتر إلى العلاقات الإماراتية - الأمريكية.

وسيكون من المهم أن نرى كيف تتعامل أبوظبي مع العقوبات الأمريكية على سوريا، المعروفة باسم "قانون قيصر"، بينما يحاول الإماراتيون مساعدة الدولة التي مزقتها الحرب على إعادة الإعمار في ظل نظام "الأسد".

وفي ليبيا، يوجد احتمال جدي بأن ينتهج الرئيس الأمريكي سياسات تهدف إلى تعزيز حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، وسيكون هذا تحديا مباشرا لأجندة أبوظبي المؤيدة لـ"حفتر".

علاوة على ذلك، قد تكون ليبيا أحد المجالات التي تسعى إدارة "بايدن" فيها إلى تحدي النفوذ الروسي المترسخ بشكل متزايد، وهو ما سيكون مشكلة من وجهة النظر الإماراتية بالنظر إلى أن أبوظبي وموسكو قد عملتا معا خلال الحرب الأهلية في البلاد.

ويسلط تقرير البنتاجون، الذي يؤكد أن الإمارات ربما مولت عمليات "مجموعة فاجنر" في ليبيا بهدف تعزيز موقف "حفتر" ضد حكومة الوفاق الوطني، الضوء بقوة على هذه النقطة.

وفي اليمن، تعهد فريق "بايدن" الانتقالي بقطع الدعم عن التحالف الذي تقوده السعودية، والذي تعتبر الإمارات جزءا منه رسميا، بالرغم من "انسحاب" الإمارات رسميا من الصراع عام 2019.

وحتى لو تلقت الرياض معاملة أقسى من "بايدن" فيما يتعلق بالصراع اليمني، يمكن للإدارة الجديدة أيضا أن تتعامل مع دعم أبوظبي للمجلس الانتقالي الجنوبي بشدة.

طائرات "إف-35"

ومن وجهة نظر دفاعية، يشعر الإماراتيون بالقلق من أن إدارة "بايدن" لن تدعم البيع المستقبلي لطائرات "إف-35" المقاتلة المتطورة إلى أبوظبي، وستكون الصفقة جزءا من صفقة أكبر مثيرة للجدل بقيمة 23 مليار دولار، والتي ستشمل أيضا الذخائر والطائرات بدون طيار المتطورة، والتي أيدتها إدارة "ترامب" عام 2020.

وقال "بلينكين" إن إدارة "بايدن" ستمنح هذا البيع "نظرة فاحصة" قبل اتخاذ القرار، وبهذا فإن الكثير على المحك بالنظر إلى إمكانية تعزيز هذه الصفقة بشكل كبير لمكانة الإمارات كقوة عسكرية في المنطقة.

ومع ذلك، مع تحذير منظمة العفو الدولية من أن الإمارات ستستخدم مثل هذه الأسلحة في "هجمات تنتهك القانون الإنساني الدولي وتقتل وتجرح الآلاف من المدنيين اليمنيين"، فإن قرار إدارة "بايدن" سيقول الكثير عن المدى الذي تضع فيه حقوق الإنسان كنقطة محورية في سياستها الخارجية في الشرق الأوسط.

ومن المتوقع أن يمارس بعض المشرعين في واشنطن ضغوطا على "بايدن" لإلغاء الصفقة، مستشهدين بالعديد من الجوانب المثيرة للجدل في السياسة الخارجية لأبوظبي، لا سيما فيما يتعلق بليبيا واليمن.

"بايدن" لن يدير ظهره للإمارات

وبالرغم من كل مصادر القلق هذه والمجالات المحتملة التي قد تجد فيها أبوظبي أن نهج "بايدن" في السياسة الخارجية يمثل مشكلة، لكن الإمارات لا تزال لديها فرصة جيدة للعمل بشكل جيد مع الإدارة الجديدة.

وبحكم حقيقة أن أبوظبي قامت بتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وانضمت إلى واشنطن في ممارسة الضغط على الدول العربية والإسلامية الأخرى لتحذو حذوها، فقد حسنت الإمارات بالتأكيد صورتها مؤخرا على أنها دولة "متسامحة" ودولة "معتدلة" تسد الفجوات بين العرب والإسرائيليين.

علاوة على ذلك، سيكون من المفيد للإمارات أن تضغط القيادة الإسرائيلية على إدارة "بايدن" لتجنب انتقاد أبوظبي في بعض هذه القضايا الساخنة.

وفيما يتعلق بإيران، بدأ الإماراتيون في الاستعداد لاحتمال أن يخسر "ترامب" محاولة إعادة انتخابه وأن يتضاءل الضغط الأمريكي على طهران مع وجود ديمقراطي في المكتب البيضاوي.

وأكدت المبادرات الدبلوماسية المتواضعة التي أطلقتها أبوظبي مع طهران، والتي بدأت في منتصف عام 2019 واستمرت طوال عام 2020، قدرة الإمارات على التحوط والتكيف مع الديناميكيات الجديدة على المستويين الإقليمي والعالمي.

ومما لا شك فيه، بهذا المعنى، سيكون للإماراتيين دور كبير، متفوقين في ذلك على السعوديين، فيما يتعلق بالتعامل مع إدارة "بايدن".

وفي الوقت نفسه، تتمتع الإمارات بدرجات متفاوتة من النفوذ الذي يمكن أن تمارسه على إدارة "بايدن"، وبشكل أساسي في شكل الاقتراب من روسيا والصين.

ومن دون شك، وبغض النظر عمن يجلس في البيت الأبيض، فلا تود الولايات المتحدة أن ترى أي دولة خليجية تعزز شراكتها مع موسكو وبكين على حساب نفوذ واشنطن في الشرق الأوسط.

ومع ذلك، نظرا لنهجهما البارز في إدارة العلاقات الثنائية لبلديهما في المنطقة، فإن "فلاديمير بوتين" و"شي جين بينج" سيعقّدان بالتأكيد أجندة "بايدن" فيما يتعلق بالإمارات والجهات الفاعلة الأخرى في الشرق الأوسط.

المصدر | جورجيو كافييرو | أوراسيا ريفيو - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات الإماراتية الأمريكية جو بايدن دونالد ترامب الدور الإماراتي التطبيع الإماراتي الإسرائيلي حقوق الإنسان

قانون قيصر في عهد بايدن.. تحديات جديدة أمام خطط الإمارات في سوريا

هيرست: أهم مستشاري بايدن مرتبطون بالإمارات ويدعمون بن سلمان