تضارب المصالح يهدد بتفجير الاتفاق السياسي الأخير في ليبيا

الأحد 31 يناير 2021 01:56 ص

ترى بعض الأطراف المنخرطة في الصراع الليبي أنها ستكون خاسرة في حال توقيع اتفاق سلام دائم في ليبيا. وتعمل هذه الأطراف على وقف هذه العملية وتحاول خلق حقائق على الأرض تحد من تنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه.

وفي 19 يناير/كانون الثاني، وافق "ملتقى الحوار السياسي الليبي" على آلية لاختيار حكومة انتقالية جديدة لتأمين سير البلاد إلى انتخابات 24 ديسمبر/كانون الثاني. وبشكل منفصل، اجتمع ممثلو البرلمانين المتنافسين في مصر في نفس اليوم واتفقوا على الحاجة إلى إجراء استفتاء على مشروع دستور لتحديد هيكل الحكومة الجديدة.

وسيكون للحكومة الانتقالية الجديدة مجلس رئاسي مكون من 3 أعضاء. وسيتم تمثيل كل منطقة من المناطق الجغرافية الثلاث في ليبيا بعضو واحد، وسيرأس أحدهم اللجنة كرئيس، فيما يعتبر المجلس كرئاسة للدولة. كما سيتم تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة برئاسة رئيس وزراء منفصل عن المجلس الرئاسي. وسيعمل رئيس الوزراء كرئيس للحكومة الليبية.

ومن المحتمل أن يتم التصويت من خلال قوائم مشتركة تتضمن مرشحًا لكل منصب. وقد حددت الأمم المتحدة الفترة من 1 إلى 5 فبراير/شباط موعدا لإجراء التصويت. وستجري الجمعية التأسيسية في ليبيا استفتاء على مشروع الدستور لعام 2017. وستتم الموافقة على الدستور إذا حصل على أغلبية بسيطة في كل من المناطق الجغرافية الثلاث في ليبيا.

وستأخذ الحكومة الانتقالية الجديدة زمام المبادرة في قضايا الإصلاح الحاسمة مثل إصلاح قطاع الأمن ونزع السلاح وعمليات التسريح وإعادة الإدماج، والتي تهدف إلى حل و/أو دمج عدد كبير من الميليشيات الليبية في جهاز الأمن الرسمي. وستحتاج الحكومة الجديدة أيضًا إلى دمج مختلف المؤسسات الليبية التي انقسمت منذ 7 سنوات، بما في ذلك الهيئات العسكرية وقوات الشرطة والوزارات المختلفة وشركة النفط الوطنية.

وسوف تتطلب الحكومة الموحدة ترتيب تقاسم السلطة. وتعتبر آلية التصويت لاختيار حكومة جديدة معقدة، وستكون هناك العديد من المفاوضات في الغرف المغلقة حول تشكيل القوائم. ويبدو أن وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني، "فتحي باشاغا"، ورئيس برلكان طبرق "عقيلة صالح"، هما الأكثر استفادة، حيث يمكن أن يتحالف كل منهما مع الآخر لكسب الدعم الإقليمي.

وبموجب الاتفاق المقترح، سيكون "صالح" ممثل شرق ليبيا في المجلس الرئاسي ورئيسه بينما سيكون "باشاغا" رئيس وزراء حكومة الوحدة. ويمكن لقائمة مشتركة تضم الاثنين أن تجد دعمًا واسعا نظرًا للدعم الذي يحظى به "صالح" في الشرق وكون "باشاغا" مهندسًا رئيسيًا لخطط إصلاح قطاع الأمن والتي تعتبر مطلبا مهما لليبيين في الغرب نظرا للمعاناة التي يعيشونها جراء المليشيات المتعددة. علاوة على ذلك، لن يؤدي قدوم أي من المرشحين إلى رد فعل عنيف من مناطق أخرى، على عكس "خليفة حفتر" الذي ساءت سمعته أكثر بعد هجومه على طرابلس.

ويبدو أن هذا الاتفاق يضر بمصالح "حفتر" والجيش الوطني الليبي، مما قد يؤدي إلى محاولة تقويض العملية. وقدد تكهن البعض بأن "حفتر" قد يكون رئيسًا للوزراء أو ممثلًا للشرق في المجلس الرئاسي، لكن المعارضة الشديدة له في طرابلس قد تحد من قدرته -أو قدرة أي من حلفائه المقربين- على القيام بذلك، مما يعني أنه سيحتاج إلى شراكة مع ممثل قوي من الغرب للفوز بالمنصب.

وسينظر الجيش الوطني الليبي و"حفتر" أيضًا إلى أي شخص قريب من جماعة "الإخوان المسلمون" أو تركيا أو يقود إصلاحات القطاع الأمني وملف الإدماج باعتباره تهديدا خطيرا لمصالحهما. ولدى "حفتر" تاريخ طويل في لعب دور المخرب عندما يبدو أنه سيتم إحراز تقدم قد يقلل من نفوذه. فقد شن هجوم على طرابلس في أبريل/نيسان 2019، أي قبل أيام فقط من عقد الأمم المتحدة المؤتمر الوطني الليبي في غدامس، والذي كان من المقرر أن يقدم مقترحات لإجراء انتخابات في وقت لاحق من ذلك العام.

وفي  يناير/كانون الثاني 2020، قطع "حفتر" والجيش الوطني الليبي صادرات النفط من موانئ شرق ليبيا قبل ساعات فقط من مؤتمر برلين. وبسبب شبه احتكاره للقوة العسكرية في شرق ليبيا، فإنه يحتفظ بالقوة الكافية لتعطيل أي اتفاق إذا اختار لعب دور المخرب. وكان "حفتر" صريحًا في 3 قضايا حاسمة:

القوات الأجنبية: دعا "حفتر" إلى إخراج هذه القوات بما في ذلك الانتشار العسكري التركي. وقد تضمن وقف إطلاق النار في أكتوبر/تشرين الأول حكماً يقضي بمغادرة القوات الأجنبية في غضون 90 يوماً، لكن ذلك لم يحدث. وأشار "حفتر" في وقت سابق إلى نشر مرتزقة سوريين وقوات تركية ضد الجيش الوطني الليبي لتبرير حصاره النفطي في يناير/كانون الثاني 2020.

اقتسام عائدات النفط: كانت صفقة سبتمبر/أيلول لاستئناف صادرات النفط مشروطة بزيادة الشفافية بشأن عائدات النفط والتوصل إلى اتفاق لتقاسم الإيرادات، ولم يتحقق أي منهما. ويمكن "لحفتر" أن يعكس قراره إذا استمر ذلك.

إصلاح القطاع الأمني: يرى "حفتر" أن الجيش الوطني الليبي هو الهيئة الأمنية/العسكرية الشرعية الوحيدة في ليبيا، والمحاور الوحيد الضروري لتنفيذ إصلاح القطاع الأمني ونزع السلاح وعمليات التسريح وإعادة الإدماج. ولن يدعم "حفتر" الخطط التي يلعب فيها دورًا ثانويًا.

ويبدو أن آلية التصويت للحكومة الانتقالية في طرابلس، تضعف يد رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني "فايز السراج" وبعض التشكيلات المسلحة في المنطقة. فقد أعلن "السراج" في سبتمبر/أيلول 2020، عن نيته الاستقالة كمناورة ضد "باشاغا"، وحاول منذ ذلك الحين وضع نفسه في منصب رئيس وزراء الحكومة الانتقالية حتى الانتخابات. ويعتبر التحدي الذي يواجهه "السراج" هو اعتماده بشكل كبير على التحالفات فقد تم اختياره في عام 2015 ليكون رئيسا للوزراء بناء على أنه لا يمتلك فصيل قوي يدعمه، مما يعني أنه ضعيف جدًا مقارنة بالمنافسين الآخرين.

استفادت الميليشيات في غرب ليبيا أيضًا من الوضع الراهن، الذي مكّنها من تولي عمليات حفظ الأمن في مناطق معينة، والتي أثبتت أنها مربحة جدًا لها. ومع ذلك، فإن الميليشيات في غرب ليبيا غير متجانسة، وقد يستفيد البعض من عملية السلام إذا تم تمكين أحد حلفائهم السياسيين. ولن يكون لدى "السراج" القدرة على تخريب العملية بالحجم الذي يستطيع "حفتر" أن يخربها، لكن الميليشيات في طرابلس ستلعب دورًا حاسمًا في فعالية أي حكومة انتقالية.

شكّل "السراج" في 18 يناير/كانون الثاني، جهاز دعم الاستقرار، وهو قوة شرطة تتبعه، وعيّن قائدًا لإحدى أهم ميليشيات طرابلس لإضفاء الطابع الرسمي على التحالف معها. وبحسب ما ورد عرض "السراج" الدخول في ترتيب لتقاسم السلطة مع "حفتر"، حيث سيكون "حفتر"، أو "حليفه"، رئيس الوزراء بينما يقود "السراج" المجلس الرئاسي. وقد أصدرت قوة حماية طرابلس -التحالف الواسع للميليشيات الليبية الرئيسية- بيانًا في 19 يناير/كانون الثاني يرفض آلية اختيار ملتقى الحوار الليبي.

ويمكن للقوى الأجنبية خارج ليبيا، ولا سيما مصر وروسيا وتركيا والإمارات، أن تسعى أيضًا إلى إجبار و/أو تسهيل جهود الحلفاء الليبيين لتعطيل عملية السلام. فقد نشرت تركيا وروسيا قوات إما بشكل مباشر أو غير مباشر في ليبيا، ولا يبدو أن أي منهما يرغب في سحبها، بينما قدمت مصر والإمارات دعمًا ماليًا وعسكريًا كبيرًا للجيش الوطني الليبي.

دعمت مصر "حفتر" إلى حد كبير، لكنها اعتبرت أن فشل هجومه على طرابلس تسبب في وصول الجيش التركي إلى قرب حدودها. وبينما تواصلت مصر منذ ذلك الحين مع الجهات السياسية الليبية في الغرب وسهّلت المسارات العسكرية والسياسية للمفاوضات، فإن القاهرة لا تزال حذرة للغاية من تأثير جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا.

كما أدى نشر روسيا للمرتزقة الموالين لـ"حفتر" إلى خلق نفوذ سياسي لدى "حفتر" وجعله يعتمد على موسكو. وكانت روسيا على استعداد لدعم عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة، لكنها أقامت أيضًا مسارًا موازيا يمكن أن يُستأنف إذا فشلت عملية ملتقى الحوار، مما يمنح موسكو نفوذًا أكبر.

استفادت تركيا بشكل كبير من علاقتها مع حكومة الوفاق الوطني وستكون قلقة من تقوم الحكومة الانتقالية بإلغاء اتفاقية الحدود البحرية التي وقعتها في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 أو استبعاد شركات البناء التركية من السوق الليبية.

دعمت الإمارات "حفتر" بسبب موقفه القوي ضد الإخوان المسلمين وتركيا. ومن المرجح أن تدعم أبوظبي أي جهود لـ"حفتر" لتقويض عملية السلام إذا تولت الشخصيات السياسية المتحالفة مع تركيا أو جماعة "الإخوان المسلمون" في غرب ليبيا (بما في ذلك باشاغا) أدوارًا رئيسية في الحكومة والعملية الانتقالية.

وسيكون بناء الإجماع حول أي حكومة انتقالية جديدة أمرًا صعبًا، حيث سيتم تهميش فصيل رئيسي واحد على الأقل بشكل لا مفر منه. أما اقتصاديا، فيمكن أن يستأنف "حفتر" والجيش الوطني الليبي منع صادرات النفط من شرق ليبيا - والتي تمثل حوالي 60% من إنتاج النفط الليبي. ومن شأن ذلك أن يطيل أمد الأزمة الاقتصادية والمالية في ليبيا.

وفيما يتعلق بالشرعية السياسية توجد مخاوف كبيرة بالفعل بشأن فرض عملية الانتقال من قبل قوى أجنبية. وقد أصاب ذلك شرعية حكومة الوفاق الوطني عندما تم إنشاؤها من خلال عملية مماثلة مدعومة من الأمم المتحدة في عام 2015. ويمكن للجماعات السياسية أن تُظهر استياءها من خلال الاستفتاء و/أو مقاطعة الانتخابات.

وبخصوص الأمن، يمكن "لحفتر" والجيش الوطني الليبي استئناف العمليات العسكرية في فزان وسرت والجفرة لتوسيع نفوذه. وقد تمنع الميليشيات في طرابلس أيضًا قيام الحكومة الجديدة، أو ينتهي بها الأمر إلى الاقتتال فيما بينها مرة أخرى.

المصدر | ستراتفور – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

المجلس الرئاسي الليبي الحوار الليبي خليفة حفتر حكومة الوفاق

مصر ترحب باتفاق الأطراف الليبية على المسار الدستوري

باشاغا ومعيتيق على رأس المرشحين لرئاسة وزراء ليبيا

قوات حفتر: تركيا مستمرة بتعزيز وجودها العسكري في ليبيا