في حين تواصل روسيا تأكيد مكانتها في الشرق الأوسط عبر المزيد من الضربات الجوية في سوريا، فإن المملكة العربية السعودية، الحليف الأكبر للولايات المتحدة تجد نفسها في موقف لا تحسد عليه، بعد تقديمها لمبلغ 10 مليارات دولار فى صورة استثمارات في روسيا وإعرابها عن رغبتها في شراء أسلحة روسية، يجب على الرياض الآن أن تقرر إذا ما كانت سوف تنظر إلى مواصلة هذه العلاقة الاقتصادية المزدهرة أو ستحاول استخدامها كورقة ضغط ضد روسيا في سوريا.
المملكة العربية السعودية طالما وقفت على خلاف مع الموقف الروسي الداعم لنظام الرئيس السوري «بشار الأسد»، لكن مع الضربات الجوية الروسية، وانخفاض أسعار النفط والعلاقة المتوترة مع الولايات المتحدة في أعقاب اتفاق إيران النووي، يقول الخبراء إن المملكة العربية السعودية لا تستطيع أن تتجاهل مشاركة روسيا المتزايدة في المنطقة.
«المملكة العربية السعودية تحاول أن تجد طريقها في عالم أكثر تعقيدا مما تعودت عليه»، وفقا لـ«روبرت ميرفي» وهو زميل غير مقيم في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، وسفير الولايات المتحدة السابق لدى المملكة العربية السعودية وسوري، «لا تزال هناك شكوك في الرياض حول نوايا موسكو وأهدافها».
وكانت المملكة العربية السعودية سريعة في التعبير عن استيائها من الضربات الجوية الروسية في سوريا التي بدأت في 30 سبتمبر/أيلول واستهدفت في معظمها جماعات المعارضة بدلا من تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي تعرف أيضا باسم «داعش»، وقد دعمت المملكة العربية السعودية موقف الولايات المتحدة لإزالة «الأسد» من السلطة بعد عقود من العلاقات المضطربة بين الرياض ودمشق حول قضايا تتراوح من الدين إلى الجغرافيا السياسية في المنطقة.
«وفد بلادنا يعرب عن قلقه العميق بشأن العمليات العسكرية أن القوات الروسية نفذت في حمص وحماة اليوم»، وفقا للسفير السعودي «عبد الله المعلمي»، الذي كان يتحدث في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، «وأدت هذه الهجمات إلى عدد من الضحايا الأبرياء، نطالب بوقفها فورا وعدم تكرارها».
قبيل الضربات الجوية، كانت العلاقات الدبلوماسية بين القوتين النفطيتين تتجه إلى مزيد من الدفء.
ذكرت قناة العربية أن الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» التقى مع نائب ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» خلال الصيف ووقعا ست اتفاقيات منها واحدة تختص بالتكنولوجيا النووية.
المملكة العربية السعودية التزمت بتقديم استثمارات تقدر بـ10 مليارات دولار في صندوق الاستثمار المباشر لروسيا في يوليو/تموز وفي أغسطس/آب، ذكرت وسائل الإعلام الروسية أن السعوديين قد أعربوا عن رغبتهم في شراء منظومة صواريخ إسكندر من الجيش الروسي.
هذا التقارب قد فاجأ الكثيرين بعد سنوات من العداء مع موسكو التي طالما ألقت باللوم على الرياض لدعم الإرهاب في مناطق مثل الشيشان.
«الروس والسعوديون تشاركا أحيانا بعض المصالح وعملا جنبا إلى جنب ولكنهما في معظم الأوقات كانا متنافسين» وفقا لـ« فراس أبي علي»، أحد كبار مديري المخاطر القطرية لـIHS في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي شركة عالمية متخصصة في مجال الاقتصاد وتحليل المخاطر.
كانت التزامات المملكة العربية السعودية تجاه روسيا لا تتعدى في الغالب كونها وعود نظرا لاعتماد المملكة العربية الواسع على التكنولوجيا والأسلحة الغربية الغير متوافقة مع نظيرتها الروسية، «لم يتلق الروس أي شيء ملموس من السعوديين».
وهذا يعني أن الوعود بإبرام عقد دفاعي يمكن أن تستخدم للتأثير على المحادثات بشأن سوري، يمكن أن تستخدم صفقة الأسلحة كمكافأة للروس على تعديل لهجتهم أو موقفهم في سوريا وفقا لـ«بول شوارتز»، وهو شريك بارز في برنامج روسيا وأوراسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، «يمكن للسعودية استخدام ما تملكه بمثابة الجزرة للتأثير على السلوك الروسي».
آخر السبل الممكنة للمملكة العربية السعودية لاستكشاف موسكو يمكن أن يكون عبر رفع أسعار النفط خلال تنسيق مستويات الإنتاج، عانت روسيا من الركود الاقتصادي منذ ضغطت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عليها بفرض عقوبات على خلفية سلوكها في أوكرانيا. لاسيما في ضوء الانخفاض العالمي في أسعار النفط إلى ما دون 50 دولار للبرميل منذ يناير/كانون الثاني.
قامت روسيا بضم شبه جزيرة القرم في مارس/أذار 2014، ودعمت الانفصاليين الذين يقاتلون القوات الحكومية الأوكرانية في شرق أوكرانيا، واصلت الحكومة الروسية نفي أي تورط عسكري مباشر لها في أوكرانيا مع استمرار العقوبات المفروضة، كل من روسيا والمملكة العربية السعودية تعتمد بشكل كبير على النفط لدفع اقتصادياتها.
«ينظر الروس إلى ما يحدث على أنه من السعوديين لتقويض روسيا عبر خفض أسعار النفط» وفقا لـ«آنا بورشيفيسكي»، وهي خبيرة في السياسة الروسية في الشرق الأوسط في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
على الرغم من استياء المملكة العربية السعودية بسبب دعم الولايات المتحدة للاتفاق النووي الإيراني وعقيدة الدفاع المنقحة التي تؤكد على تقليص دور الدول الغربية في الشرق الأوسط، يؤكد الخبراء أن الولايات المتحدة أثبتت أن الصديق على المدى الطويل للرياض.
حتى مع وجود صفقة إيران، لا زالت الرياض تنظر إلى الولايات المتحدة من أجل التوجيه، المملكة العربية السعودية يمكن أن تختار أن تقف في منتصف الطريق مع موسكو لترى إذا ما كانت تنوي مواصلة غاراتها الجوية وانتشارها في المنطقة.