استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

عن "معارضة مشروطة" في مصر

السبت 20 فبراير 2021 11:10 ص

عن "معارضة مشروطة" في مصر

"المعارضة المشروطة" هي في الحقيقة صيغةٌ لا تتجاوز إتاحة انتقاد المستويات الدنيا في الإدارة.

لا شيء يمكن أن يجعل العالم العربي بمنأىً عن موجة جديدة من الثورات سوى "إعادة الاعتبار للسياسة".

هل يشكّل الحديث الرسمي المصري عن الحق في التعبير والاستعداد لقبول وجود المعارضة السياسية تحولًا في المشهد المصري؟

السلطة تحدّد توجهاتها في الأصول والتفاصيل بغض النظر عن قناعات المحكومين أو مصالحهم، ولا حق لهم بالتنظيم في إطار القانون لإلزامها بشيء أو تداول السلطة.

ما يبدو تحولًا ليس سوى إعادة إنتاج لموقف قديم/جديد مؤدّاه أن ما يجوز تناوله: الإدارة وكفاءتها، وليس السياسة ومشروعية السلطة والحق في المنافسة والمحاسبة والدعوة لتوجهاتٍ بديلة.

*     *     *

هل يشكّل الحديث الرسمي المصري عن الحق في التعبير والاستعداد لقبول وجود المعارضة السياسية تحولًا في المشهد المصري؟

سؤال يترتب حتمًا على الحديث الذي لا سابقة له في الخطاب الرئاسي المصري منذ سنوات، لكنه سؤالٌ تشكل الإجابة عنه مهمة عسيرة.

أولًا، لأن السنوات الماضية شهدت تأكيدًا (رسميًا) جازمًا بالأقوال والأفعال لفكرة أن انتقاد أجهزة الدولة يؤثر سلبًا في أدائها، وأن "وحدة الصف الوطني" تقتضي ألا يكون هناك "لهجة احتجاجية" في إبداء الرأي، حتى لا يكون هناك احتمال (مجرد احتمال) لأن يبذر أحد بذرة أية دعوة للتغيير.

والمشكلة أن ما يبدو تحولًا ليس سوى إعادة إنتاج للموقف القديم/ الجديد، ومؤدّاه أن ما يجوز تناوله هو "الإدارة" وكفاءتها، وليس "السياسة"، سواء فيما يتصل بمشروعية السلطة، أو الحق في المنافسة، للوصول إليها أو محاسبتها، أو الدعوة إلى توجهاتٍ بديلةٍ لتوجهاتها، فالسلطة تحدّد توجهاتها، في الأصول والتفاصيل، بغض النظر عن قناعات المحكومين أو مصالحهم، وليس من حقهم امتلاك حق التنظيم، في إطار القانون، لإلزامها بشيء أو تداول المواقع معها.

وبالتالي، فإن "المعارضة المشروطة" هي في الحقيقة صيغةٌ لا تتجاوز إتاحة انتقاد المستويات الدنيا في الإدارة. والحديث عن اشتراط أن يكون هدف المعارضة تحسين حياة الناس، مشكلة أخرى والتحقّق من هدف النقد ينطوي على ادّعاء ضمنيّ بالحق في التفتيش في ضمائر من يعارضون، وبالتالي احتمال "تخوينهم".

وأصل الداء هو الرفض غير المعلن لـ "السياسة"، والإصرار على أن من حق الناس فقط تقييم بعض تفاصيل حياتهم اليومية كـ "شكاوى فردية"، من دون أي تجريد أو تعميم، ومع إنكار تام للحق في تغيير أيٍّ من قواعد "اللعبة السياسية"، أو موازين القوى التي تجعل الحاكم "أعلى من التقييم"، والمحكوم "أدنى من المواطن".

وللمصطلحين، الحاكم والمحكوم، في السياسة، دلالات واضحة وضوح الشمس، والالتفاف عليها، صراحة أو ضمنًا، تَنكُّرٌ للسياسة. وغنيٌّ عن البيان أن "السياسة" لا تقبل إعادة التعريف، بالشكل الذي يجعل أدوار كل المؤسسات السياسية في دولةٍ لا يتجاوز دور "خدمة العملاء" في شركة.

والتذرّع بمبرّرات مثل: "بناء الدولة" أو "حروب الجيل الرابع" أو الاستهداف الدائم، أو ما شابه، مؤدّاه أن على جميع المحكومين قبول مكانهم، الذي هو "قدر مقدور"، في بنية سلطة هرمية، قانونها الثبات ثم الثبات ثم الثبات، وإلا كان المعارض كـ "العبد الآبق"، أي العبد المتمرّد على عبوديته، وعقابه الموت!

والمقبول، المشروط، الوارد في الخطاب الرئاسي المصري أخيرا، ليس سوى الحق في الكلام عما يساعد على تحسين حياة الناس، وليس تغيير أفكارهم مثلًا، أو دعوتهم إلى الوحدة، تحت مظلة مطالبة متصلة بالمصالح أو القناعات.

وهو ما لا يمكن أن يتجاوز الانتقاد من دون الدعوة إلى التغيير، ومناشدة أصحاب السلطة (المستمرين فيها من دون منافسة حقيقية) بتحسين أدائهم في تنفيذ سياسات قرّروا، منفردين، أن ينفذوها.

وهذا إلغاء تام للسياسة، وتقزيم للحقوق والحريات، وتسويفٌ يبدو أنه بلا نهاية لاستكمال معالم دولة القانون. وبتعبيرٍ أكثر وضوحًا، يعزز هذا الخطاب الإصرار على أن "الاستقرار" يعني التسليم بكل ما تقرّر السلطة أنه ضرورة أو "مصلحة وطنية عليا".

والمعارضة المشروطة والمواطنة المنقوصة، وفضلًا عن وصم السياسة وتخويف الناس منها، ستؤدّي، على الأرجح، إلى تآكل حيوية المجتمع وشحوب الشعور بالانتماء الوطني، وتتعارض هذه العواقب تعارضًا تامًا، مع مساعي الحفاظ على "وحدة الصف الوطني"، والحفاظ على "الاستقرار"!

وتلك أهدافٌ تتحق بالتراضي وقبول المفاوضة والمواءمة والحل الوسط، ولا تتحقق بالاحتكام الصارم إلى مبدأ: "الإدارة بالأمر" من أعلى إلى أسفل، كاتجاه واحدٍ ووحيد للتأثير.

ولا مبرّر أبدًا للاستمرار في "التَنكُّر" للسياسة، وفي إعادة تعريف: المعارضة، والحرية، وحقوق الإنسان، و... ولا شيء يمكن أن يجعل العالم العربي في منأىً عن موجة جديدة من الثورات (وهو أكثر ما يقلق دعاة الاستقرار) سوى "إعادة الاعتبار للسياسة".

* ممدوح الشيخ كاتب وباحث مصري

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر، الثورات العربية، المعارضة المشروطة، المجتمع المصري، حقوق الإنسان، تخوين، الإدارة، السياسة،