هل نشهد انفراجة قريبة بالعلاقات السعودية التركية؟ تقرير بحثي يجيب

الخميس 25 فبراير 2021 11:18 ص

خلص تقرير بحثي إلى أن هناك مؤشرات على سعي السعودية وتركيا إلى علاقات أقل توترا وأكثر دفئا، خاصة بعد وصول الرئيس الأمريكي "جو بايدن" إلى البيت الأبيض.

لكن التقرير، الذي أعدته مجموعة "أسباب" البحثية، قال إن الأمر مرتبط بعوامل أخرى منها الموقف الأمريكي من إيران، وطبيعة تحالفات البلدين في المنطقة.

وأشار التقرير إلى أن البيانات والمواقـف الصادرة من أنقرة والرياض منذ فوز "بايدن" تشير  إلى أن التحسن في العلاقات التركية - السعودية بدأ في التبلور.

فقد أفاد مصدر لمؤسسة "Markit IHS" له صلات بالحكومة التركية، بأن البلدين فتحا قناة اتصال رفيعة المستوى لتحسين العلاقات.

ووفقا للمصدر، فإن العلاقات السيئة في ظل إدارة "بايدن" ليست في مصلحة أي من البلدين، لكن مدى التقدم سيعتمد على سياسات "بايدن" الإقليمية.

كما رحب الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" بالمصالحة الخليجية، معربا عن تمنيه بأن تفضي إلى ترسيخ مكانة تركيا في التعاون الخليجي.

ولاحقا، أبدت قطر استعدادها للقيام بوساطة بين أنقرة والرياض إذا رأى البلدان هـذا.

وحتى قبل اجتماع القمة الخليجية؛ تحدث الرئيس التركي والملك السعودي عبر الهاتف قبيل بداية قمة مجموعة العشرين في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وقالت الرئاسة التركية إن الزعيمين "اتفقا على إبقاء قنوات الحوار مفتوحة من أجل تعزيز العلاقات الثنائية وتسوية القضايا".

وفي ذات الشهر، التقى وزيرا خارجية البلدين في مؤتمر لمنظمة التعاون الإسلامي في النيجر، وغرد الوزير التركي "مولود جاويش أوغلو" بأن شراكة البلدين "لن تفيد بلداننا فحسب، بل منطقتنا بأكملها".

حسابات السعودية

لكن، وفق تقرير  مجموعة "أسباب"، لكل من البلدين حسابه في تصحيح مسار العلاقات بينها. 

فحسب مصادر تحدثت لوكالة "بلومبرج" الأمريكية، فإن السعودية والإمارات تدرسان إمكانية إقامة علاقات أفضل مع تركيا، بما يفيد التجارة والأمن في المنطقة.

لكن هذه التحركات لا تزال أولية، ولم يستقر العزم عليها بعد، بالنظـر إلى خلفيـة التوترات طويلة الأمد وصراع النفوذ بين تلك الأطراف.

وتسعى الرياض بشكل خـاص إلى تهدئـة التوترات مع تركيا من أجل الحصول على مزيد من الخيارات في المنطقة وسط فترة من عدم اليقين في العلاقات السعودية - الأمريكية.

ولا شك أن العامل الأساسي في مراجعة السعودية ملفاتها الإقليمية هو خسارة حليفها الاستثنائي في البيت الأبيض "دونالد ترامب"، ومجيء إدارة جديدة تتبنى أولويات مختلفة، تهدد احتياجات المملكة للدعم في ملفات إقليمية، خاصة الصراع مع إيران، وحرب اليمن.

إضافة إلـى اهتمام إدارة "بادين" بملف حقوق الإنسـان وهو ما يعني مزيدا من محركات التوتر في العلاقة بين واشنطن والرياض.

والذي عبرت عنه بالفعل الإدارة الأمريكية الجديدة دون إبطاء، مـن خلال وقـف أي دعـم عسكري لحرب اليمن، وإلغاء تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، وتعليق صفقات أسلحة مهمة للسعودية، وإعلان البيت الأبيض أن الرئيـس "بايدن" لا يخطط للحديث مع ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، وأن اتصاله سيكون مع الملك "سلمان"، مع التأكيد على قرار نشر تقرير الاستخبارات الأمريكية حول جريمة مقتل "جمال خاشـقجي"، فضلا عن التوجه الرئيسي للتفاوض مع إيـران والتوصل لاتفاق جديد معها.

ومع تنامي أدوار تركيا في المنطقة، قد تراهن المملكة على أن تهدئة التوترات مع تركيا يزيد من خيارات سياساتها الإقليمية، ليس فقط بهدف تجنب أن تضر بمصالح الرياض أي تفاهمات تركية - إيرانية مستقبلية في حال تم رفع العقوبات الأمريكية عن إيران، ولكن أيضا من أجل كسـب الدعم التركي السياسي إزاء الضغوط الأمريكية، وبالطبع في مواجهة النفوذ الإيراني الذي يصطدم بالمملكة في عدة ملفات مثل العراق واليمن.

وثمة تقديرات أن تركيا قد تمثل مصدرا لصفقات الأسلحة التي تحتاجها المملكة في ظل تشدد إدارة "بايدن" المبكر إزاء منح السعودية الأسلحة التي تحتاجها.

لكن وعلى الرغم من وجاهة هـذا التقدير في ظل تنامي صناعة الأسلحة التركية في مجالات قد تثير اهتمام المملكة مثل الطائرات بدون طيار والقطع البحرية، لكن هذا الجانب يظل محدود التأثير في ظل تمتع السعودية بفرص واسعة للحصول على الأسلحة من المملكة المتحدة وفرنسا وروسيا والصين دون التقيد بمسألة حقوق الإنسان.

حسابات تركيا

ولتركيا أيضا حسابات مختلفة لتعزيز علاقاتها مع السعودية، وفق تقرير  مجموعة "أسباب".

فثمة قضايا مختلفة قد تزيد بنسب متفاوتة من الاحتكاك بين أنقرة وإدارة "بايدن"، مثل شراء تركيا منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس-400"، والتوترات في شرق المتوسط، والعلاقـات بين الولايات المتحدة، و"وحدات حماية الشعب" الكردية في سوريا، وقضايا حقوق الإنسان، والشكوك التركية حول دعم الولايات المتحدة لمحاولة الانقلاب الفاشلة عام 2017، وإقامة زعيم حركة الخدمة "فتح الله جولن" في الولايات المتحدة.

بالإضافة لهـذا، توجد مساع حثيثة لفرض العزلة الإقليمية على تركيا تبنتها فرنسا ومصر والإمارات واليونان وقبرص الرومية.

ومن ثم أظهرت أنقـرة مؤشـرات لجديتهـا في تحسين العلاقات مع السعودية، خاصة أن أنقرة حرصت على عدم وصول العلاقات إلى القطيعة، حتى في ذروة تصعيد ملف اغتيال "خاشقجي".

بينما قررت السعودية بشكل غير معلن معاقبة تركيا اقتصاديا من خلال الحد من الواردات التركية إلى المملكة حتى بعد بدء مؤشرات تحسن العلاقات.

فوفقا لبيانات "اتحاد المصدرين الأتـراك" (TIM)، انخفضت صادرات تركيا السنوية إلى السعودية بنسبة 24% في 2020، من 3.1 مليار دولار إلى 2.3 مليار دولار.

وعلى الرغم من أن صادرات تركيا إلى السعودية تبدو محدودة (1.8%) مقارنة بإجمالي الصـادرات التركية التي بلغت 171.5 مليار دولار عام 2019؛ لكن المزايا الاقتصادية التي تنتظرها تركيا من السعودية لا تقتصر علـى الصادرات المباشرة؛ فهناك الاستثمارات المباشرة خاصة في قطاع المقاولات، والأفواج السياحية، وصفقات الأسلحة.

في الشق السياسي، تسعى تركيا كذلك لتعزيز خيارات سياساتها الإقليمية؛ حيث تواجه تحديا يتمثل في تكاتف منافسيها الإقليميين في أجندة تستهدف التصدي لنفوذها الإقليمي وفرض عزلة على تحركاتهـا، وهو ما يظهر جليا في التحالف المتنامي بين فرنسا ومصر واليونان وقبرص الرومية والإمارات وإسرائيل، سواء في ملف شرق المتوسط أو في الملف الليبي.

وفي الملف السوري، فُرض على تركيا مواجهة الهيمنة الروسية منفردة.

بينما في العراق تعمل تركيا بشكل منفرد على مواجهة النفوذ الإيراني وحلفاء لمحور "واشنطن-الرياض- أبوظبي".

لكن تقرير  مجموعة "أسباب" يرى أنه من المبكر تماما توقع أن ينتج عـن تهدئة سعودية - تركية تغير اسـتراتيجي في تموضع السـعودية فـي هـذه الملفات.

فاتجاه الرياض لتحسين العلاقات مع أنقرة لم يمنعها من المشـاركة في "منتدى الصداقة" الذي عقد الشهر الجاري في اليونان، كما لم يمنعها من المشاركة بطائرات 35-F في مناورات عسكرية مع اليونان بجزيرة كريت في يناير/كانون الثاني الماضي.

لكن، مع هذا، تراهن تركيا على أن تهدئة من هـذا النوع ستجعل المملكة أقل حماسة لتطويـر انخراطها في هذا التحالف، كما قد ينتج عنه مع الوقت قيامها بترشيد المواقف العدائية لحلفائها في القاهـرة وأبوظبي ضد تركيا.

قيود الجيوبوليتيك

ويعتبر تقرير  مجموعة "أسباب" أن هناك العديد من المشاكل في علاقة الرياض مع أنقرة لن يكون من السهل معالجتها.

وتشمل هذه العقبات بشكل أساسي نظرة كلا البلدين للمنطقة، وتعريف كل منهما لما هو التهديد، ومن هم الأعداء والحلفاء.

بينما تقف السعودية بشكل حاسم مع محور يعتبر الربيع العربي والإسلام السياسي تهديدا ينبغي التصدي له، تقف تركيا على الجانب الآخر تماما أقرب إلى التحالف مع هاتين الظاهرتين.

وبينما تعود تركيا بصورة متزايدة كقوة إقليمية في الشرق الأوسط ومجمل العالمين العربي والإسلامي، تعتبـر السعودية وحلفاؤها في مصر والإمارات أن أي نفوذ تركي في هذه المناطق هو خصم مباشر للقوى العربية التقليدية، قد يعزز فرص المعارضة الداخلية لهذه الحكومات ومن ثـم قد يهـدد هذه الأنظمة نفسها على المدى الطويل.

هناك أيضا عقبات مرتبطة بأشـخاص العلاقـة بين البلدين وتحد عملية التقارب بينهما،. فلا يمكن مثلا إنـكار وجود توتر أكبر بيــن "أردوغان" و"بن سلمان" أكثر من التوتر بين الرئيس التركي والملك "سلمان".

من جهة أخرى، ترى قيادة أبوظبي، التي تعتبر أحد حلفاء "بن سلمان" الأساسيين، أن تركيا هي أخطر دولة فاعلة في المنطقـة، حتى أكثر من إيران.

ويريد ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايـد" إبقاء السعودية متحالفة بقوة مع أبوظبي ضد تركيا.

ولدى "بن زايد" مصلحة في خلق فجوة عميقة بين الحكومتين السعودية والتركية، ويمكن لأبوظبي الاستمرار في اللعب بأوراقها لمحاولة إبقاء هذه التوترات عالية.

ومن ثم ستحتاج قيادة السعودية في الأشهر والسنوات المقبلة إلى إجراء توازنات صعبة فيما يخص تموضع الرياض في "الحرب الباردة" بين أنقرة من جهة، وأبوظبي والقاهرة من جهة أخرى.

ويرى تقرير  مجموعة "أسباب" أنه علينا خلال الأسابيع القليلة القادمة متابعة بعض المؤشرات التي ستوضح إلى أي مدى ستنجح أنقرة والرياض في بناء تفاهمات جديدة، وما مدى عمق واستراتيجية هذه التفاهمات.

وبشكل عام، رجع التقرير أن يقوم البلدان أولا بتحسين العلاقات التجارية، قبل أي تعاون أوسـع.

وسيعزز أي تخفيف للعقوبات الأمريكية على إيران، وربما مستقبلا التوصل لاتفاق نووي كامل، فرص التعاون بين السعودية وتركيا للعمل معا في ملفات إقليمية لاحتواء النفوذ الإيراني، مثل العراق وسوريا.

لكن هذا الاحتمال يواجه عقبة رئيسية، هي أن أنقرة والرياض في حالة تنافس إقليمي استراتيجي، بمعنى أن هذا التنسيق، إن حدث، فلن يفضي على الأرجح إلى تحالف حقيقي بين البلدين، وربما لن يترتب عليه إخلال أي منهما بمقتضيات التحالفات الإقليمية الأخرى: مع الإمارات ومصر في حالة السعودية، وقطر فـي حالة تركيا.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية تركيا العلاقات التركية السعودية العلاقات السعودية التركية