مصر والشهر العقاري.. شهادة حراك واصطفاف وتقهقر حكومي

الاثنين 1 مارس 2021 11:36 ص

المادة "35 مكرر" من قانون تنظيم الشهر العقاري، كانت كلمة السر في إحداث حالة من الاصطفاف في الشارع المصري، عجزت عن تحقيقها الأحزاب والقوى السياسية، في مواجهة نظام الرئيس "عبدالفتاح السيسي".

على مدار أسابيع، أثارت تعديلات القانون رقم 186 لسنة 2020، الخاص بتنظيم الشهر العقاري، والذي أصدره "السيسي" في 15 سبتمبر/أيلول 2020، وكان من المقرر نفاذه مطلع الشهر الجاري، غضبا واسعا عبر مواقع التواصل، التي تحولت إلى ساحة جديدة للمعارضة الشعبية، غير المنظمة.

ويقضي القانون المثير للجدل، والمقرر تأجيل تنفيذه إلى نهاية 2021، بتنظيم تداول العقارات عبر الشهر العقاري الذي يمنع توصيل المرافق لأي عقار لم يثبت صاحبه ملكيته له بعقد مسجل.

ويفرض القانون وجوب سداد 2.5% من قيمة العقار كضريبة تصرفات عقارية أوائل مارس/آذار الجاري، إضافة إلى رسوم أخرى من المقرر سدادها، بما يثقل كاهل المواطن المصري بأعباء جديدة.

بنود جباية

ووفق مواد القانون، سيكون من حق الدولة عدم الاعتراف بتداول الأراضي الفضاء، والعقارات المبنية إلا حال تسجيلها (بيع/شراء) في مصلحة الشهر العقاري التابعة لوزارة العدل، ما يعني عدم الاعتراف بعقود البيع والشراء الابتدائية الصادر لها أحكام قضائية بصحة التوقيع عليها.

ويترتب على عدم الاعتراف الحكومي إلا بالعقود المسجلة في الشهر العقاري، امتناع شركات الخدمات والمرافق (المياه، الكهرباء، الغاز، التليفون) عن توصيل أو نقل الخدمات والمرافق للمشتري.

وتشترط وزارة العدل التابعة لها مصلحة الشهر العقاري سداد ضريبة التصرفات العقارية لقبول طلب التسجيل، البالغة 2.5% من قيمة العقد، على أن يلتزم البائع بتحمل الضريبة.

وزاد من السخرية حول مواد القانون، أن كل عملية تصرف تمت على العقار قبل عملية البيع الأخيرة، سيلزم المشتري الأخير بسداد قيم الضرائب عنها، بمعنى أنه إذا بيعت الوحدة لثلاث أشخاص قبل المشتري الأخير، سيكون هذا الأخير ملزما بسداد ضريبة التصرفات العقارية عن العقود الثلاثة السابقة بواقع 2.5% من قيمة كل عقد بالإضافة لضريبة عقده.

وإضافة إلى ضريبة التصرفات العقارية، سيتم سداد رسوم التسجيل، ورسم هندسي للوحدة، ورسم التصديق على العقد من نقابة المحامين (1% من قيمة العقد)، ونشر إعلان عن عملية الشراء للوحدة محل التسجيل على نفقة المشتري في جريدة حكومية، وهي في مجملها تكلفة تصل عند تسجيل وحدة سكنية مساحتها 100 متر إلى 21 ألف جنيه (نحو 1300 دولار)، بحسب "مدى مصر".

غياب تام

لم تأخذ المعارضة ضد قانون الجباية الجديد، أي منحى تصعيدي في الشارع المصري، وسط حالة من القمع الأمني المستمر، والاعتقالات العشوائية في مختلف المحافظات، على خلفية تظاهرات سبتمبر/أيلول الماضي، احتجاجا على هدم المنازل ورسوم التصالح في مخالفات البناء.

في الوقت ذاته، غابت الأحزاب والقوى السياسية والنقابية عن إبداء أي موقف إزاء القانون، وتجنبت الصحف ووسائل الإعلام التعبير عن أي موقف مضاد ناقد للسلطة التي تعاني عجزا ماليا فادحا، وتبحث عن تدبير احتياجاتها من جيوب المواطنين، عبر سلسلة من قرارات رفع الدعم ورسوم الخدمات، وإقرار ضرائب جديدة، وبيع لقاح "كورونا" مقابل 200 جنيه (نحو 13 دولارا).

ولم يظهر على الساحة البرلمانية أي موقف مناوئ للقانون، في ظل استئثار حزب "مستقبل وطن" (تابع للمخابرات المصرية) بالأغلبية، والإطاحة بالنواب المعارضين خارج قبة البرلمان في الانتخابات البرلمانية، ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وخلا الشارع المصري من أي مظهر رافض للقانون، خشية الاعتقال، وتلفيق التهم بالانتماء لـ"جماعة إرهابية"، والفصل من الوظيفة، وهي العقوبات التي تطال على مدار أكثر من 7 سنوات، معارضي حكم "السيسي".

حراك بديل

كان البديل لهذا الغياب القسري، مواقع التواصل، التي باتت أشبه برأس حربة لمعارضة شعبية بلا قيادة، وحراك فاعل، امتد إلى تيارات وشخصيات غير مسيسة، وتبلور في آراء ناقدة للقانون من شخصيات كانت محسوبة على النظام، وموالية للانقلاب العسكري يوليو/تموز 2013.

ومع توالي مقاطع الفيديو الرافضة للقانون، والساخرة من سياسة الجباية، اضطر النظام الحاكم عبر الإعلامي المقرب من الأجهزة الأمنية "أحمد موسى"، إلى التنصل من الأمر بتاتا، والإدعاء بأن "الإخوان" وراء تمرير القانون خلال فترة حكمهم (2013/2012)، ولاحقا، دعوة إعلاميين آخرين إلى تقسيط وتخفيض الضريبة.

لكن تواصل الضغط الذي لم يتجاوز أزرار الـ"الكيبورد"، فرض على الحكومة المصرية بشكل عاجل، إعلانا من قبل رئيس الوزراء "مصطفى مدبولي"، بإرجاء نفاذ التعديلات التي أدخلت على قانون الشهر العقاري، حتى نهاية العام الجاري.

وخلال اجتماع للحكومة، برر "مدبولي" إرجاء نفاذ هذا القانون، بإتاحة الفرصة للتعاون مع البرلمان في طرح بعض الأفكار للتيسير على المواطنين والتحفيز على التسجيل، مشيرا إلى أن نحو 95% من العقارات في مصر غير مسجلة، وأن الحكومة تأمل في قيام جميع المواطنين بتسجيل عقاراتهم، بهدف تحصين الملكيات.

ما حدث من تخبط وتراجع حكوميين، له دلالات، عبر عنها الكاتب الصحفي المقيم في الخارج، "جمال سلطان" بقوله عبر "فيسبوك": إن "الحكومة تراجعت عن قانون تسجيل العقارات تحت ضغط الرأي العام في فيسبوك وتويتر ومنصات التواصل الاجتماعي، أما الإعلام والصحافة فكانوا يلتزمون الصمت أو يؤيدون القانون تملقا، برلمان الشعب الحقيقي في مصر هو مواقع التواصل الاجتماعي، ما عداه هياكل وديكورات تكمل منظر الدولة لا أكثر".

ويعد التراجع الحاصل هذه المرة، هو الثاني من نوعه، خلال شهور قليلة، بعد تراجع مماثل عن هدم العقارات المخالفة، وتخفيض رسوم التصالح في مخالفات البناء، بعد مظاهرات واحتجاجات في قرى ونجوع مصر، قتل وأصيب خلالها العشرات، واعتقل على أثرها المئات جراء المطالبة برحيل "السيسي".

ويبدو أن الشارع المصري بصدد تصعيد غضبه، مع تداول مشروع يستهدف المزارعين، لفرض رسوم على ترخيص استخدام ماكينات الري بقيمة 5 آلاف جنيه (نحو 320 دولارا)، بالتوازي مع ارتفاعات مستمرة في فواتير الكهرباء والمياه والغاز والهاتف، ووسائل المواصلات والمترو وتذاكر السكك الحديدية، وبطاقات الهوية والأوراق الثبوتية الرسمية.

وربما تكون شبكات التواصل، دون قيادة أيدولوجية، منصة فاعلة لحراك مستمر قد يتم استثماره مستقبلا في إعادة بناء قوة سياسية منظمة تتحدى القمع الأمني من ناحية، وتوقف استنزاف جيوب المصريين من ناحية أخرى، وليس من المستبعد إعادة استنساخ حراك 25 يناير/كانون الثاني 2011، في ثوب جديد.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قانون تنظيم الشهر العقاري عبدالفتاح السيسي مواقع التواصل مستقبل وطن ضرائب جديدة

اقتصاد الجباية.. نظام السيسي يستنزف جيوب المصريين

بعد غضب شعبي.. السيسي يصادق رسميا على تأجيل قانون الشهر العقاري