استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الصراع على الحقيقة مع شركات العلاقات العامة

الأربعاء 14 أكتوبر 2015 05:10 ص

برغم التوسع الإعلامي الهائل خصوصا بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، تبقى الحقيقة هي السلعة الأكثر ندرة في عالم اليوم. وبرغم ما تدعيه وسائل الإعلام الحديثة من «موضوعية» و«حياد» و«استقلال» ستبقى معايير تلك الحقيقة نسبية وليست مطلقة، شأنها كبقية القضايا التي تهم القاطنين على هذا الكوكب، ومن تلك القضايا مقولات «الديمقراطية» و«حقوق الانسان» و«العدالة» و«الشفافية». فليس هناك نظام في هذا العالم يمارس هذه القيم بشكل مطلق، خصوصا في أوقات الأزمات.

وتساهم مقومات القوة في تأصيل التوجه لطمس الحقيقة، سواء القوة السياسية أم العسكرية أم الاقتصادية. وبدلا من الاستثمار في تعميق المفاهيم بأبعادها المطلقة فإن المنظومة الإعلامية تتأسس على فن عرض المعلومات وفقا لما يريده أصحابها، على أن تكون المساحيق اللامعة قادرة على تحقيق ذلك بدون إثارة شكوك الأطراف المستهدفة بالوسائل الإعلامية. وإذا كان الانطباع العام أن الوسائل الإعلامية مختصة بالشؤون السياسية التي تخدم الجهات التي تقف وراءها، فإن هناك قطاعات أخرى تهم حياة الانسان ومصالحه، تخضع للتشويه والتضليل بقدر غير قليل، وينفق عليها أموال طائلة.

في الأسبوع الماضي نشرت صحيفة «التايمز» البريطانية تحقيقا واسعا حول أساليب شركة «كوكا كولا» للتعتيم على دور المشروبات الغازية في انتشار ظاهرة البدانة. تقول الدراسة أن الشركة المذكورة تقوم بتمويل شركات علاقات عامة ومعاهد بحوث وجامعات للتقليل من علاقة السكر الذي تحتويه تلك المشروبات بالسمنة وما يرتبط بها من أمراض. فتخرج الدراسات والتصريحات التي تدعي «عدم وجود صلة بين المشروبات الغازية والبدانة، أو مرض السكر». وقد لا يكون الادعاء بهذه الصراحة بل يسعى أصحاب تلك التصريحات للايحاء بعدم وجود تلك الصلة بالقول «ان الصلة بينهما غير ثابتة». ويوازي تلك التصريحات والدراسات التي تبثها معاهد دراسية مثل «المعهد الأوروبي للشرب» حث قوي على ضرورة «تناول المشروبات الخفيفة خصوصا أثناء السفر»، والهدف هنا، حسب ما تقوله الصحيفة المذكورة، تشجيع المسافرين على شراء المشروبات الخفيفة من محطات البترول أثناء التزود بالوقود.

بل ان هناك حملات إعلامية مشتركة بين شركة «كوكاكولا» وشركة «شل» التي تملك نسبة كبيرة من محطات البنزين، لتشجيع المسافرين على تناول المشروبات الخفيفة. أما التمويل الذي يتحدث تحقيق «التايمز» عنه فيصل إلى الملايين. فبالاضافة للإعلانات التي تنشر في الصحف أو على لوحات الاعلانات في الشوارع العامة، فإن الدراسات الممولة من تلك الشركات قد تكون الأخطر، لأنها تبث معلومات وثقافة مختلفة في جوهرها عما هو سائد من قناعات تؤكد أن أضرار المشروبات الغازية وما تحويه من كيماويات وسكر تفوق منافعها الآنية التي لا تنحصر بتوفير الطاقة ومنع الجفاف.

هنا تبدو الحقيقة هي المستهدفة من إعلانات الشركات المتعددة الجنسية. وما أكثر ما يقال عن شركات صناعة الأدوية. فثمة رأي سائد بأن هذه الشركات تدير مؤسسات علاقات عامة ومجموعات ضغط تمارس دورها على الحكومات وأجهزتها التشريعية لمنع استبدال تلك الأدوية بغيرها وان كانت الاضرار الجانبية الناجمة عنها كبيرة.

ويذهب الخيال الشعبي للقول إن هناك أدوية توصل العلم الحديث إليها، أفضل كثيرا من الأدوية المتداولة من حيث فاعليتها وأضرارها الجانبية، وأن الحكومات تخضع لضغوط الشركات الكبرى بعدم دعم الأدوية البديلة. يضاف إلى ذلك أن من أكبر الخدع الإعلامية المضللة ترويج بعض أسماء الشركات في اغلب المجالات الحيوية، وجعلها معيارا للجمال والكمال في ذلك المجال.

فأحذية «نايك» مثلا تحتل المرتبة الاولى ليس في الأحذية فحسب بل في بقية المستلزمات الرياضية كالسراويل والألبسة. وتم الترويج لتلك «الماركات» حتى أصبحت لدى الشباب اليافع من ضرورات الزمن، فلا يقبل بغيرها مما لا يحمل اسم الشركات المشهورة وشاراتها. وأصبح ذلك يمثل عبئا على العائلات ذات الدخل المحدود، وساهم في تراكم الديون لصالح شركات بطاقات الإقراض.

أما الشركات الكبرى فتتصاعد فوائدها بشكل مضطرد. هذا يعني أنها كلما ازدادت ثراء ازداد عامة الناس فقرا. ومن المؤكد أن تداعي التوازن بين من يملك ومن لا يملك من بين أسباب تصدع المجتمعات وتداعي الاستقرار العام وتوسع الاضطراب السياسي خصوصا في الدول الثرية.

في الأسابيع الأخيرة عقدت الأحزاب الرئيسية الكبرى الثلاثة في بريطانيا مؤتمراتها السنوية التي تعد «مانفستو» العمل للعام المقبل وتحدد سياسات تلك الأحزاب. وتعتمد هذه الأحزاب في مدخولاتها، كثيرا على حضور ممثلي الشركات الراغبة في ممارسة الضغط على الأحزاب وممثليها البرلمانيين. وتصل رسوم حضور هذه المؤتمرات ألف جنيه استرليني للشخص الواحد. وتعتبر الشركات حضورها ضرورة لممارسة الضغط للتأثير على سياسات الأحزاب وانعكاس ذلك على التشريعات التي يصدرها البرلمان.

والمعروف مثلا أن هواة صيد الحيوانات البرية يمارسون ضغوطا متواصلة لعدم منع تلك الهواية الموروثة من الأجيال السابقة. وبرغم ضغط جماعات الرفق بالحيوان، فما تزال تلك الهواية مشروعة مع المزيد من الضوابط. أما في الولايات المتحدة فبرغم رغبة الرئيس «أوباما» بمنع امتلاك الأفراد ما يريدونه من أسلحة خفيفة، فإن ضغط الشركات المصنعة لتلك الأسلحة حال دون صدور تشريعات من الكونغرس بالمنع. وفي مطلع الشهر الحالي وقعت الحادثة الأخيرة في مسلسل إطلاق النار العبثي المتواصل في الولايات المتحدة.

فقد قام شخص بإطلاق النار داخل حرم جامعة «أورلاندو» وقتل 9 أشخاص قبل أن يفقد حياته. ووفقا لآخر الاحصاءات المتوفرة فإن الذين قتلوا بالأسلحة النارية في أمريكا في العام 2013 بلغ عددهم 33636 شخصا، أي بمعدل 100 شخص يوميا. مع ذلك لم تتوفر بعد الإرادة السياسية لمنع التملك الشخصي للسلاح، لأسباب عديدة من بينها التشبث بنصوص ميثاق تأسيس الفيدرالية الأمريكية، ونفوذ شركات تصنيع الأسلحة.

في الأسبوع الماضي كشف موقع «ذا إنترسبت» الأمريكي عن استمرار السعودية في إنفاق المال للاستعانة بجماعات ضغط أمريكية وخبراء في العلاقات العامة بهدف تحسين صورتها في واشنطن. وقال الموقع إن الشهر الماضي وحده شهد توقيع المملكة اتفاقين مع «Edelman» للعلاقات العامة، فضلا عن جماعة الضغط الأمريكية «Podesta Group».

وتعد شركة العلاقات العامة الأولى هي الأكبر من بين شركات العلاقات العامة في العالم وتساعد عملاءها على الفوز بتغطية إعلامية مناسبة في وسائل الإعلام الكبرى، في حين أن جماعة الضغط الثانية أسسها «طوني بوديستا» أحد كبار جامعي الأموال لصالح الحملة الانتخابية الرئاسية لـ«هيلاري كلينتون».

وفي آذار/مارس الماضي قامت المملكة بتوظيف جماعتي ضغط بارزتين في الولايات المتحدة وهما «DLA Piper» و«Pillsbury Winthrop Shaw Pittman» كما وظفت السفارة السعودية كذلك شركتين متخصصتين في تحليل البيانات الكبرى للزبائن السياسيين وهما «Targeted Victory» و«Zignal Labs».

أما البحرين فقد وقعت اتفاقات مع عدد من شركات العلاقات العامة الأمريكية والبريطانية. ولدى حكومة البحرين اتفاقات مع عدد من الشركات الأمريكية والبريطانية لتحسين صورتها في الإعلام ومع صناع القرار.

وفي الشهر الماضي قال تقرير رسمي أمريكي إن إنفاق الدول العربية على شركات العلاقات العامة الأمريكية فاق 30 مليون دولار خلال عام 2014.ووفقا للكشف الذي تنشره وزارة العدل الأمريكية حول إنفاقات السفارات العربية على شركات العلاقات العامة واللوبي لعام 2014 فقد أنفقت 14 دوله عربية حوالى 33 مليون دولار.

الأمر المؤكد أن احدا لا يملك الحقيقة وحده، ولكن أيضا أن الحقيقة مستهدفة من أعدائها. ولكن هناك قولا شائعا مفاده أن «الحقيقة لديها عادة وهي أنها تكشف نفسها دائما». ولكن هذا الكشف مشروط بأن ينشط أهلها لمساعدتها على الظهور بالنشاط المتواصل والإصرار على عدم الاستسلام أمام ضغوط المال أو السلطان.

٭ د. سعيد الشهابي كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

  كلمات مفتاحية

العلاقات العامة التواصل الاجتماعي حقوق الانسان الشفافية السعودية دول الخليج الصورة الذهنية

«ذا إنترسبت»: السعودية تتعاقد مع جماعات ضغط أمريكية لترسيخ نفوذها السياسي

كيف نجح اللوبي الإيراني بواشنطن في الترويج للاتفاق النووي؟

«نيويورك تايمز»: لوبي إماراتي خفي بواشنطن يدعم «الأسد» وإيران

الصورة الذهنية عن الوزارات والمسؤولين

الجمل والحصان وصورة العربي الذهنية